بينما يترقب العالم هذه الأيام تطورات ما بات يعرف بالأزمة المحتملة للمصارف العالمية، وما يمكن أن تخلفه من تبعات على انكشاف البنوك حول العالم أو التأثير السلبي على أسعار الأصول أو الفائدة، فضلا عن الطلب على النفط، تبدو الكويت كدولة غير واعية بما يحدث من تطورات قد تؤثر بشكل سلبي على مصدر إيرادها الأساسي وشبه الوحيد وبالتبعية ماليتها العامة.

فمنذ بدء أزمة سيليكون فالي (svb) بالولايات المتحدة في 10 الجاري، مرورا بأزمة بنك كريدي سويس السويسري حتى يوم أمس الأربعاء، تراجع سعر برميل النفط الكويتي بـ 9.6 في المئة (وصل انخفاضه خلال الأسبوع إلى 13 في المئة) بالغا 75.2 دولارا للبرميل، ومبتعدا عن سعر التعادل المقرر بالميزانية العامة للدولة 2023 - 2024 التي تعد الأعلى إنفاقا بتاريخ البلاد، والبالغ 92.9 دولاراً، والمقرر بدء العمل بها مطلع أبريل المقبل بـ17.7 دولارا، أي بفارق سلبي يعادل 19 في المئة.

Ad

سوق نفط هش

يأتي هذا التراجع المرتبط بأزمة البنوك العالمية المحتملة بالتوازي مع أوضاع سوق نفط هش، متأثر بالأساس بتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي أفضت إلى تحديد الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الـ7 الصناعية الكبرى لسقف سعري لصادرات النفط الروسية المنقولة بحرا عند 60 دولارا للبرميل، إلى جانب اتفاق منتجي النفط على الإنتاج عبر منظومة أوبك بلس، وهو اتفاق على ما يبدو قد لا يحظى بالقدر الكافي من استمرار التوافق، خصوصا لدى المنتجين الخليجيين إلى عودة جماعات الضغط بالولايات المتحدة لا سيما في الكونغرس أو الحزب الديموقراطي لطرح قانون «نوبك»، الذي يفرض عقوبات مالية وضريبية على دول منظمة أوبك باعتبارها تمارس سياسات احتكارية في سوق النفط، فضلا عن التطور الأخير الخاص بتهدئة الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج العربي بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مما يعني تدفقا آمنا لصادرات تناهز 20 مليون برميل يوميا من نفط دول الخليج وإيران والعراق بلا مخاوف كانت سائدة سابقا مما يخصم من فاتورة آثار أي أزمة جيوسياسية على أسعار النفط.

غياب سلطات وقيادات

بالطبع هذه العوامل في سوق النفط تنعكس سلبا على كل المنتجين، وخصوصا الدول الخليجية، إلا أن الوضع بالنسبة للكويت أكثر سوءا من غيرها، خصوصا من زاوية انعدام مرونتها في التعامل مع الأحداث والتطورات الاقتصادية العالمية، فبالتوازي مع انفلات الإنفاق العام تعاني الكويت من غياب كامل لإدارتها العامة، سواء في جناحها التشريعي الذي دخل أزمة شرعية - بغض النظر عن مسبباتها - لن يكون ضحيتها إلا التشريع والرقابة أو في جناحها الأهم والأكبر وزنا أي التنفيذي، إذ قدمت الحكومة استقالتها منذ شهرين، ودخلت البلاد في حالة أشبه بالشلل، مع توقف معظم أعمال الإدارة العامة على الرغم من تنوع القضايا الملحة أو المتأخرة التي لا يحتمل بعضها التأخير في قضايا الاقتصاد والخدمات، خصوصاً في ظل فراغ غير مبرر في إحلال قياديين جدد في العديد من المؤسسات المالية أو الاقتصادية محل الذين انتهت خدماتهم أو أحيلوا إلى التقاعد خلال الأشهر القليلة الماضية، مما يجعل شلل الإدارة في البلاد مضاعفا، إذ لا حكومة تتولى أو ترسم أي سياسات عامة ولا برلمان قادراً على الاجتماع، ناهيك عن التشريع، ولا أصلا قياديين لديهم أي صلاحية في أدنى درجات القرار أمام أي تحد مهما كان بسيطا.

لا مراجعة ولا شفافية

هذه الأوضاع في الكويت سيئة جدا، لأنها تشير إلى تفاقم أزمة الإدارة في البلاد، لدرجة أن كل هذه المخاوف العالمية لم توقظ أحدا في البلاد، مثلا لعمل مراجعة للانفلات المالي في ميزانية الدولة البالغة قيمتها 26.2 مليار دينار، والتي تتجاوز الميزانية السابقة بإنفاق يبلغ 3.3 مليارات دينار، خصوصا أنها تتضمن بنودا استثنائية ربما تتحول إلى دائمة لارتباطها بالصحة والإسكان والكهرباء وغيرها، ناهيك عن بدعة بيع الإجازات التي ستكلف لوحدها المالية العامة في عام واحد 481 مليون دينار.

وكذلك لم تحرك المخاوف العالمية من تدهور أوضاع بنوك عالمية أيا من مؤسسات الاستثمار السيادي في البلاد، كالهيئة العامة للاستثمار أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية اللتين تمتلكان أصولا بمئات المليارات من الدولارات في العديد من الأسهم والصناديق والسندات والبنوك العالمية، والتي من المرجح أن تعرضت استثماراتهما لانكشاف بدرجة ما من التحولات السلبية في النظام المصرفي العالمي، وبالتالي فإن الشفافية التي كانت تتباهى بها هيئة الاستثمار والتأمينات في فترات الرواج وتحقيق الأرباح الاستثمارية وارتفاع أسعار الأصول تختفي مع أي هزة تفضي لنتائج سلبية على استثمارات الكويت السيادية الخاصة بالدولة أو مواطنيها.

حلول منحرفة وترقيعية

واحدة من مشاكل الإدارة في الكويت أن انخفاض أسعار النفط غالبا ما يفضي إلى تبني حلول منحرفة وترقيعية، كتبني خيار الدين العام دون وجود خطة إصلاح اقتصادي أو مالي أو حتى دون وجود من يحترمها أو ينفذها حال إقرارها أو تحميل المجتمع فاتورة إخفاق إدارة الدولة للمالية العامة والاقتصاد من حيث محاولات فرض ضرائب كالقيمة المضافة وغيرها أو إعادة تسعير الخدمات العامة والسلع، كالكهرباء والماء والوقود، وهذه كلها معالجات يمكن أن تكون منطقية، ولو جاءت ضمن مشروع إصلاح اقتصادي حقيقي تحترمه الحكومة أولا ويراعي أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة ثانيا، وفي نهاية الأمر يستهدف الاستدامة.

لا يوجد أسوأ من إدارة عامة لا تحسن قراءة المخاطر التي تواجه مصدر دخلها الوحيد، ولا تبادر في تقديم على الأقل حلول دفاعية أقلها على الإطلاق إعادة هيكلة ميزانية متضخمة ومنفلتة في مصروفاتها، يبدأ إنفاقها مطلع الشهر المقبل وإعادة العمل بمؤسسات وهيئات وقطاعات أصابها الشلل في وقت يتطلب الكثير من التحرك والعمل.