كمال أجسام الرياضيات!

نشر في 24-03-2023
آخر تحديث 23-03-2023 | 17:06
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

تعلمنا منذ الصغر أن الرياضيات هي أم العلوم وأن كل العلوم تعتمد عليها وهي لا تعتمد على أحد، وأنها أهم مادة، وكنا نظن أننا نحن المتميزون فقط، أصحاب التشعيب العلمي، الذين باستطاعتهم حل الرموز الرياضية والشفرات المعقدة، ونحن من نعرف هذه اللغة التي جزع منها الكثيرون، ونحن نوابغ المستقبل الذين فضلوا الفهم على الحفظ، وكنا نفتخر بدراسة الرياضيات، حتى أن بعض الطلبة كان يتخصص علمي للتباهي والتميز أكثر من اقتناعه بطبيعة الدراسة.

ولكن بعد دراستي علوما أخرى ومناهج تربوية، تبين لي ما يخالف ذلك، واكتشفت أننا كنا مخطئين، وأن الرياضيات ليست مقياسا للذكاء العام كما صوّره لنا المنهج، وأنه لا توجد نظرية علمية تثبت ذلك الادعاء! وأن كل علم من العلوم يعتمد على طريقة ذكاء مختلفة، فلا أدري كيف كنا نفكر.

في هذا المقال أود أن يتّضح للقارئ العزيز الفرق بين مبادئ الرياضيات المهمة التي ينبغي علينا تعلمها جيدا، وبين الرياضيات العميقة التي لن ينتفع بدراستها إلا فئة محدودة من التخصصات.

في الواقع نحن جيل تربى في ظل منهج دراسي يعرض لنا قوة الرياضيات بتفاصيلها وعمقها، ولا يعرض لنا قوة التخصصات الأخرى بالقدر نفسه، وهذا ما يشعرنا بالمهابة من علم الرياضيات، ولو عُرِضت علينا قوة المواد الأخرى بالقدر والتفاصيل لشعرنا بأهميتها أكثر من الرياضيات.

إن عدد الساعات المقرر تدريسها في الرياضيات أكثر من بقية المواد الدراسة، والمنهج يفرض على الطلبة دراسة أكثر مما هو لازم معرفته، فلَمْ يبق فرع من أفرع الرياضيات إلا دخلوا فيه، فأصبحوا يدرّسون الطلبة علم الجبر والهندسة والتفاضل والتكامل، ودراسة المثلثات والمكعبات وإيجاد الحاصل الديكارتي! عرض شامل للعضلات.

والحقيقة كما تعلمون أنه لم يبق من الذي تعلمناه في الرياضيات إلا ما درسناه في المرحلة الابتدائية والذي نمارسه يوميا، فلماذا نفرضها على أنها مادة أساسية، ونختبر الطلبة في تفاصيل التفاصيل، التي لن ينتفع منها إلا تجّار الدروس الخصوصية!

يقول عالم الأحياء الأميركي (E.O.Wilson): «إن عقبات الرياضيات- يقصد بها امتحان القدرات والمقررات المفروضة- حرمت العلم من قدر لا يُحصى من مواهب تشتد الحاجة إليها». أنصح بقراءة كتاب «the math myth» (خرافة الرياضيات) للعالم السياسي الأميركي «Andrew Hacker» الذي يرفض إلزامية الرياضيات العميقة في المناهج، لأنها تحجب رؤية المواهب الأخرى.

وأتمنى من وزارة التربية أن تعطي الرياضيات نصيبها المعقول في المنهج، فأهميتها لا تقل عن أهمية المواد العلمية الأخرى، فأرجو أن تقلل نصاب حصص الرياضيات وتستبدل بها مواد عملية تقوي شخصية الطالب وتفيده في حياته اليومية، وبذلك نكون وفرنا فرصاً متساوية في جميع المجالات، ليتعرف الطالب على قدراته ومواهبه في العلوم الأخرى وينميها ويبدع فيها.

back to top