«سرجي مرجي»... منحوتات تحكي تاريخ أغنية شعبية
أن تعيد قراءة التاريخ استنادا إلى أغنية شعبية متوارثة، فتلك مهمة شاقة، خصوصا حين يكون سرد حكايات تاريخية معتمدا على فن صعب كالنحت، وهو ما قامت به الفنانة التشكيلية المصرية سماء يحيى، في معرضها الجيد «سرجي مرجي»، الذي افتتح في قاعة «سماح آرت» للفنون التشكيلية بضاحية الزمالك في القاهرة، بحضور لفيف من الفنانين والنقاد.
وما إن جرى الإعلان عن المعرض، حتى بدأ العديد من عشاق الفن التشكيلي يتساءلون عن دلالة عنوانه «سرجي مرجي»، وفي هذا الصدد تقول الفنانة سماء يحيى: «كلنا سمع أو تغنى بهذه الأغنية الجميلة ونحن أطفال، لكن قلة هم الذين عرفوا أن سرجي مرجي ملخص فطري وبريء لتاريخ من الحب والتعايش والوحدة والاحتفاء بالحياة رغم الصعاب، منذ أن كانت سرجي مرجي عبارة يستخدمها العمّال في عزبة السيد العثمانلي لإثبات حضورهم للدوام، ثم أصبحت إشارة للقديسين أبو سرجة ومار جرجس، عندما وقف الأطفال الفقراء يتلقون العلاج والطعام من الكنائس، ولاحقا باتت تهويدة للأطفال المسلمين تنشدها الجدات ويتمنين فيها رؤية النبي الكريم وزيارة بيت الله الحرام، ليغنيها بعد ذلك الأطفال الصغار الذين يلعبون في الأزقة... ومثلما يستطيع من يسمع هذه الأغنية تتبع تاريخ وطن وناس بأُذنيه، يستطيع المتلقي للعمل الفني أيضا تتبع تاريخه بصريا ورؤية قيم العمل والمحبة وشخصية الفنان إذا كان هذا العمل أصيلا وصادقا».
وفي هذا المعرض تحاول سماء يحيى مجددا صناعة تاريخ لها مع الخامة، يمر عبر بوتقة البرونز المنصهر ليصنع أشكالا تلعب وتركض وتحلق في الفراغ... منحوتات سرجي مرجي لاهية وعابثة ونزقة مثل أطفال حواري وشوارع أحياء وقرى مصر، هي حنين لدفء وفطرة الإبداع الإنساني الأول النابع والمتفاعل مع الطبيعة قبل أن يرتدي الأقنعة ويختنق من وطأة التكلف، والأجمل هو حالة في محبة النحت للشكل والكتلة والتكوين والحيوية، للعب بالخامة مع الفراغ وفي الفراغ دون خوف من لوم أو إخفاء لآثار جريمة اللعب والفوضى وما يترتب عليها من جروح وخدوش.
وأشارت إلى أن «فوضى سرجي مرجي هي خلاصة لعبي وتاريخي ومخاطرتي غير المألوفة مع الخامة، والفكرة أتشاركها معكم لنخوض معا مغامرة جوهرها العودة لفطرة الجمال الأولى».
يشار إلى أن سماء يحيى حاصلة على درجة الدكتوراه من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان عام 2009، ولديها العديد من المقالات النقدية والبحثية المنشورة في مجلات مصرية وعربية، وشاركت في معارض جماعية عديدة داخل مصر وخارجها، ولها 10 معارض شخصية آخرها «عرايس الخبيز» (2021)، ونالت جوائز محلية ودولية، ولها مقتنيات في متحف الفن المصري الحديث، ومقتنيات في مجموعات شخصية بالكويت ومصر وعمان وفلسطين والسعودية وكندا وإيطاليا.