غياب الطلبة الجماعي... تحريض تربوي وتقصير أسري وغياب للمحاسبة
تربويون لـ« الجريدة•» : ظاهرة تثير القلق وتتطلب حلولاً جذرية وناجعة
باتفاق طلابي وغض بصر من المعلمين، وأحياناً بتشجيع وتحريض منهم، وإهمال كبير من الأسرة، وأخيراً غياب المحاسبة والعقاب، تحول الغياب الجماعي بين طلبة المدارس في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة تثير القلق للمهتمين بالشأن التربوي، إذ صار الطلبة يتفقون على الغياب قبل وبعد أي مناسبة، حتى وصل الأمر إلى الغياب في أول يوم من رمضان إلى شبه جماعي، وخلت المدارس من الطلبة.
«الجريدة» رصدت الظاهرة وتحدثت إلى المختصين من أهل الميدان التربوي، للتعرف على أسبابها، والبحث عن حلول لها، حيث أجمعوا على أنها باتت ظاهرة ومشكلة حقيقية تحتاج إلى حلول جذرية وناجعة.
بداية، قال المدير المساعد في ثانوية أحمد الربعي، عبدالرحمن الجاسر، إن المجتمع الكويتي بحاجة إلى إعادة ضبط في بعض الأمور في الثقافة المجتمعية، خصوصاً في أمرين مهمين أولهما موضوع الغياب قبل وبعد العطل، والثاني هو الغش وانتشاره بين الناس، لافتاً إلى أن الغياب هو عملية متراكمة وسلسلة متصلة، وهناك إمكانية للقضاء على هذه الظاهرة.
وأضاف الجاسر: لابد أن يعي الطالب أن غيابه في هذه الأيام سيؤدي إلى تدهور مستوى التحصيل العلمي، بالتالي خفض نتيجته آخر العام، وهنا يأتي دور الأسر في غرس قيم الاجتهاد والمثابرة والعمل، وكذلك غرس قيم الأمانة.
وأشار إلى أن للمعلم دوراً كبيراً ومهماً في توعية الطلبة على أهمية الدراسة، وعدم التلميح لهم بالغياب، حتى لو كان قد انتهى من شرح المنهج، فهو ملزم بالشرح والإعادة، ومحاولة إيصال المعلومة لكل الطلبة، بل إن عليه شرح الدروس حتى لو كان لديه طالب واحد في الفصل احتراماً لهذا الطالب الذي لم يتغيب.
مسؤولية كبيرة
وذكر أن الإدارة المدرسية لديها أيضاً مسؤولية كبيرة في جانب الغياب، موضحاً أن عليها المتابعة، والتأكد من إدخال الغياب في البرنامج وتعمل على تطبيق اللائحة بشكل يرد الطالب الذي يكثر غيابه.
وأضاف أن الطالب المتغيب 15 يوماً بدون عذر يشطب، وكذلك من يتغيب 25 يوماً بعذر طبي يشطب، ومتى طبقت المدارس هذه اللائحة فسيكون هناك انخفاض في أعداد الغياب، ويجب أن تكون هناك متابعة من المناطق التعليمية للمدارس، للتأكد من تطبيق اللوائح بشكل عادل على الجميع، لافتاً إلى أهمية أن تخرج الوزارة بتصريحات صحافية تشرح فيها كل التفاصيل لكي يكون هناك اطلاع كامل من قبل المجتمع.
تدمير القيم
من جانبه، قال المدير المساعد بدر بن غيث، إن الغياب الجماعي مشكلة حقيقية على وزارة التربية مواجهتها، لافتاً إلى أنها أصبحت عادة، والطلبة باتوا يتفقون على الغياب بدون أي داعٍ.
وأضاف بن غيث أن «هذه الظاهرة أو المشكلة تسببت في تدمير القيم لدى الطلبة، وهنا يجب أن ننبه إلى أن الأسرة عليها مسؤولية في حث الأبناء على الجدية في الدراسة، وكذلك هنا دور كبير للإدارات المدرسية في التوعية والتثقيف، وكذلك المحاسبة وتطبيق اللوائح».
