على وقع التهاب سعر صرف الدولار وتعاميم حاكم مصرف لبنان التي تسهم في انخفاضه، اشتعل الشارع اللبناني الذي ضج بتحركات واحتجاجات في مناطق مختلفة رفضاً للانهيار السريع الذي تشهده البلاد وسط عجز سياسي كامل عن مواكبة الأزمة والسعي إلى الحدّ منها.
وتتوقع أوساط مالية واقتصادية أن يكون التدهور أسرع مما يتوقع أحد، خصوصاً في ظل تفلت الأمور من عقالها وعدم قدرة المصرف المركزي على التدخل لضبط السعر، علماً بأن أي تعميم جديد أو قرار يتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فإن آثاره ستكون قصيرة الأمد، ولن تدوم طويلاً ما سيؤدي إلى تهدئة السعر ومن ثم معاودة الارتفاع.
وتواصلت منذ امس الأول الاحتجاجات وقطع الطرقات في عدة مناطق، في حين اتخذت الامور منحى أكثر توتراً في ساحة رياض الصلح وسط مدينة بيروت، عندما تصدت الأجهزة الأمنية للمتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع بعد أن حاولوا الاقتراب من السراي الحكومي.
وتؤكد مصادر اقتصادية أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه بدون أي معالجة سياسية سريعة تبدأ باتفاق سياسي على انتخاب رئيس للجمهورية فإن الانهيار لا بد أن يؤدي إلى انفجار كبير يصعب لجمه.
وحاولت قوى السلطة تنفيس احتقان الناس من خلال تحويل جلسات اللجان النيابية المشتركة إلى جلسة لمساءلة الحكومة، في حين دعا عدد من النواب إلى إعلان حال الطوارئ، وشدد آخرون على أن الحل يبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
سياسياً، لا تزال التطورات تراوح مكانها، وسط عجز داخلي كامل عن إحراز أي تقدم في ملف الانتخابات الرئاسية، وهو ما يضع جميع الأطراف اللبنانية من مختلف التوجهات السياسية في موقع المتفرج على التطورات الإقليمية التي شهدتها المنطقة مؤخراً وكيفية انعكاسها على الساحة اللبنانية، في حين يراهن كل طرف على أن تصب نتائجها في مصلحته.
في هذا السياق، يعتبر «حزب الله» وحركة أمل أن الاتفاق السعودي ـ الإيراني وسعي الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، سيكونان في مصلحة خياراتهما وسيؤديان إلى تسهيل انتخاب مرشحهما سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، اذ إن رفض خيار فرنجية سيتحول إلى موافقة.
في المقابل، فإن خصوم الحزب وفرنجية يعتبرون أن الاتفاق أرسى نوعاً من التوزان لا بد له أن ينعكس في آلية تشكيل السلطة اللبنانية، وبالتالي فإن انتخاب فرنجية سيشكل اختلالاً في التوازن.
وتقول أوساط فرنجية إنه لن يعلن ترشيحه رسمياً قبل أن يُبلّغ بعدم وجود فيتو سعودي عليه، وهذا يعني أنه لا يريد الحصول على موافقة سعودية بل غض نظر. ما يراهن عليه فرنجية و«حزب الله» أيضاً، هو محاولة أخيرة قد يقوم بها الفرنسيون من خلال مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يوافق على خيار فرنجية، علماً بأن محاولات فرنسية كثيرة حصلت سابقاً من ماكرون ولم يكن له ما يريد.