نيللي... فراشة السينما المصرية «1-6»

• «الحرمان» يعلن ميلاد نجمة سينمائية عمرها أربع سنوات

نشر في 30-03-2023
آخر تحديث 30-03-2023 | 15:10
حلّقت الفنانة المصرية نيللي في فضاء التمثيل، وسطعت نجوميتها خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، ولفتت الممثلة الصغيرة أنظار كبار المخرجين، وتألقت فراشة السينما في المسرح والدراما التلفزيونية أيضًا، وحققت نجاحًا كبيرًا في فوازير رمضان، قبل أن تحتجب نجمة الاستعراض الأولى في أوج شهرتها... وقد كُرِمت أخيرًا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي... وفي الحلقة الأولى نستعرض الفصول المبكرة من حياتها وبدايات رحلتها الفنية.
قدمت نيللي أعمالًا فنية عِدة، وحققت حضورها كفنانة شاملة، وامتدت مسيرتها لأكثر من 50 عامًا، وكانت من الفنانات القليلات اللواتي ظهرت موهبتهن في سن مبكرة، مثل شقيقتها فيروز، وابنة عمتها لبلبة، وفاتن حمامة وغيرهن، وتعددت أقنعتها على الشاشة، وحجزت لنفسها مقعدًا في الصف الأول بين نجمات جيلها والأجيال اللاحقة.

وتألقت فراشة السينما في الأدوار الكوميدية والتراجيدية، واتسم أداؤها بتلقائية شديدة من دون مبالغة، ودخل كثير من أفلامها إلى قائمة الأفضل في تاريخ السينما المصرية، مثل “الرجل الذي فقد ظله” (1968)، قصة الكاتب فتحي غانم وإخراج كمال الشيخ، وفيلم “حادث النصف متر” (1983) للكاتب صبري موسى والمخرج أشرف فهمي.

واتسعت دائرة انتشار النجمة المتألقة، واقتحمت بجرأة عالم المسرح، والتقت جمهورها وجهًا لوجه في مسرحيات عدة، بينما ظلت بعض نجمات جيلها يخشين الوقوف على خشبة المسرح، والبعض الآخر حقق حضورًا باهتًا، وآثرن الظهور من خلال الشاشة البيضاء فقط، وقد صقلت موهبتها كممثلة كوميدية من خلال تجاربها المسرحية، التي منحتها عن جدارة لقب نجمة الاستعراض الأولى في مصر والعالم العربي.

الممثلة الصغيرة تتصدر ملصقات الأفلام مع نجوم الخمسينيات

عائلة فنية

وُلِدت نيللي آرتين كالفيان في يوم 3 يناير 1949 بمدينة القاهرة لأسرة مصرية ذات جذور أرمنية، وبدأت مشوارها الفني منذ كانت طفلة صغيرة، وظهرت في أدوار غنائية واستعراضية ودرامية بأكثر من فيلم سينمائي، منها فيلمها الأول “الحرمان” عام 1953، وكان عمرها وقتذاك أربع سنوات، حين دفع بها المخرج عاطف سالم، لتشترك في البطولة مع شقيقتها فيروز وعماد حمدي وعبدالسلام النابلسي وزوز ماضي وزينات صدقي.

والفيلم مأخوذ عن قصة للأديب نيروز عبدالملك، وتدور أحداثه في أجواء ميلودرامية حول مهندس شاب يعيش في مدينة الإسكندرية الساحلية، ويتولى رعاية طفلته بعد أن تركتها أمها وانشغلت بعملها، ولا تجد من يرعاها، وفي أحد الأيام تكون سببًا في وقوع حادثة لوالدها، وتشعر بذنبها فتهرب حتى لا تقع تحت طائلة العقاب، ويبدأ الأب رحلة البحث عنها.

عصافير الجنة

واللافت أن الممثلة الصغيرة تصدَّر اسمها ملصق فيلم “الحرمان” كإعلان عن مولد نجمة جديدة، وتألقت في دور الطفلة “منى”، وبعد نجاح هذا الفيلم شاركت في فيلم آخر بعنوان “عصافير الجنة” عام 1955، وأسند لها المخرج سيف الدين شوكت في هذا الشريط السينمائي دور الطفلة “نيللي” أمام شقيقتها فيروز ومحمود ذوالفقار وزمردة وحسن البارودي ونجمة إبراهيم وعزيزة حلمي ومحمد توفيق.

