في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة الاستئناف المدنية، برئاسة المستشار نايف المطيرات، وعضوية المستشارين حمد الملا، ومحمد الأصفر سلامة المراسلات الإلكترونية التي تُجرى عبر تطبيق (الواتساب) في إثبات التعاملات المدنية، وفقاً لقانون المعاملات الإلكترونية.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن البين من كشف حساب رافع الدعوى (المستأنف) بالبنك المتعامل معه المقدم بالأوراق يثبت تحويل المبالغ إلي حساب المستأنف ضده، مدعوماً بصور ضوئية من المراسلات الإلكترونية (واتساب) على دلالة بوجود التعاقد وتحويل المبالغ، والذى بغيره لا تكون ثمة حجية لهذا العقد من الأساس، ولا يغير من ذلك جحد جميع الصور الضوئية للرسائل المرسلة عبر البريد الإلكتروني المقدمة من المدعي، إذ إن هذا النعي في غير محله، حيث إن القانون كان حريصاً على أن تتحقق حجية الإثبات المقررة للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية لمنشئها، إذا توافرت الضوابط الفنية والتقنية من حيث أن يكون متاحًا فنيًا تحديد وقت وتاريخ إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية، من خلال نظام حفظ إلكتروني مستقل وغير خاضع لسيطرة منشئ هذه الكتابة أو تلك المحررات، أو لسيطرة المعنى بها. وأن يكون متاحًا فنيًا تحديد مصدر إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية، ودرجة سيطرة مُنشئها على هذا المصدر، وعلى الوسائط المستخدمة في إنشائها.
وأوضحت المحكمة أن ذلك يدل على أن المشرع ارتأى مواكبة التطور التكنولوجي العالمي في المعاملات المدنية والتجارية والإدارية عن طريق تنظيمها ووضع ضوابط لها من أجل ترتيب آثارها القانونية، مدركًا المفهوم الحقيقي للمحرر، وأنه لا يوجد في الأصل ما يقصر معناه على ما هو مكتوب على نوع معين من الدعامات، سواء كانت ورقًا أم غير ذلك. وأنه ولئن كانت الكتابة على الورق هي الأصل الغالب، فإن المحرر لم يكن في أي وقت مقصوراً على ما هو مكتوب على ورق وحده، وكل ما يتطلبه المشرع للإثبات هو ثبوت نسبة المحرر إلى صاحبه، فلا ارتباط قانونًا بين فكرة الكتابة والورق، ولذلك لا يُشترط أن تكون الكتابة على ورق بالمفهوم التقليدي ومذيلة بتوقيع بخط اليد، وهو ما يوجب قبول كل الدعامات الأخرى – ورقية كانت أو إلكترونية أو أيًا كانت مادة صنعها – في الإثبات، ذلك أنه ولئن كان قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية لم يعرض بالتنظيم لحجية المراسلات التي تتم بين أطرافها عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ومنها «الرسائل الإلكترونية الواردة بالبريد الإلكتروني»، إلا أن القانون رقم 20 لسنة 2014 بشأن المعاملات الإلكترونية ولائحتها التنفيذية القرار رقم 48 باللائحة التنفيذية لذلك القانون بتنظيم تلك المعاملات، وفق ما ورد بنصوصه الذي جاء في مادته الأولى بتعريف المقصود بمصطلحات الكترونية.
بينما ورد في المادة الثانية «تسري أحكام هذا القانون على السجلات والرسائل والمعلومات والمستندات والتوقيعات الالكترونية ذات العلاقة بالمعاملات المدنية والتجارية والإدارية، وعلى كل نزاع ينشأ عن استخدامها ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك أو يتبين أن قانوناً آخر هو الواجب التطبيق.
ولا تسري أحكام هذا القانون على ما يأتي:
أ – المعاملات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف والوصية.
ب – سندات ملكية الأموال العقارية وما ينشأ عنها من حقوق عينية أصلية أو تبعية.
ج- السندات الإذنية والكمبيالات القابلة للتداول.
د- أي مستند يستلزم القانون إفراغه في محرر رسمي أو توثيقه أو ورد في تنظيمه نص خاص في قانون آخر».
