بدأت الفتاة الوافدة إلى القاهرة، مشوارها الفني، بالعمل بفرقة بديعة مصابني، والأخيرة اختارت لها اسم "سامية جمال”، وشاركت في التابلوهات الراقصة الجماعية واشتهرت بلقب "الراقصة الحافية” لأنها كانت ترقص حافية القدمين، وتبهر الجمهور بأدائها الاستعراضي.
عفريتة هانم
واتجهت سامية إلى السينما، وشاركت في فيلم "انتصار الشباب” (1941)، وعمرها 17 عاماً، والتقت خلاله لأول مرة بالموسيقار فريد الأطرش، وشكَّلت معه ثنائياً فنياً ناجحاً، وتمنت الزواج منه، ولكن حالت الظروف دون إتمام الزواج.
وقدّمت الفراشة السمراء نحو 70 فيلماً، والتقت مع فريد الأطرش في بعض الأفلام، منها "حبيب العمر” (1947) إخراج هنري بركات، و”أحبك أنت” إخراج أحمد بدرخان، و”عفريتة هانم” للمخرج بركات عام 1949، و”تعالى سلم” (1952) إخراج حلمي رفلة.
وتناثرت شائعات حول قصة حب جمعت بينهما، ولكنها تحوَّلت إلى سراب، وبعد سنوات كشفت سامية حقيقة علاقتها بالأطرش، وأن قصة حبهما دامت لأكثر من ثمانية أعوام، وحين طلبت منه الزواج، صدمها بقوله إنه لن يتزوج من راقصة!
وتوقف التعاون الفني بينهما، وفي تلك الفترة، كان فريد يتردد كثيراً على باريس، وتعرف هناك على الراقصة ليلى الجزائرية، واقترح عليها أن ترافقه إلى مصر لتعمل معه في السينما بعقد مدته ثماني سنوات، وكان يريد بذلك تعويض الفراغ الذي تركته سامية جمال، بعد خلافها معه.
وفي لقائها مع الإعلامي طارق حبيب، اعترفت سامية جمال أن حب عمرها هو فريد الأطرش، رغم اعتقاد الكثيرين أن حب عمرها هو رشدي أباظة، وأن حالة الحب بينها وبين فريد كانت واضحة لكل المحيطين بهما.
وظهرت سامية مع مطربين آخرين في أفلام عِدة، منهم محمد عبدالوهاب في "ممنوع الحب” (1942)، و”رصاصة في القلب” (1944) للمخرج محمد كريم، ومع محمد فوزي في "صاحبة العمارة” (1948) إخراج عبدالفتاح حسن، والتقت المطرب عبدالعزيز محمود في "أسمر وجميل” (1950)، و”خد الجميل” (1951) تأليف وإخراج عباس كامل.
وطارت الفراشة السمراء إلى السينما العالمية، وشاركت بمشهد استعراضي لمدة ثلاث دقائق في الفيلم الأميركي "وادي الملوك” (1954) بطولة روبرت تايلور وإليانور باركر وإخراج روبرت بيروش، وفي نفس العام شاركت في بطولة الفيلم الفرنسي "علي بابا والأربعين حرامي” إخراج جاك بيكر، ولعبت دور "مرجانة” وقدمت بعض الاستعراضات الراقصة.
الحب الضائع
تعددت حالات زواج سامية جمال، وفي بداية مشوارها الفني، تزوجت من شاب أميركي يدعى شبرد كينج، الذي أشهر إسلامه وغيّر اسمه إلى عبدالله كينج، وانفصلت عنه بعد وقت قصير، وحين فقدت الأمل في الزواج من فريد الأطرش، أوصدت باب قلبها، خوفا من صدمة عاطفية أخرى، وكرَّست وقتها لأعمالها السينمائية.
