في ظلال الدستور: لا بطلان بغير نص أو مقتضى ولا جزاء إلا عدل الفعل (1-3)
عطفاً على مقالي الأحد الماضي تحت عنوان: «في غياب الحكومة لا يبطل اجتماع المجلس وتأجيله أصبح عرفاً دستورياً»، على سند من التفسير الصحيح لنص المادتين (116) و(97)، ذلك أن أولاهما تنص في عجزها على أنه «ويجب تمثيل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها» وأن ثانيتهما تنص على أنه «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه»، ونستكمل في مقال اليوم حديثاً ضرورياً عن البطلان وعدل الفعل على التوالي:
سيادة الأمة وحقوقها
في إطار التطبيقات المختلفة لنص المادة (6) من الدستور التي تقرر أن «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور»، كان من أوجه ممارسة هذه السيادة، وحقا من حقوق الأمة، قيام ممثليها بممارسة حقوقها في التشريع، وفي مساءلة ومحاسبة الحكام من خلال الاجتماعات التي يعقدها مجلس الأمة لممارسة اختصاصاته التي نص عليها الدستور، والتي استقل الدستور بتنظيمها، سواء في نصاب انعقاد هذه الاجتماعات، أو في نصاب اتخاذ القرارات فيها، فنصت المادة (97) من الدستور على أن «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة».
فهذا النص يقرر حقاً دستورياً أصيلاً للأمة، ويضع الأسس السليمة لممارسة سيادتها، فلا يجوز من خلال تفسير النصوص إهدار هذا الحق أو تعطيل جوهره، والخروج على الضوابط التي نصت عليها هذه المادة، مصداقاً لما قضت به المحكمة الدستورية من أن الأصل في الحقوق والحريات التي كفلها ممارستها دون تقييد، وأنه لا يجوز حتى إذا عهد الدستور للمشرع بتنظيم حق من الحقوق الدستورية، أن يجاوزه إلى إهدار الحق أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره، أو الخروج على الضوابط والحدود التي نص عليها الدستور، وإلا وقع القانون فيما جاوز فيه دائرة التنظيم مخالفاً للدستور. (حكم المحكمة الدستورية في الأول من مايو سنة 2006 في الدعوى رقم (1) لسنة 2005)
وينطبق ذلك من باب أولى على تفسير النصوص الدستورية التي تقرر حقوقاً نص عليها الدستور، التي لا يجوز أن تكون موطئاً إلى تعديل هذه النصوص، أو الإتيان بجديد على النص الذي تفسره، بل تزيل ما اعتوره من غموض أو تناقض، ولا اجتهاد مع صراحة النص، وهو الخطأ الذي وقع فيه القائلون ببطلان اجتماع المجلس، الذي تغيب عنه الحكومة.
النظرية العامة للبطلان
وهي نظرية مستمدة من المبادئ العامة للقانون، سواء كان قانوناً عاماً أو كان قانوناً خاصاً، فتشمل القانون الدستوري، وإن أفرد لها المشرع الكويتي تنظيماً خاصاً في قانون المرافعات المدنية والتجارية، باعتبار أن أغلب تطبيقات هذه النظرية تكون في الإجراءات القضائية التي اشتمل عليها هذا القانون.
وتستمد أحكام هذه النظرية أساسها من أن الأصل في الأشياء الإباحة، وقد فرض الدستور ولائحته الداخلية التي فوض المشرع في وضعها، على كل عضو من أعضاء المجلس، حضور اجتماعاته، فهو فرض عين على كل عضو، حتى يتحقق نصاب انعقاد المجلس، وتصح قراراته بحضور أكثر من نصف أعضائه، ولذلك توجب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، الصادرة بتفويض من الدستور، وعلى من يغيب من أعضاء المجلس عن اجتماعات المجلس تقديم اعتذار عن عدم الحضور، وتنشر أسماء الأعضاء الغائبين في الجريدة الرسمية، لحث الجميع على الحضور.
إلا أن الدستور أورد استثناءً على هذا الأصل، بالنسبة إلى الوزراء، تقديراً لمسؤولياتهم الكبيرة في إدارة دولاب العمل الحكومي، بأن جعل حضور الوزراء اجتماعات المجلس فرض كفاية، إذا حضر رئيس مجلس الوزراء أو بعض الوزراء جلسات المجلس سقط هذا الفرض عن باقي الوزراء فيما نص عليه عجز المادة (116) من الدستور من أنه «ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها»، وقد فسرت عبارة «بعض أعضائها» الواردة في هذا النص على اعتبار حضور وزير واحد يكفي لتمثيل الوزارة في جلسات المجلس.
فلا يجوز- في المنهج الأصيل للتفسير- تمييز عضو في المجلس على سائر أعضاء المجلس، منتخباً أو معيناً بل حتى على رئيس المجلس ذاته، لكونه يحمل حقيبة وزارية، فيشق بهذه الحقيبة السحرية نصاب الانعقاد كما شق سيدنا موسى البحر بعصاه، فيبطل غياب من يمثل الوزارة في جلسات المجلس اجتماعاً للمجلس توفر شرط صحته بحضور أكثر من نصف أعضاء المجلس، وقد حرمت المادة (97)، على رئيس المجلس أن يكون له صوت مرجح في التصويت على اتخاذ القرارات، فيما نصت عليه فقرتها الثانية من أنه «وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضاً» وحيث ينوب عن الرئيس عند غيابه نائب الرئيس فأمين السر فالمراقب عند غيابهما، كما لم ينص الدستور على ترجيح أصوات الحكومة في اتخاذ أي قرار من قرارات المجلس، وتمثل ثلث أعضاء المجلس، وربع المصوتين فكيف يكون غياب وزير واحد، يمثل الوزارة في اجتماع المجلس، له كل هذه القوة والقدرة السحرية على إبطال اجتماع المجلس بسبب غيابه وإبطال القرارات التي اتخذت فيه؟!
وللحديث غداً إن شاء الله بقية إن كان في العمر بقية، وإن غداً لناظره قريب.