الإصلاحات المستحقة
كثرت في الثلاثين عاماً الماضية مطالبات الإصلاح السياسي، وأيٌّ منها لم يقدّم برنامجاً عملياً للإصلاح، فكان العجز والحيرة نصيب فئة منها، وفئة ثانية جاءت بردّة الفعل، وبمعالجات آنية وهامشية، وفئة ثالثة تطرح الإصلاحات السياسية كشعارات انتخابية.
وتعدّ أكثرها جدية مبادرة جمعية الشفافية بحوار وطني دعت إليه ووثيقته في 16/ 4/ 2009.
والسلطة يتجاذبها اتجاهان متضادان، أولهما يرغب في إبقاء الوضع على ما هو عليه، من دون إصلاح أيًا كان مصدره، وثانيهما لديه نوايا ورغبات طيبة للإصلاح السياسي، لكن لا يعرف من أين يبدأ وبماذا يبادر.
ولعل النقلة النوعية للإصلاح السياسي كانت بخطاب 22/ 6/ 2022 في العهد الجديد، ومروراً بوثيقة العهد الجديد، وبمبادرات تغيير النظام الانتخابي، وعدم التدخل في الانتخابات ومحاربة شراء الأصوات و«الفرعيات»، والحياد بانتخابات رئاسة المجلس ولجانه.
ورغم أهمية تلك المبادرات، وما تمثّله من توجهات، فإنها ليست برنامجاً للإصلاح السياسي يتخلّص من إرث المشيخة والتراتبية في نمط تسيير إدارة البلاد، ولا تنطوي على غربلة كاملة لعمل السلطات الثلاث وتهيئتها للإصلاح، وهو سبب التعثّر أو القصور عن النجاح بتحقيقه.
ولابدّ أن يكون الطرح اليوم خارج الأنماط التقليدية، وأن يحمل إصلاحات جراحية مفصلية، لمنطلقات إصلاحات مستدامة، وهو الغائب، بشكل جادّ، لدى الأغلبيات البرلمانية للمعارضة.
وهناك 9 منطلقات مفصلية نرى أن تتبناها السلطة، لتحقيق ما ورد في خطاب ووثيقة الإصلاح، وتشمل:
- إصلاح قانون الانتخاب، وهو نظام فاسد، وتم العبث به منذ 1981 وحتى اليوم، وهو سبب تدهور الأداء النيابي ومُخرجاته، وأوجد تشرذماً فئوياً وقبلياً وطائفياً، واللافت أخيراً أنه قد زرع فيه خللاً جسيماً في مرسوم بقانون التصويت بالبطاقة المدنية بجعله انتقالياً، انتهى بعد انتخابات 2022... بسبب البطانة!
فمن الضروري تبنّي نظام انتخاب لا جغرافي عشوائي، وبنظام القائمة النسبية، للقضاء على الظواهر السيئة التي لازمت نظامنا الانتخابي.
- أما وقد عادت - بكل أسف - بعد انتخابات 2022، قيود الناخبين القديمة، ونقضت خطوة إصلاحية بهذا الاتجاه! فالواجب تصحيح عاجل للجداول، وإلّا فإن عواراً دستورياً سيؤدي لإبطال الانتخابات القادمة لو لم تُستدرك.
- إصدار عاجل لقانون المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بكامل صلاحياتها، كما وردت في مقترحات بقوانين شعبية، وتكون تبعيّتها لمجلس الوزراء ولمجلس الأمة، وإبعادها عن وزارة الداخلية، لضمان استقلاليتها، وتعيين مفوضيها من شخصيات وطنية نزيهة، دون رجال القضاء، لحفظ حيادهم.
- تعديل تشكيل المحكمة الدستورية فوراً، كي يصدر تشكيلها المختلط، كما نصّ عليها الدستور في المادة 173 منه، وفي الوقت نفسه فصل رئاستها عن رئاستَي محكمة التمييز والمجلس الأعلى للقضاء، وقصر اختصاصاتها على دستورية القوانين والمراسيم واللوائح فقط، للنأي بها عن موضوعات لا تدخل في ولايتها.
- الإلغاء الفوري لاختصاص المحكمة، بل والقضاء، بنظر المنازعات الانتخابية، للتغلّب على إبطال المحاكم للانتخابات من زاوية الطعون الانتخابية، لتجاوزه الدستور والإرادة الشعبية!
- اقتران ذلك بتعديل عاجل للائحة الداخلية للمجلس، بوضع آلية لفصل مجلس الأمة في المنازعات الانتخابية وصحة العضوية، وفقاً للمادة 95 من الدستور، بتشكيل لجنة برلمانية خاصة دائمة تُسند لها المهام المحددة بالمادة 95 من الدستور، وتعتمد على رأي هيئة مفوضين محايدة من 9 شخصيات مستقلة.
- تقدّم مشورة للفصل في الطعون أو صحة العضوية خلال 3 أشهر، وتكون ملزمة للجنة البرلمانية.
- تعديل اللائحة الداخلية، لحظر تقديم الأعضاء مقترحات بقوانين بكلفة مالية على الميزانية، بالمخالفة للمواد 21,115,140 من الدستور، وتنظيم عدد الأسئلة البرلمانية التي يقدّمها عضو المجلس في دور الانعقاد، وضبط آلية تقديم الاستجواب موضوعياً وزمنياً، من دون انتقاص لحقّ الاستجواب.
- تطهير ملفات الجنسية بتقييد الترشيح والانتخاب بالكويتي بصفة أصلية وإلغاء القانون 44/ 1994 وكل آثاره، لانتقاصه من الهوية الوطنية، وحسم حالات التزوير، وإنهاء الازدواج بمنع المزدوج من الترشح والانتخاب.