وفوجئ الوسط الفني في نهاية الخمسينيات، بقصة حب جديدة، جمعت الفراشة السمراء والموسيقار الشاب ـ آنذاك ـ بليغ حمدي، وتطوّر الأمر إلى خطبة وتخطيط للزواج، حتى أنهما تحدثا عن تفاصيل هذه الخطبة ومخططات الزواج لمجلة "الكواكب” المصرية التي نشرت هذه التفاصيل في عدد نادر عام 1959، تحت عنوان "قصّة خطبتهما... كما كتبتها سامية جمال وراجعها بليغ حمدي”.
وفي ذلك العدد، كتبت سامية أن الشائعات تناثرت حول علاقة حب تجمعها ببليغ حمدي، ولهذا تجنبت لقاءه واتهمته بتسريب هذه الأخبار والتفاصيل، وأقسم بليغ بأنه بريء من ذلك، لكنها أبلغت أحد أصدقائهما بأن ينقل لبليغ رغبتها في تجنب هذه الشائعات بالابتعاد عنه حتى تستريح من هذه الشائعات.
وأدركت أن زواجها من الملحن الشاب، سينتهي بالانفصال، لأنها تكبره في العمر، وفوجئت باتصال بليغ يستفسر عن قرارها، فأبلغته بأنها مُصرة على أن يبتعد عنها، فشكرها وأغلق الهاتف، لكنه شعر بأن علاقته بها لن تنتهي بهذه الصورة.
ومر شهر على المكالمة، ومرض الصديق الذي كان رسولاً بينهما وذهبت لزيارته وفوجئت بوجود بليغ، وظل يرحب بها باهتمام بالغ، ودعاهما صديقهما لتناول الغداء في اليوم التالي، وحينها شعرت بحب بليغ، وتملكها شعور بالسعادة بهذا الحب الصادق.
وفكرت الفراشة في علاقتها ببليغ، واستعرضت حياتها والعزلة التي فرضتها على نفسها ورفضها لعدد مِمنْ تقدموا للزواج منها، وشرحت له كل ظروفها ومشكلاتها، فعرض عليها الزواج قائلاً: "أنا أحبك وأقصى أمنيتي أن أتزوجك ويوم توافقين على الزواج أرجو ألا تبخلي عليَّ بإعلان هذه الموافقة”.
ووافقت سامية على الزواج منه، وكان ذلك بعد انتهاء سهرة ليلة الأحد في الرابعة صباحاً، ففرح بليغ وأخبرها أنه سيشتري "خاتم الخطوبة” في اليوم التالي، فأخبرته أنها تتشاءم من يوم الثلاثاء، وقرّر أن يشتري "الدبل” يوم الاثنين لأنه لم يستطع الانتظار حتى الأربعاء.
وفي يوم الاثنين الموافق 29 يونيو أعلنا خطبتهما دون أن يسمع بها أحد، وكانت أول من عرف بهذا الخبر الشحرورة بعد أن اتصلت بها صباح لتدعوها إلى سهرة، وخلال فترة الخطوبة تزايد إعجاب سامية ببليغ، لطيبة قلبه وأخلاقه واعتزازه بكرامته بجانب فنه كملحنٍ موهوب، وتعجلت الأيام الباقية على إتمام الزواج واتفقا أن يكون الزفاف عقب انتهائها من تصوير أحد أفلامها، وكان أكثر منها انتظاراً لهذا اليوم السعيد، لكن الشائعات والأقاويل تسببت في عدم زواجهما.
وتزوجت الفراشة من الفنان رشدي أباظة، لكنه أثناء سفره إلى لبنان، ودون تخطيط مسبق، تزوج من صديقتها صباح، ولم تتحمل سامية الصدمة، وطلبت الطلاق من الدونجوان، ورفض رشدي في البداية بسبب حبه لها، ومع إصرارها الشديد، وافق على الطلاق.
ورغم زواجها أكثر من مرة، فإن سامية جمال لم تنجب واكتفت فقط بتربية "قسمت” ابنة الفنان رشدي أباظة، وهذا الموقف ظل يتذكره لها طوال حياته، وتزوجت قسمت فيما بعد من الفنان المصري أحمد دياب. وصرحت سامية في حوار لها مع الإعلامي طارق حبيب بأنها نادمة على عدم إنجابها أبناء.
