قبل شهر تقريباً ألقيت خطابا عشية مؤتمر الأمن في ميونيخ، منذ ذلك الحين، حدثت تطورات عديدة لافتة للنظر حتى أن الأمر يستحق مقارنة تنبؤاتي قبل شهر بالتطورات الفعلية.
كانت أكبر التغيرات مرتبطة بنظام المناخ العالمي، فكانت الرسالة الرئيسة التي أردت إبلاغها في ميونيخ أن نظام المناخ العالمي يعتمد بدرجة كبيرة على ما يحدث في الدائرة القطبية الشمالية، وكان النظام المناخي في الدائرة القطبية الشمالية منفصلا عادة عن النظام المناخي العالمي، وكانت الرياح تهب عادة في اتجاه يمكن التنبؤ به عكس اتجاه عقارب الساعة، ولكن بسبب التدخل البشري المتزايد، لم تَـعُـد الحالة الغالبة هي الانفصال بين النظام المناخي في القطب الشمالي والنظام المناخي العالمي.ونتيجة لهذا ارتفعت درجات الحرارة في الدائرة القطبية الشمالية بسرعة تعادل أربعة أمثال ارتفاع نظيراتها في بقية العالَـم خلال العقود الأربعة الأخيرة، كما يتسارع معدل ارتفاع درجات الحرارة بشكل خطير، ومنذ الخطاب الذي ألقيته في ميونيخ، ارتفعت درجات الحرارة في الدائرة القطبية الشمالية أكثر من 20 درجة مئوية فوق المستوى الطبيعي، لتسجل بهذا أرقاما قياسية وتزيد المخاوف بشأن المعدل الذي يذوب عنده الغطاء الجليدي في غرينلاند.
وقطع فهم علماء المناخ لعملية ارتفاع درجات الحرارة شوطا طويلا إلى الأمام، فتمكنوا من إثبات حقيقة مفادها أن غاز الميثان، وهو غاز أشد خطورة من ثاني أكسيد الكربون في إحداث ظاهرة الاحتباس الحراري الكوكبي، يُـطـلَـق إلى الغلاف الجوي بكميات أكبر مما يمكن تفسيره بمصادر الانبعاثات المرتبطة بالأنشطة البشرية، ويعني هذا الاكتشاف ضمنا وجود مصادر أخرى راجعة إلى إرباك البشر للطبيعة. يرى عدد متزايد من علماء المناخ أنه من المناسب الآن إعلان حالة طوارئ مناخية، لأن زيادة الحرارة نتيجة للاحتباس الحراري الكوكبي من المحتم، بهذا المعدل، أن تتجاوز 1.5 درجة مئوية، كما قال في الشهر الماضي السير ديفيد كِـنج، كبير مستشاري الحكومة البريطانية للشؤون العلمية في عهد غوردون براون والذي يشغل حاليا منصب رئيس المجموعة الاستشارية المعنية بأزمة المناخ، «يتعين علينا أن نعمل على خفض الانبعاثات بسرعة وإزالة الغازات الزائدة المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي، ولكن في المقام الأول من الأهمية والإلحاح، يتعين علينا أن نعمل على إعادة تجميد القطب الشمالي». هذا برنامج بالغ الضخامة، خصوصا أننا متأخرون بالفعل عن الجدول الزمني.
المجال الآخر الذي شهد حدوث تغيرات مهمة هو الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، حتى شهر أكتوبر، كانت أوكرانيا تحقق انتصارات في ساحة المعركة، ثم أدخلت روسيا، بمساعدة إيران، الطائرات المسيرة بدون طيار على نطاق واسع، وكان الهدف إضعاف معنويات الأوكرانيين من خلال حرمان السكان المدنيين من الكهرباء، والتدفئة، والمياه، وقد وضع هذا أوكرانيا في موقف دفاعي.أصبح الجيش الروسي النظامي في حالة يُـرثى لها، فقيادته سيئة، وتجهيزه رديء، ومعنوياته في الحضيض، وأدرك الرئيس فلاديمير بوتين هذا ودخل في مقامرة يائسة، فقد لجأ إلى يفغيني بريجوزين، الذي حشد جيشا من المرتزقة تحت مسمى «مجموعة فاغنر» وكان حريصا على إثبات أن قواته قادرة على التفوق على الجيش النظامي، وسمح بوتين له بتجنيد سجناء من السجون الروسية، بمساعدة المدانين السابقين، وبتكلفة باهظة من حياتهم وحياة غيرهم من المرتزقة، بدأت مجموعة فاغنر تكسب الأرض حول بلدة باخموت في حين ظل الجيش النظامي محبطا أو استمر في خسارة الأرض في أماكن أخرى.
لهذا فإن أغلب التنبؤات المهمة التي قدمتها في ميونيخ بشأن الحرب من المرجح أن تتحقق، وأنا أدرك بالطبع أن عددا من المنشورات الطيبة السمعة نشرت مقالات ترسم صورة أكثر كآبة لتقدم الحرب، فكيف يمكن إذاً التوفيق بينها ووجهة النظر المتفائلة التي أتبناها؟
الواقع أن بوتين يتمنى لو يحدث وقف إطلاق النار، لكنه لا يريد الاعتراف بذلك، والرئيس الصيني شي جين بينغ في القارب ذاته، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن من غير المرجح أن يغتنم هذه الفرصة السانحة للتفاوض على وقف إطلاق النار، لأنه تعهد بأن الولايات المتحدة لن تتفاوض من وراء ظهر زيلينسكي.
ولا شك أن هزيمة الإمبريالية الروسية ستخلف عواقب بعيدة المدى على بقية العالم، وستجلب قدرا عظيما من الارتياح للمجتمعات المفتوحة وتخلق مشاكل هائلة للمجتمعات المنغلقة، الأمر الأكثر أهمية هو أنها ستسمح للعالم بالتركيز على أكبر مشاكله وهي تغير المناخ.
* جورج سوروس مـؤسِّـس ورئيس مؤسسات المجتمع المفتوح.