ولا تزر وازرة وزر أخرى
عطفا على مقالنا أمس الذي تناولنا فيه تحت العنوان ذاته، أن اجتماعات مجلس الأمة، هي حق من الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور للأمة في نظام الحكم الديموقراطي الذي تبناه، وجعل فيه السيادة للأمة مصدر السلطات، بما جعل هذه الاجتماعات ممارسة للسيادة على الوجه المبين في الدستور إعمالا للمادة (6) من الدستور، بما لا يجوز معه إهدار هذا الحق، بتفسير ما أنزل الله به من سلطان بإبطال اجتماع المجلس الذي حضره أكثر من نصف أعضائه، لغياب عضو في المجلس بتمييزه على سائر أعضائه لحمله حقيبة وزارية سحرية يشق بها نصاب الانعقاد عندما يغيب عن تمثيل الوزارة في اجتماعاته، بالمخالفة لأحكام المادة (116) من الدستور التي توجب تمثيل الوزارة في المجلس ولو بوزير واحد، لبطلان هذا التفسير، لأن الأصل هو أن يكون البطلان بنص صريح، ولو كان الأمر بالتمثيل صادرا بنص دستوري، ويحضرني في هذا السياق قول الرسول عليه الصلاة والسلام «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، أي أن الأمر الصادر عن رسول الله، يكون العمل بالأمر قدر الاستطاعة دون أن يكون ذلك فسوقا أو عصيانا أو كفراً وبهتانا.
وكذلك الأمر الصادر عن الدستور بتمثيل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها لا يمكن أن يرقى إلى أوامر سيد الخلق، وإن كان تكليفا واجب الاحترام التزاما بالتعاون بين السلطتين، يكون بقدر الاستطاعة، لتزويد المجلس بما لدى الحكومة من بيانات ومعلومات وإحصاءات ودراسات فنية يبني عليها مجلس الأمة تشريعاته وقراراته، فما ذنب أو جريرة الأعضاء الذين اكتمل بهم نصاب الاجتماع، وتكبدوا مشقة الحضور، وأحيانا من خارج البلاد، وتدارسوا الموضوعات الواردة على جدول أعماله، ليترتب على غياب هذا التمثيل بطلان اجتماع المجلس؟ وقد قال المولى عز وجل: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».
نهج الدستور ذاته
لذلك كان نهج الدستور في تقرير البطلان ما نصت عليه المادة (90) من الدستور من أن «كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه»، فهو بطلان مقرر بنص صريح لعدم توافر شرط لصحة اجتماع المجلس، هو أن يكون عقد اجتماعات المجلس في الزمان والمكان المقررين له، وهو ما يستفاد من دلالة هذا النص بمفهوم المخالفة.
وهو نص مكمل لنص المادة (97) فيما قررته من أنه «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه...»، وعكس الصحة البطلان عند غياب أكثر من نصف أعضاء المجلس، فدلالة النصين واحدة هي البطلان بعدم توافر أي من الشرطين أي من الالتزامين، بنص صريح وليس بتفسير يضل كثيراً.
والمادة (71) ترتب على إخلال الحكومة بعرض المراسيم بقوانين على المجلس في الميعاد المقرر لذلك، زوال أي أثر لها وبأثر رجعي، أي بطلانها.
الجزاء عدل الفعل
ذلك أن الجزاء عدل الفعل، وهي قاعدة أصولية تمليها العدالة والمنطق والذوق السليم في تفسير النصوص التي تفرض واجبا أو التزاما، فالجزاء يقع على من كلف بأدائه إذا أخل به، وهي قاعدة قننها الدستور، في كل النصوص التي فرضت تكليفا أو واجبا على سلطة من السلطات، فالمادة (65) من الدستور تعتبر القانون الذي أقره المجلس مصدقا عليه ومصدرا عقب انقضاء المدة المقررة لذلك، دون التصديق عليه إذا لم يطلب الأمير إعادة النظر فيه، ولم ترتب على ذلك بطلان القانون.
والمادة (86) ترتب على عدم صدور مرسوم الدعوة إلى دور الاجتماع السنوي قبل شهر أكتوبر من كل عام، اجتماع المجلس بقوة القانون يوم السبت الثالث من ذلك الشهر، ولم ترتب على عدم صدور المرسوم المذكور بطلان الاجتماع.
والمادة (87) ترتب على عدم الدعوة الى أول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في المدة المقررة لذلك اعتبار المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي لانقضاء هذه المدة، ولم ترتب على عدم صدور مرسوم الدعوة المذكورة بطلان الاجتماع الذي يعقد دون هذه الدعوة.
والمادة (107) ترتب على عدم الدعوة إلى الانتخابات العامة، خلال شهرين من تاريخ حل المجلس، اجتماع المجلس المنحل فوراً واسترداده كامل سلطته الدستورية، ولم ترتب على ذلك بطلان الاجتماع.
والمادة (111) من الدستور رتبت على عدم اتخاذ مجلس الأمة قرارا في طلب الإذن برفع الحصانة القضائية عن العضو في الميعاد المقرر لذلك، واعتبار ذلك الموقف السلبي من المجلس إذنا بالتحقيق مع العضو أو تفتيشه أو القبض عليه أو حبسه، أو أي إجراء جزائي آخر، أي لم ترتب على الموقف السلبي بطلان هذه الإجراءات واستمرار هذه الحصانة.
وهو ما يطرح سؤالا مشروعا هو: هل يجوز بعد هذا النهج العادل والمنطقي للدستور القول ببطلان اجتماع المجلس الذي تخل فيه الحكومة بتمثيلها في جلسات المجلس ولو بوزير واحد، وحدّث العاقل بما يعقل؟
المساءلة السياسية عدل الفعل
وليس معنى عدم ترتيب بطلان اجتماع المجلس على غياب الحكومة، أن يصبح تكليف الحكومة بحضور جلسات المجلس هباءً منثورا، وأن يكون النص بهذا التكليف لغواً ينزه عنه المشرع، بل إن الأمر مرده في النهاية إلى المساءلة السياسية، إذا كان امتناع الحكومة عن الحضور هدفه تعطيل إقرار المجلس لتشريع ما، أو شل وسائل الرقابة البرلمانية، ولم يكن هناك قوة قاهرة حالت دون حضور الحكومة أو عذر مقبول حال دون ذلك، أو لم توجه إلى الحكومة الدعوة لحضور الاجتماع مرفقا بها جدول الأعمال، وهو التزام يقع على عاتق المجلس، أو حال المجلس نفسه دون حضورها، مثال ذلك عندما احتل بعض أعضاء المجلس مقاعد الوزراء، وهي واقعة حدثت بالفعل منذ وقت ليس ببعيد.
رأي وزير العدل
وهو ما قرره- بحق- وزير العدل، الشيخ سليمان دعيج سلمان الصباح، أطال الله عمره، في الفصل التشريعي الخامس في جلسة مجلس الأمة المعقودة بتاريخ 17/ 11/ 1981، في سياق المناقشات التي دارت حول إلغاء رئيس المجلس السابق أحمد السعدون، اجتماع المجلس لغياب الحكومة، إذ قرر الوزير لدى مناقشة هذا الأمر، أن الاجتماع يصح رغم غياب الحكومة.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.