ساعة الصفر
شاركت سامية بالتمثيل والرقص في عشرات الأفلام، لكنها قررت التوقف في بداية السبعينيات، أثناء زواجها من رشدي أباظة، وشاركته آخر فيلمين في مشوارها السينمائي، هما "ساعة الصفر” و”الشيطان والخريف” عام 1972.
واقتصر ظهورها على الحوارات التلفزيونية فقط، وقضت السنوات الأخيرة من حياتها، دون أن تفكر في الزواج مجدداً، واعتادت التنزه بشوارع حي الزمالك قُرب منزلها، ولم تعانِ أية أمراض خطيرة، لكن الأنيميا تسببت في تدهور صحتها، ودخولها المستشفى عدة مرات حتى رحيلها، لتنطوي قصة الراقصة الحافية بعد حياة حافلة بالأضواء والشهرة والحب والدموع.
عصابة أميركية تجبرها على الرقص بملابس رعاة البقر
عاشت سامية جمال فترة في الولايات المتحدة بعد زواجها من الأميركي عبدالله كينج الذي أسلم من أجلها ثم استولى على أموالها ووقع الطلاق بينهما.وخلال فترة إقامتها هناك تعرضت للعديد من المواقف الغريبة والصعبة، منها ما روته الفراشة في مقال بإحدى المجلات الفنية نُشر عام 1954 تحت عنوان: "أنا بخيلة”، وذكرت أنها ليست بخيلة على الإطلاق، وأنها تمشى دائماً بمبدأ "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”، لكنها في مرات قليلة كانت بخيلة على نفسها لا مع الناس، وفي معظم هذه المرات تسبب بخلها على نفسها في وقوعها ضحية للعديد من المواقف الصعبة، وأتت نتائج البخل بعكس ما أرادت وخططت.
وروت الفراشة ما حدث لها حين دعتها إحدى الهيئات في نيويورك لإحياء حفلة هناك، وكانت سامية جمال تقيم في بلدة بعيدة عن مكان الحفل الذي كان موعده في الثامنة والنصف مساءً، وبدأت تستعد للحفل وسألت عن مواعيد القطارات، فوجدت قطاراً فاخراً يقوم في الخامسة والنصف بعد الظهر، ولكن تذكرته باهظة الثمن.
وكان القطار الذى يليه لا يقل فخامة ولكن سعر تذكرته أقل ويصل في وقت أطول، فقررت أن توفر وتستقل القطار الثاني، وانطلق في موعده المحدد، وبدأت تطالع إحدى الروايات، ولاحظت بعد فترة أن القطار توقف ومضى الركاب يطلون من النوافذ، فظنت أن عطلًا أصاب القطار وسيتم إصلاحه، حتى فوجئت بأصوات الرصاص، وارتباك وصراخ الركاب الذين أصابهم الهرج والمرج وحاولوا الاختباء أسفل المقاعد.
وهجم عدد من اللصوص على القطار وفتشوا كل الركاب وسرقوا كل ما هو غالٍ وثمين ومنهم حقيبتها التي كانت تضع فيها بدلة الرقص التي سترقص بها، دون أن يقاومهم أحد، وبعد أن انتهوا من مهمتهم انطلقوا هاربين، وبعدها انطلق القطار في طريقه.
وذهبت إلى مكان الحفل في وقت متأخر، وقصت على الموجودين ما حدث لها، فأخبروها بأن هذا القطار مخصص لنقل البضائع الخفيفة، وكثيراً ما يتعرض لهجوم اللصوص طمعاً في سرقة البضائع، ورقصت سامية بملابس رعاة البقر، وخسرت ثمن بدلة الراقص الباهظة الذي يقدر بـ200 جنيه، كي توفر مبلغاً بسيطاً هو فارق السعر بين تذكرتي القطار.
النجمة الاستعراضية ترقص مع الثعبان!