وذكر أن المدرسة يجب أن تكون بيئة جاذبة للطلبة حتى يحبوا الحضور إلى مدرستهم، والمعلمون عليهم دور كبير في هذا الجانب من خلال التعامل المناسب معهم مع الحرص على شرح الدروس بشكل كامل وعدم تراكمها، منوهاً إلى أن أكثر شيء مقلق في ظاهرة الغياب هو هدم قيمة الإنتاجية، والمواظبة على العمل والدوام.
وأشار إلى أهمية تغليظ العقوبات على ولي الأمر والطالب الذي يغيب كثيراً، والمدرسة عليها أن تبحث عن طريقة لجذب الطلاب وتنويع اليوم الدراسي بأنشطة وبرامج تجعل الطلاب حريصين على الحضور إلى مدرسته، لافتاً إلى قرار الوزارة بإيقاف حصص البدنية والفنية، والتي كان بالإمكان معالجتها بشكل أفضل، ليظل هناك جانب ترفيهي للطالب حتى لا يكون الدوام المدرسي حصصاً علمية فقط وبالتالي يرغب الطالب في الغياب.
تكرار الغياب
من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية من ثانوية بيان زينب علي، «نعاني منذ سنوات كثرة ظاهرة الغياب الجماعي في المدارس»، لافتة إلى أن «هذه الظاهرة باتت تتكرر في الأيام قبل العطل، واليوم صارت تطل علينا بالغياب الجماعي في أول يوم من الشهر الفضيل».
وأضافت: «لله الحمد كانت نسبة الحضور لدينا بثانوية بيان في أول يوم من شهر رمضان عالية جدا، حيث بلغت 91 في المئة، فيما كان الغياب الجماعي في ثانويات ومدارس أخرى»، لافتة إلى أن «هذا الأمر تحقق بسبب عدة عوامل منها الحرص على إدخال الغياب أولاً بأول من خلال برنامج سهل، إضافة إلى نشر الثقافة والوعي بأهمية الالتزام بالدوام من أجل تحصيلهم العلمي».
وأشارت إلى أن للأسرة دوراً كبيراً في تعزيز جانب الالتزام بالدوام لدى أبنائهم، منوهة إلى أن ثانوية بيان وفرت البيئة الجاذبة للطالبات، وهذا ساهم كثيراً في تقليل الغياب إلى حد كبير.
نتائج جيدة
بدورها، قالت المعلمة دلال رمضان: في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الغياب الجماعي في المدارس، وهي أمر سيئ جداً على المستويين الشخصي والتعليمي، إذ يؤثر الغياب على التحصيل العلمي للطالب، كما أنه يقلل لدى الطالب قيم الالتزام والجدية، وهذه صفات لا تليق بالمتعلم الراغب في تحقيق نتائج جيدة لمستقبل أفضل.
وأضافت أن الغياب المتكرر للطالب يؤثر سلباً على التحصيل العلمي للطالب، ويسبب ربكة في الجدول الدراسي للمعلمة، ويحدث خللاً في الخطة الدراسية، وبالتالي تضطر المعلمة إلى شرح المفاهيم التي فاتت الطالبة في الحصص التي غابت عنها، مشددة على أهمية توعية أولياء الأمور عن مخاطر ظاهرة الغياب المتكرر والجماعي، إضافة إلى أهمية التوعية المستمرة للطلاب لتحسين المستوى التعليمي.
بيئة جاذبة
بينما قالت المعلمة نادية عبدالله، إن «أسباب الغياب الجماعي كثيرة منها شعور الطالب الخاطئ بأنه يمتلك الحق في الراحة، كذلك نظرة الطالب للمجتمع الذي انتشرت فيه كذلك ظاهرة الغياب قبل وبعد العطل الرسمية، إذا هي غياب القدوة»، لافتة إلى أنه يفضل أن يكون هناك بيئة جاذبة في المدارس مثل الترفيه والأماكن المريحة للطالب حتى يكون محباً للدوام في مدرسته وغير كاره لها.
وأشارت إلى أن المدارس التي تطبق فكرة البيئة الجاذبة والتوعية المستمرة تقل فيها نسب الغياب، لافتة إلى أهمية توعية الطلبة بأن شهر رمضان شهر للعبادة وليس للكسل.
وذكرت أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمسموع له دور كبير في نشر الوعي والثقافة، ويمكن استخدامها في توعية الطلاب بأهمية الدوام المدرسي، للمحافظة على تحصيلهم العلمي وتحقيق النتائج المرجوة.