بينما نصت المادة الثالثة «يكون كل من السجل الإلكتروني، والمستند الإلكتروني، والرسالة الإلكترونية، والمعاملة الإلكترونية، والتوقيع الإلكتروني في مجال المعاملات المدنية والتجارية والإدارية منتجا لذات الآثار القانونية المترتبة على الوثائق والمستندات والتوقيعات الكتابية من حيث إلزامه لأطرافه أو قوته في الإثبات أو حجيته متى أجرى وفقا لأحكام هذا القانون».
وجاء في المادة الرابعة «لا يلتزم أي شخص بقبول التعامل بالوسائل الإلكترونية بدون موافقته، وتستنتج موافقة الشخص من سلوكه الايجابي الذي لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على موافقته، وبالنسبة للجهات الحكومية يجب أن يكون قبولها بالتعامل الإلكتروني صريحا فيما يتعلق بالبيانات الإلكترونية التي تكون طرفاً فيها».
المادة الخامسة «يجوز التعبير كليا أو جزئيا عن الإيجاب والقبول وجميع الأمور المتعلقة بالتعاقد، بما في ذلك أي تعديل أو رجوع في الإيجاب أو القبول عن طريق المعاملات الإلكترونية، ولا يفقد التعبير صحته أو أثره أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم بواسطة مراسلة الكترونية واحدة أو أكثر».
وذكرت المادة السادسة «تعتبر الصورة المنسوخة على الورق من المستند أو السجل الإلكتروني حجة على الكافة أمام القضاء بالنسبة للمستند الرسمي، وحجة على من نسب إليه توقيعه الالكتروني عليها بالنسبة للمستند العرفي بالقدر الذي تكون فيه كل منهما مطابقة لأصل المستند أو السجل الالكتروني والتوقيع الإلكتروني موجودان على الدعامة الالكترونية، وفقا للشروط الواردة في المادتين (19-20) من هذا القانون».
وبهذه المثابة فإن البريد الإلكتروني (الإيميل)، وكذلك «الواتساب» وسيلة لتبادل الرسائل الإلكترونية بين الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية من أجهزة كمبيوتر أو هواتف محمولة أو غيرها، تتميز بوصول الرسائل إلى المرسل إليهم في وقت معاصر لإرسالها من مُرسِلها أو بعد برهة وجيزة، عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أيًا كانت وسيلة طباعة مستخرج منها في مكان تلقي الرسالة، وسواء اشتملت هذه الرسائل على مستندات أو ملفات مرفقة أم لا.
ولقد أجازت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية للقاضي استخلاص واقعتي الإيجاب والقبول – في حالة التعاقد الإلكتروني – من واقع تلك الرسائل الإلكترونية دون حاجة لأن تكون مفرغة كتابيًا في ورقة موقعة من طرفيها، ذلك أن هذه الرسائل يتم تبادلها عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ولذلك فإن أصول تلك الرسائل – مفهومة على أنها بيانات المستند أو المحرر الإلكتروني – تظل محفوظة لدى أطرافها – مهما تعددوا – المُرسِل والمُرسَل إليهم داخل الجهاز الإلكتروني لكل منهم، فضلًا عن وجودها بمخزنها الرئيسي داخل شبكة الإنترنت في خادمات الحواسب للشركات وكذلك للأفراد مزودة خدمة البريد الإلكتروني للجمهور كما هو الحال بالإعلان الإلكتروني.
وفى كل الأحوال، فإنه في حالة جحد الصور الضوئية، فلا يملك مُرسِل رسالة البريد الإلكتروني أن يقدم أصل المستند أو المحرر الإلكتروني، ذلك أن كل مستخرجات الأجهزة الإلكترونية، لا تعدو أن تكون نسخًا ورقية مطبوعة خالية من توقيع طرفيها، ومن ثم فإن المحكمة وحرصًا منه على عدم إهدار حقوق المتعاملين من خلال تلك الوسائل الإلكترونية الحديثة حال عدم امتلاكهم لإثباتات مادية على تلك المعاملات، وان هناك ضوابط يمكن منها التيقن من جهة إنشاء أو إرسال المستندات والمحررات الإلكترونية وجهة أو جهات تسلمها وعدم التدخل البشري والتلاعب بها للإيهام بصحتها، وهو ما قد يستلزم في بعض الحالات الاستعانة بالخبرات الفنية المتخصصة في هذا المجال، فإذا ما توافرت هذه الشروط والضوابط فإن الرسائل المتبادلة بطريق البريد الإلكتروني، تكتسب حجية في الإثبات تتساوى مع تلك المفرغة ورقياً والمذيلة بتوقيع كتابي، فلا يحول دون قبول الرسالة الإلكترونية كدليل إثبات مجرد أنها جاءت في شكل إلكتروني، ولهذا فإنها تكون عصية على مجرد جحد الخصم لمستخرجاتها وتمسكه بتقديم أصلها، إذ إن ذلك المستخرج ما هو إلا تفريغ لما احتواه البريد الإلكتروني، أو الوسيلة الإلكترونية محل التعامل، ولا يبقى أمام من ينكرها من سبيل إلا طريق وحيد هو المبادرة إلى الادعاء بالتزوير، وفق الإجراءات المقررة قانونا، تمهيدا للاستعانة بالخبرة الفنية في هذا الخصوص.