تعرضت سامية جمال للعديد من المواقف الطريفة، وروت إحداها لمجلة "الكواكب” في عدد صدر عام 1953: "كنت أرقص على أحد المسارح في بيروت، وكانت الصالة مكتظة بجمهور المتفرجين، وما إن ظهرت على المسرح حتى بدأ التصفيق وانحنيت احتراماً لجمهوري وبدأت أرقص”.وبعد انتهاء رقصتها الأولى، طلب الجمهور أن تعيدها، وكان أشدهم إلحاحاً رجلاً تجاوز الخمسين من عمره، وكان يجلس في الصف الأمامي، وبدأت الفراشة ترقص مجدداً وأصابتها الدهشة حين أخرج الرجل العجوز ناياً وبدأ يعزف ويُصفِّر به، فالتفتت نحوه مبتسمة، وفوجئت بثعبانٍ كبير يخرج من سلة يضعها إلى جواره.
وفي تلك اللحظة صرخت من شدة الرعب، وهاجت الصالة واندفعوا للقبض على الرجل، وحين قبضت عليه االشرطة، عرفت السر بعد استجوابه، إذ تبين أنه ساحر وأراد أن يدرب الثعبان على حركات الرقص التي تقوم بها سامية جمال، لأنه من أشد المعجبين بها وبرقصها، لذلك أراد أن يدرب الثعبان على نفس الموسيقى والحركات الراقصة.
بائع السمك يخدع الفنانة المشهورة
تعرضت الفنانة سامية جمال لموقف طريف، حين عادت ذات يوم للمنزل، وأخبرها الخادم بأن صديقاً أرسل هدية عبارة عن صندوق سمك من مدينة بورسعيد، وأنه أعطى حامل الهدية عشرة قروش، فأخذها ولم يذكر اسم الشخص الذي أرسل الهدية، واندهشت الفراشة لأنها لم تكن تعرف أحداً من هناك، وظنت أنها من أحد المعجبين.وفي اليوم التالي، فوجئت بنفس الرجل الذي حمل السمك يطرق بابها، وعندما قابلته قال لها: "إنتِ عارفة يا ست العيشة بقت صعبة وكل يوم أقعد في السوق بالسمك مش بابيع ولا بجنيه”، فبدأت تفهم القصة وأن الرجل يريد أن يجبرها على شراء السمك.
وتابع الرجل: "السمك بتاع امبارح ليس هدية، وأكيد أكلتوه بالهنا والشفا، وأنا لم آخذ من ثمنه غير 10 قروش وباقي 150 قرشاً”.
وشعرت سامية بالغيظ من الرجل، فقالت له إنها لا تحتاج لهذا السمك ولم تأكل منه شيئاً وأنه موجود بحالته وعليه أن يأخذه، فأشار الرجل إلى أنه لن يأخذه بحجة أنه فسد، فصممت الفراشة وقالت بغضب: "حتى لو فسد لن أعطيك ثمنه”، وهنا استدر الرجل عطفها وانهمرت دموعه، فرق قلبها رغم أنها تعرف أنها محاولة لابتزازها، وبالفعل منحته السمك ومعه بعض المال، وخرج الرجل راضياً وما إن نزل للشارع حتى سمعته ينادي: "السمك البحري... السمك الطازة”!
الفراشة السمراء تعود للرقص بعد الستين
اعتزلت سامية جمال الرقص وتفرغت للعمل في السينما، لكنها عادت للرقص وهي في عمر الستين في فرقة سمير صبري الاستعراضية، وفي ذلك الوقت، جاء التلفزيون الفرنسي خصيصاً لتصوير الفراشة السمراء بعد عودتها للرقص.وتبين أن السر في عودة سامية للرقص، أنها كانت تمر بضائقة مالية، وتنفق على أبناء شقيقتها، وتريد أن تصلح شقتها، التي تحتاج لإصلاحات بسبب ماسورة الصرف الصحي التي أتلفتها، ولكن بعد ظهورها مع فرقة سمير صبري، عادت مجددًا للاحتجاب عن الأضواء.