أولاً وأخيراً: الحل في «الحل»
في الوقت الذي كان ينتظر الكويتيون تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إحداث توافق مع السلطة التشريعية جاء حكم المحكمة الدستورية بإبطال مجلس الأمة الحالي 2022 وعودة مجلس 2020، ليزيد المشهد السياسي تعقيداً ويربك الحالة السياسية في البلاد، فالحكم في توقيته ودلالاته وأسانيده وجّه ضربة مزدوجة للحكومة والمجلس معاً، ورغم إعلان الامتثال والاحترام الكامل لحكم الدستورية من جميع الأطراف، لكن تبقى في القلوب غصة وفي الحلوق مرارة، فهذا الوضع الكل فيه خاسرون وأكبر الخاسرين هي الكويت التي تعيش في دوامة عدم الاستقرار السياسي منذ سنوات، وما ترتب على ذلك من تعطيل لخطط التنمية، وجعلنا نتأخر كثيرا عن ركْب التقدم والنهضة.
لقد أظهرت حيثيات حكم الإبطال وجود مخالفات دستورية لمرسومَي الحل والدعوة لإجراء الانتخابات المعدّين من قبل الحكومة، الأمر الذي يحملها المسؤولية السياسية لتبعات المرسومين، ويؤكد فشلها في إتمام عملية إدارة حل مجلس 2020 بشكل يتواءم مع مواد الدستور، رغم امتلاكها الوقت الكافي والأدوات اللازمة لإنجاح عملية كهذه، كذلك فإن الحكومة فشلت في الاستفادة من حالة الاصطفاف والتأييد الشعبي والنيابي الذي كانت تحظى به، حيث تلقت من المواطنين ونواب المجلس المبطل غزلاً سياسياً استثنائياً لم تتلقه أي حكومة سابقة لكنها سرعان ما فقدت هذا التأييد الشعبي والنيابي لعدم قدرتها على التصدي لانشغالات المواطنين ومطالبهم ووضع الحلول لمشاكلهم، إضافة إلى حالة الارتباك والفوضى التي ظهرت خلال اتخاذها القرارات.
وإذا كانت خسائر إبطال مجلس 2022 قد أصابت جميع نوابه، لكنها كانت أشد ألماً على رموز المعارضة الذين اكتسحوا مقاعد المجلس، وسيطروا على مكتبه ولجانه، لكنهم مالوا إلى صف الحكومة وقدموا لها كل أشكال الدعم والتأييد، فالشارع الذي تعوّد منهم المواجهة والصدام مع الحكومات المتعاقبة لم يهضم تحولهم إلى مساندة حكومة لم تقدم شيئاً للمواطن، وعجزت عن طرح مشروع إصلاحي أو برنامج تنموي يبرر أمام الشارع اصطفافهم مع الحكومة وتقديم الحماية النيابية لها، وبالتالي فإن نواب المعارضة يتخوفون الآن من احتمالية اللجوء لانتخابات مبكرة وهم في هذا الوضع الانتخابي، فهم يدركون أن التأييد الذي يحصلون عليه من المواطنين يعتمد على مدى الاختلاف وعدم التوافق مع الحكومة وقدرتهم على المواجهة والتصعيد السياسي واللعب على المشاريع الشعبوية ودغدغة المشاعر.
وأمام هذه العاصفة السياسية التي تمر بها الكويت وهذا التداخل الشديد والمعقد للمشهد أصبح المواطن هو الخاسر الأكبر من هذه الفوضى التي هزت كل ما آمن به وصدقه، وأصبح على الحكماء والمخلصين أن يبذلوا جهوداً أكبر للخروج من هذا النفق المظلم الذي برأيي يتطلب أمرين:
الأول، الإسراع في إصدار قانون المفوضية العليا لشؤون الانتخابات لتدارك الشبهات والشكوك التي شابت العملية الانتخابية الماضية، وكذلك إصدار التشريعات المتعلقة بالبطاقة المدنية وتوزيع المناطق بحسب الدوائر الانتخابية لضمان الشفافية وعدم الوقوع في أخطاء قانونية جديدة.
أما الأمر الثاني فإنه يجب أن يتزامن استعادة مجلس 2020 لكامل صلاحياته الدستورية وممارسة النواب لكامل صلاحياتهم مع السعي إلى العودة إلى الشعب مرة أخرى لاختيار ممثليه، خصوصاً أن المسببات التي اقتضت حل مجلس 2020 لا تزال قائمة والأزمة مستمرة، ولن يكون هناك استقرار أو تعاون إلا من خلال وجود مجلس أمة يتم اختياره بعناية من قبل الكويتيين، والله الموفق والمستعان.