بقايا خيال: الكويت الأعجمية وتركيا العربية!
![يوسف عبدالكريم الزنكوي](https://www.aljarida.com/uploads/authors/44_1666896643.jpg)
المدهش في المؤذنين الأتراك أنهم جميعاً يرفعون أذان كل صلاة بمقام مختلف عن الأذان الآخر، فمثلاً أذان الفجر يرفع على مقام الصبا، الذي يتميز «بالروحانية الجياشة والعاطفة والحزن وكأنها رغبة في البكاء»، ويكون رفع أذان الظهر على مقام العشاق، المتميز «بالهدوء كالبحر العميق، وتظهر فيه لمحات الخشوع والرهبانية»، أما أذان العصر فيؤدى على مقام الراست، الذي يتميز «بالوضوح ويشعرك بالانبساط والسعادة»، ويكون أذان المغرب على مقام السيكا، الذي يتميز «بالبطء والترسل وشيء من الندب والشجون»، في حين أذان العشاء يكون على مقام الحجاز، الذي «يجمع بين الرصانة والوقار والدلال حيناً، ويجمع ما بين الفرح والحزن أحياناً». في الواقع أنا أجهل الفرق بين هذه المقامات، لأن الموسيقى ليست مجالي، إلا أن سكني بالقرب من الجامع في تركيا، واستماعي المتواصل لأذان الصلوات كلها كل يوم تقريباً لفت انتباهي إلى اختلافاتها التي أخبرني الأتراك بها لتسهيل الأمر على غير المبصرين لمعرفة مواقيت الصلوات، ولهذا كان لكل أذان مقام.
أما عندنا في الكويت «بلاد العرب»، وهي جزء من شبه الجزيرة العربية، مهد الرسالة المحمدية، لا يزيد عدد المؤذنين الكويتيين في مساجدها الـ1732 مسجداً عام 2019، على العشرة في أفضل الأحوال، رغم أنه حتى نهاية خمسينيات القرن الماضي كان كل مؤذني وأئمة وخطباء مساجد الكويت كويتيين، والأغرب من هذا كله أنه وعلى الرغم من أن جميع مؤذني وخطباء وأئمة مساجد الكويت عرب، والسواد الأعظم من جنسية عربية واحدة، فإننا كثيراً ما نسمع الأذان مرفوعاً بلغة غير واضحة أو مليئة بأخطاء لفظية، فنكتشف أن حراس المساجد الآسيويين، الذين لا يتحدثون اللغة العربية، غالباً ما ينوبون عن المؤذنين العرب في رفع الأذان، في حين لا يداوم المؤذنون العرب، إما لأنهم يعملون في وظائف أخرى، أو أنهم يغطون في نوم عميق، أو أنهم غادروا إلى بلادهم في إجازة غير رسمية لبضعة أيام، «ولا من شاف، ولا من درى»، يحدث هذا رغم حصولهم على مميزات مادية لا يمكن أن يحصل عليها حتى خريج الجامعة الكويتي.
هذه الحقائق «المرة» يعرفها كل الكويتيين، فهل نشعر بالتفاتة من حكومة دولة الكويت إلى هذا الجانب المخزي في التدين الزائف في الكويت المسلمة؟