بعد تردد طويل، قرر حلفاء طهران في البرلمان العراقي تغيير قانون الانتخابات، معلنين استعدادهم لمواجهة الغضب العارم في صفوف التيار الصدري والتيار المدني، وهما طرفان نجحا في الاستفادة من القانون السابق بنظام الدوائر المتعددة، حيث يضمن تنافسا داخل دوائر ضيقة، ولا يفوز فيه إلا من يمتلك شعبية في منطقته.
وظهرت احتجاجات شعبية محدودة منذ قرار البرلمان (الذي لم يكتمل بعد) بإلغاء الدوائر المتعددة واعتماد النظام القديم المعروف بـ»سانت ليغو» أو التمثيل النسبي في دوائر كبيرة، لكن مع بداية الليل يوم الجمعة تقاطرت حشود كبيرة نسبيا الى بغداد قادمة من جنوب العراق، وتجمعت قرب المباني الحكومية في منطقة «العلاوي»، بينما انتشرت قطعات الجيش ومكافحة الشغب بنحو واسع حول المنطقة الخضراء، خشية تصاعد الاحتجاج أو وجود نية لاقتحام البرلمان، وأدى الأمر الى تأجيل الجلسة إلى السبت، لكن اصوات الاحتجاج انتقلت الى داخل البرلمان حتى الفجر، وعطلت انعقاد الجلسة، بينما استمر مئات المعتصمين بالتوافد قرب بوابات المنطقة الحكومية.
واستخدم قانون الدوائر المتعددة في انتخابات أكتوبر 2012، وأدى إلى تغيير كبير في أوزان القوى النيابية، حيث اكتسح التيار الصدري البرلمان بنحو 73 نائبا، وظهر ما لا يقل عن 30 نائبا مستقلا مؤيدا لحراك «تشرين» المدني لأول مرة، بينما تراجع تمثيل حلفاء طهران الى النصف، ولولا استقالة نواب الصدر من البرلمان لما استطاع محمد شياع السوداني، وهو ممثل معظم الفصائل حتى الآن، تشكيل حكومته.
ولم يعلن الصدريون وقوفهم وراء الاحتجاجات، كما لم يقم أي ممثل بارز لحراك تشرين الشعبي بإعلان مسؤوليته عنها، لكن وسائل الإعلام وقنوات تلغرام المقربة من الطرفين، تدعو للتحشيد ضد القانون، وتتحدث عن سيناريو نصب خيم اعتصام امام بوابات المنطقة الخضراء أو داخلها، لأن السماح بالعودة الى قانون الانتخابات القديم سيعني «بقاء الفاسدين والتبعيين» في السلطة، وهو تعبير صدري يصف الخصوم بأنهم تابعون لإيران ومتورطون بالفساد.
ومنذ انسحاب الصدر الصيف الماضي من البرلمان، بعد اعتصامات واشتباكات في قلب بغداد مع الفصائل الموالية لطهران، قال زعيم التيار انه يعتزل السياسة، ولم يتدخل في أي شأن سياسي، واقتصرت تعليقاته على الترحيب بالضيوف الخليجيين في كأس الخليج بالبصرة، أو رفضه عرض مسلسل حول معاوية بن أبي سفيان على شاشة «ام بي سي» في شهر رمضان، وهو ما استجابت له السعودية، وصار يهتم بأشياء بعيدة عن السياسة من هذا القبيل. لكن الوسط السياسي في بغداد لم يتوقف عن طرح ما يعد أخطر سؤال في هذه المرحلة: متى سيعود مقتدى الصدر الى الشارع؟
ولجأ البرلمان الى وسائل عديدة لتجنب غضب التيار الصدري والتيار المدني ايضا، من قبيل انه لم يصوت دفعة واحدة على تغيير القانون القديم، بل قام بتقسيم الفقرات على عدة جلسات، ومنها اختيار توقيتات غامضة او مفاجئة للجلسات، فقد عقدت الجلسة الماضية فجراً، أما الاخرى فمن المقرر عقدها الثامنة مساء، ومن الممكن ان ترجأ كذلك الى الفجر.
ولا أحد يستطيع التكهن بإمكانية أن يعود الصدر الى الواجهة أم لا، لكن الأكيد هو ان كل حلفائه المحتملين، او المستفيدين من معارضته لفصائل إيران، لم يعودوا يراهنون عليه بشكل حاسم، بعد أن اتخذ قرارات متناقضة جدا منذ فوزه في الانتخابات الأخيرة، ثم استقالته التي سلمت البرلمان الى خصومه بالتمام والكمال، فضلا عن محاولته إسقاط نظام الحكم بالكفاح المسلح، ثم تراجعه بعد اقل من 24 ساعة واعتزاله السياسة.