رغم تجميد إقرار قانون التعديلات القضائية المثير للجدل، صعّد الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطه على حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ما استدعى رداً لاذعاً من وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، ايتمار بن غفير، الذي ذكّر واشنطن بأن إسرائيل دولة مستقلة و»ليست نجمة أخرى على العلم الأميركي».
انتقادات بايدن جاءت متسقة مع موقف المعارضة التي دعت نتنياهو زعيم حزب ليكود اليميني، إلى التخلي عن القانون وليس تعليق إجراءات إقراره، كما صعّدت بعض أطرافها الموقف بالمطالبة بكتابة دستور للبلاد.
ومساء أمس الأول، عبّر بايدن عن أمله أن تتخلى حكومة نتنياهو عن القانون المثير للجدل الذي يرى منتقدوه أنه يقيد القضاء، خصوصاً المحكمة العليا التي تشرف على تطبيق القوانين الأساسية بغياب دستور مكتوب، ويحدّ من صلاحياته لمصلحة الطبقة السياسية.
وعلى هامش زيارة إلى ولاية كارولاينا الشمالية، علّق بايدن على الأحداث التي تشهدها إسرائيل بالقول: «مثل العديد من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل، أنا قلق جداً. وأنا قلق من أنهم يفهمون هذا بشكل صحيح لا يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق وأعتقد أنني عبرت عن رأي بوضوح».
وأضاف: «آمل أن يتصرّف رئيس الوزراء نتنياهو على نحو يحاول فيه التوصل إلى تسوية حقيقية»، مشيراً إلى أنه لا يعتزم «في المدى القريب» دعوته لزيارة البيت الأبيض.
وردّ نتنياهو على هذه التصريحات في بيان، مؤكداً أن «إسرائيل دولة ذات سيادة، تصدر قراراتها عن إرادة شعبها ولا تستند إلى ضغوط من الخارج حتى عندما تأتي من أفضل أصدقائها». وفي وقت لاحق حاول نتنياهو تغيير اللهجة وقال
خلال قمة الديموقراطية الثانية التي دعا اليها بايدن، أن تحالف بلاده مع الولايات المتحدة «لا يتزعزع».
واضاف في كلمة عبر الإنترنت «عرفت إسرائيل والولايات المتحدة اختلافات في الرأي من وقت لآخر، لكني أحرص على التأكيد على أن التحالف بين أكبر ديموقراطية في العالم وبين إسرائيل الديموقراطية القوية والشامخة والمستقلة في قلب الشرق الأوسط، راسخ لا يتزعزع. وما من شيء قادر على تغيير ذلك». كما أبدى إشارات على استعداداه للتوصل إلى تسوية بشأن قانون التعديلات القضائية.
لكن الردّ الأقوى على بايدن جاء من بن غفير الذي قال أمس، إنه يتعين على إدارة الرئيس بايدن أن تفهم أن إسرائيل دولة مستقلة، وأنها «ليست نجمة أخرى على العلم الأميركي».
في الوقت نفسه، اتهم وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، ميكي زوهار، واشنطن بـ «الانسياق وراء الأخبار الكاذبة» بشأن «الإصلاح القانوني المبرر».
وفيما بدا أنه محاولة للتقليل من شأن الخلاف الحاد مع واشنطن، قال نتنياهو أمس، إن إسرائيل تتوقع الانضمام إلى برنامج الإعفاء من التأشيرات الأميركي في سبتمبر، بعد تشريع إسرائيل لإجراءات تطلبها واشنطن. إلى ذلك، لم يسلم وزير الدفاع «الليكودي» يؤآف غالانت الذي لا يزال على رأس وزارته رغم إقالته من نتنياهو لدعوته إلى تعليق قانون التعديلات القضائية من انتقادات بن غفير، الذي قال «غير مقبول أن تكون رغبة غالانت فيما يتعلق بغزة هي دائماً لنتجنب التصعيد».
في المقابل، قال رئيس الوزراء السابق أيهود باراك، إن «بن غفير وجهت له 53 لائحة اتهام وتمت إدانته 8 مرات واحدة منها لعلاقته بالإرهاب ليس ضد العرب ولكن داخل المجتمع اليهودي، ومنحه ميليشيا خاصة به دليل على أن نتنياهو لا يستطيع اتخاذ قرارات صائبة».
وكان باراك يشير إلى إعلان نتنياهو إنشاء «حرس وطني» وتسليم قيادته لبن غفير في قرار اعتبر على نطاق واسع ترضية للأخير للبقاء في الحكومة بعد تعليق إقرار التعديلات القضائية.
في غضون ذلك، أعلن مكتب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ أن المفاوضات بين أحزاب الأغلبية والمعارضة بشأن خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل ستستمر بعد لقاء أول جرى «بروح إيجابية» أمس الأول الثلاثاء.
وعقد «لقاء الحوار» الأول هذا في مقر إقامة هرتسوغ في القدس بين «فرق العمل التي تمثل الائتلاف الحاكم» وحزبي المعارضة «يش عتيد» (هناك مستقبل) وحزب الوحدة الوطنية، كما ورد في البيان. وكان زعيما الحزبين الوسطيين على التوالي يائير لبيد وبيني غانتس أعلنا استعدادهما للحوار. ووافق لبيد وغانتس على وساطة هرتسوغ لكنهما حذرا من أي خداع. وفي إشارة إلى مشروع القانون الخاص بتشكيلة اللجنة المسؤولة عن اختيار القضاة أحد أكثر الجوانب إثارة للخلاف في الإصلاح، حذر الطرفان في بيان مشترك من أنهما سيغادران طاولة المفاوضات «فوراً» إذا تم وضع هذا النص «على جدول أعمال البرلمان».
وقوبل إعلان نتنياهو عن «وقف» الخطة بعد بدء إضراب عام وخلافات داخل الأغلبية، بتشكيك من المتظاهرين كذلك عدد من المعلقين السياسيين.
ورأى ناحوم بارنياع كاتب الافتتاحية في صحيفة يديعوت أحرونوت أن رئيس الوزراء «تمكن من تحويل هزيمة ساحقة إلى تعادل بكلمات لطيفة». وكتب «أياً كان ما قاله أو سيقوله، قلة هم الذين يصدقونه».
وكتب يوسي فيرتر المراسل السياسي للصحيفة اليسارية اليومية هآرتس، على صفحتها الأولى إنه «انتصار للمتظاهرين لكن الرجل الذي أخضع نتنياهو فعلياً وداس عليه هو إيتمار بن غفير (...) حصل منه على وعد مشين: إنشاء ميليشيا ستعمل تحت إمرته» في إشارة إلى «الحرس الوطني».
أما يوهانان بليسنر رئيس المؤسسة البحثية «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» فقد رأى أن ما جرى هو «وقف لإطلاق النار ربما لإعادة التجمع وإعادة التنظيم وربما الانتقال إلى الهجوم».
وأعلن أحد التجمعات التي تقف وراء التظاهرات ضد الاصلاح استمرار حركة الاحتجاج «طالما لم يتوقف الانقلاب القضائي بشكل كامل». وجرت بالفعل تظاهرات مساء أمس الأول في تل أبيب وأمام منزل هرتسوغ في القدس.