مهنة النوخذة مازالت قائمة إلى يومنا هذا بالرغم من تغيّر مهامها من تجارة النقل البحري والسفر الشراعي والغوص ونقل المياه والصخور إلى أن أصبحت مهامها ذات طابع أمني تقوم على تأمين السواحل وحماية الحدود البحرية.
وها نحن نقرأ اليوم في الصحافة المحلية خبر مساواة قائدي زوارق خفر السواحل «النواخذة» بزملائهم القوة البحرية التابعة لوزارة الدفاع في البدل الممنوح لهم، مما يدل على استمرارية هذا المسمى التاريخي، فكيف صمدت هذه المهنة واستمرت على مر الأزمنة بعد تغير مهامها؟
لاشك أن الفضل يرجع في ذلك إلى رجال البحر الذين ساهموا في حفظها عبر الأجيال بعد أن توارثوها من الرعيل الأول، ونقلوها إلى مؤسسات بحرية تم إنشاؤها في خمسينيات القرن الماضي كالموانئ والإطفاء البحري والناقلات وخفر السواحل، الذين استعانوا بخبرات رجال البحر في تشغيلها وتسيير عملياتها.
فالنواخذة المؤسسون للموانئ وخفر السواحل والإطفاء البحري والناقلات هم من الرعيل الأول من جيل الشراع والاهتداء بالنجوم والديرة (البوصلة) قبل اكتشاف النفط، وقد التحقوا بهذه المؤسسات وعملوا كمرشدين بحريين وقادة زوارق فأثاروا إعجاب المسؤولين والخبراء الأجانب كما فعل سلفهم بقباطنة البارجة البريطانية شورهام، وبالقبطان العالمي ألين فليبر الذي وصفهم بأبناء السندباد في رحلته إلى الهند على ظهر بوم بيان سنة 1938.
أبدعوا في زمن الشراع، وصمدوا في زمن تغير مهامهم البحرية، وتطوروا مع دخول اللنجات البخارية والزوارق الحديدية وأجهزة الرادار وغيرها من الأجهزة الملاحية الحديثة، وتتلمذ على أيديهم الكثير من الضباط والقباطنة وقائدي الزوارق (النواخذة الجدد)، فاستفادوا من خبراتهم في قيادة وتصميم وصناعة السفن، وفي وضع الخرائط والإشارات البحرية، وفي تحديد مواصفات الزوارق الفنية، وتأمين السواحل الكويتية، وتلبية نداءات الاستغاثة، والتنبؤ بالتقلبات الجوية (السرايات)، وكيفية عبورهم للممرات المائية الضحلة، وقياس وتسجيل الأعماق، حتى أشاد بإنجازاتهم قيادات الدولة السابقون واللاحقون من وزراء ووكلاء الداخلية والدفاع، ومنتسبي الموانئ والإطفاء وخفر السواحل والقوة البحرية، لذا وجب تسليط الضوء عليهم تخليداً لذكراهم وتوثيقاً لتراثهم الذي حافظوا فيه على استدامة مهنة النوخذة عبر الأزمنة.