وقالت «الاستئناف» في حيثيات حكمها، انه وكان البين من الأوراق أن المدعي «المستأنف» قدم أمام محكمة اول درجة مستخرجات من حسابه بالبنك والمرسلات التي تمت بينه وبين المدعي عن طريق الواتساب وتمسك بدلالاتها، إلا أن المستأنف ضده «المدعى عليه» قد اكتفى بجحدها بمقولة إنها صور ضوئية لا قيمة لها في الإثبات إلا بتقديم أصلها، على الرغم من أن هذه المستخرجات في حقيقة الأمر ليست إلا تفريغًا لما احتواه البريد الإلكتروني على النحو السالف بيانه، وليس لها أصل ورقي بالمعنى التقليدي مكتوب ومحفوظ لدى مرسلها، وبذلك تكون بمنأى عن مجرد الجحد، ولا سبيل للنيل من صحتها إلا بالتمسك بحصول العبث في بياناته، والمبادرة إلى سلوك طريق الادعاء بتزويرها وبعدم مطابقتها للشروط والضوابط المتطلبة بالقانون لصحة المحررات والبيانات الإلكترونية، وهو ما خلت منه الأوراق من جانب المستأنف ضده، لما هو مقرر من أنه يجب على مدعي التزوير أن يسلك في الادعاء به الأوضاع المنصوص عليها في قانون الإثبات كي ينتج الادعاء أثره القانوني دون الوقوف على إذن من المحكمة بذلك.
ولفتت المحكمة إلى انه تطبيقا لما تقدم، فإن هذه المحكمة كمحكمة موضوع وعملا لسلطتها في فهم واقعة الدعوى الماثلة وتقدير لما طرح امامها من الأدلة تجد أن هناك عقدا بين طرفي الخصومة تمثل في الاتفاق بينهما ان يقوم المستأنف ضده باستيراد كلبين من الفصيلة الألمانية لصالح المستأنف مقابل قيام الأخير بتسليمه مبلغ «5050 د.ك» هو خمسة آلاف وخمسون دينارا كويتيا، وقد قام الأخير بتحويل ذلك المبلغ على دفعات للمستأنف ضده الذي تعذر عليه تنفيذ التزامه ولم يف به، وذلك أخذ بما تطمئن إليه من صور المراسلات الكترونية (الواتساب) بين الطرفين وصور مستخرجات كشف حساب البنك المقدمة من المستأنف، والذي تمسك بدلالاتها، ولا يقدح من ذلك اكتفاء المستأنف ضده «المدعى عليه» بجحدها بمقولة إنها صور ضوئية لا قيمة لها في الإثبات، إذ لا سبيل للنيل من صحتها إلا بالتمسك بحصول العبث في بياناته، والمبادرة إلى سلوك طريق الادعاء بتزويرها وبعدم مطابقتها للشروط والضوابط المتطلبة بالقانون لصحة المحررات والبيانات الإلكترونية، وهو ما خلت منه الأوراق من جانب المستأنف ضده، لما هو مقرر من أنه يجب على مدعي التزوير أن يسلك في الادعاء به الأوضاع المنصوص عليها في قانون الإثبات كي ينتج الادعاء أثره القانوني دون الوقوف على إذن من المحكمة بذلك، وكان الحكم المستأنف قد خالف ما سلف بيانه، الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء مجددا بإجابة المستأنف بطلباته واسترداد المبالغ التي دفعها للمدعى عليه، وفقا للوارد بالمنطوق.