بقايا خيال: حضارة سادت... وأخرى مصيرها الإبادة!!
الدولة أو السلطة أو الحكومة التي تعمل على كسب ولاء فئة معينة من الناس، أو استمالة ولاء طائفة من البشر، أو جذب ولاء قبيلة دون غيرها، فإن مصيرها فشل ذريع في شتى المجالات، ومآلها الاضمحلال والزوال لا محالة طال الزمن أو قصر، ذلك لأن الناس، وفي سالف الأزمان حتى يومنا هذا، لا يختلفون عن نار جهنم التي تقول هل من مزيد، فإلى متى سيستمر أسلوب كسب الولاءات؟ وإلى متى هذا الإذلال للحكومات؟
تخيل أن حكومة يعمل فيها أكثر من 15 وزيراً ويعمل في كل من هذه الوزارات آلاف الموظفين، وتخيل أن أغلب قياديي كل وزارة من هذه الوزارات نزلوا على كل منصب فيها بالبراشوت خلال الثلاثين سنة الماضية، وتخيل أن كل هؤلاء لم يحصلوا على مناصبهم حسب التخصص والكفاءة والخبرة والإنجاز المهني، بل أحضرت الوظائف إليهم على أطباق من الذهب والفضة بسبب الواسطة والمحسوبية لتحقيق منافع خاصة لا علاقة لها بالوطن.
الغريب أن هؤلاء القياديين يرأسون موظفين حصلوا على درجات علمية نادرة وتخصصات مطلوبة في السوق، ويتمتعون بالكفاءة والخبرة وبإنجازات مهنية، وفي الوقت نفسه لا يحق لأي من هؤلاء الموظفين أن يحلم بتبوء منصب في المؤسسة التي يعمل فيها، ورغم كل هذه الفوضى الوظيفة التي تعشش في وزارات الدولة، تتبجح بعض الوزارات أو المؤسسات الحكومية بطريقة غبية بالحديث عن وجود حوافز وظيفية أو عوامل جذب مهنية، وكأن العاملين لا يعرفون الظواهر السلبية التي أدخلها النواب والوزراء والمتنفذون إلى مجتمعنا، ومن ثم إلى مؤسسات الدولة.
الغريب أن متوسط عمر الوزارات الكويتية لا يتجاوز 558 يوماً، وصار عرفاً في الحكومات الكويتية أن يدخل الوزير الجديد وزارته الجديدة ومعه كامل فريقه الإداري والفني، ليس لكفاءة هذا الفريق ولكن لأسباب انتخابية أو طائفية أو قبلية، وبعد كل هذه الخلطات المثيرة للغثيان يمكث أغلب الموالين للوزير السابق في الوزارة، فيقرر الوزير الجديد إحالتهم لديوان الوزارة برواتبهم السابقة نفسها، لتتضخم الوزارات بموظفين لا فائدة منهم وصاروا عبئاً على الوزارة، وبعد كل هذا العبث العلني يتحدث المتنفذون عن وطنيتهم. السياسيون المحنكون يقرأون التاريخ، حتى لو كان موغلاً في القدم، ويتعلمون الدروس ويطبقون ما يفيد متى سنحت الفرصة، ولنا في تاريخ سنغافورة الحديثة أسوة حسنة، وما من قارئ إلا وعرف أسلوب رئيس وزراء سنغافورة الأسبق الراحل «لي كوان يو»، حتى صار مضرباً للأمثال في الحكم الرشيد وكيفية إدارة البلد بحزم، والاعتماد على الكفاءات الوطنية والخبرات المهنية، حتى أوصل بلاده إلى ما وصلت إليه من رقي في كل القطاعات والمجالات، ومن ثم تحقيق السمعة الطيبة بين دول العالم، فلم لا يكون النموذج السنغافوري ملاذاً آمنا للتطبيق عندنا في الكويت، وما أسهل هذا النموذج في فهمه وتطبيقه؟ الأمير الراحل المغفور له بإذن الله الشيخ صباح الأحمد زار سنغافورة قبل عقدين من الزمن، عندما كان رئيساً للحكومة، واطلع على كيفية إدارة مؤسسات الدولة هناك، ومنها الموانئ، فطلب من أعضاء الوفد المرافق تطبيق النموذج السنغافوري في هذا المجال، لكن «عمك أصمخ».