ويدور “عصافير الجنة” في إطار ميلودرامي حول هروب الفتيات الثلاث “فيروز وميرفت ونيللي” بعد خلافات أسرية بين والدتهن ووالدهن، ويلتحقن بالعمل مع أحد عازفي البيانولا، ويبدأ الزوجان رحلة البحث عنهن، وتتصاعد الأحداث إلى أن يلتم شمل الأسرة مرة أخرى.

«توبة» مغامرة سينمائية مع صباح وعماد حمدي والمليجي



رحمة من السماء

وتتابعت رحلة نيللي في سينما الخمسينيات، وحلّقت بموهبتها بعيدًا عن شقيقتها فيروز، واستطاعت أن تلفت أنظار كبار المخرجين في ذلك الوقت، واختارها المخرج هنري بركات للمشاركة في فيلم “حتى نلتقي” عام 1957، ولعبت فيه دور الطفلة “آمال” أمام كوكبة من النجوم منهم فاتن حمامة وعماد حمدي وأحمد مظهر وعمر الحريري وزهرة العلا وسراج منير.

وتدور أحداث الفيلم حول ممثلة شابة تلتقي بكاتب مشهور، متزوج ولديه طفلة، وبعد أن يعرض عليها الزواج، تقع فى حيرة من أمرها بين حبها له، وإحساسها بالذنب تجاه عائلته وابنته الصغيرة.

واستمرت رحلة صعود الممثلة ذات التسع سنوات في عالم السينما، وقدّمت ثلاثة أفلام في عام 1958، أولها “توبة” سيناريو عبدالوارث عسر، وإخراج محمود ذو الفقار، ولعبت في هذا الشريط السينمائي دور الطفلة “زينب” أمام المطربة صباح وعماد حمدي ومحمود المليجي.

وانضم “توبة” إلى سلسلة الأفلام التي تتمحور حول عالم الأطفال والأزمات الأسرية، ودارت أحداثه حول معاناة زوج بعد وفاة زوجته، بسبب انشغاله بعمله، وتركه لأطفاله الصغار وحدهم لأوقات طويلة، وتمرض طفلته الصغيرة ولا يجد الصغار سوى مطربة في مسرح متجوِّل تعتني بها، ويتعلّق الأب بها، ويرغب في الزواج منها، ويحرِّض أطفاله على الإلحاح عليها للبقاء معهم، لكن ماضيها سيظل يطاردها دائمًا في حياتها القادمة.

ساندويتش صباح

وكان هذا الفيلم سببا في توطيد العلاقة بين الفنانة الكبيرة صباح والطفلة الموهوبة نيللي، وبعد رحيل صباح في عام في 26 نوفمبر 2014، قالت نيللي، إنها لا تنسى أبدًا كلماتها التي كانت ترددها عليها والنصائح التي أسدتها لها عن حب الحياة والفن والناس، وتذكرت موقفا حدث معها أثناء مشاركتها فيلم “توبة”، حيث كان نيللي جائعة جدًا والشخص الذي ذهب لإحضار الطعام تأخر، وكان مع صباح ساندويتش، فقسمته لنصفين وأعطت النصف لنيللي.

وفي فيلم “رحمة من السماء”، قصة يوسف وهبي وإخراج عباس كامل، لعبت نيللي دور الطفلة “آمال” أمام هند رستم ومحمود المليجي وفردوس محمد، وتتشابه قصة هذا الفيلم مع الأفلام السابقة، ويدور حول زوج يفقد زوجته، ويظل على ذكراه لها، ويصب كل اهتمامه في رعاية ابنته الوحيدة، ويذهب في إحدى المناسبات لشراء دُمية لابنته وفي محل الدُمى يفاجأ بسيدة شديدة الشبه بزوجته في تصرفاتها وحتى في صوتها، وتتصاعد الأحداث.

المخرج هنري بركات منحها دور البطولة أمام فاتن حمامة



هي والرجال

وأسند لها مخرج الروائع حسن الإمام دور “أحلام” في فيلم “هي والرجال”، بطولة لبني عبدالعزيز وأحمد رمزي وصلاح قابيل وعبدالمنعم إبراهيم، وظهر في هذا الشريط السينمائي مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة، منهم الضيف أحمد وجلال عيسى وشمس البارودي وصفاء أبوالسعود.

وتنقلت الممثلة الصغيرة بين “بلاتوه” وآخر، واعتادت الوقوف أمام الكاميرا، وكان والدها متحمسًا لموهبتها الفنية، وشجَّعها على أن تشق طريقها في عالم الأضواء والشهرة، مثلما فعل مع ابنته الكبرى “فيروز” حين حققت نجاحًا كبيرًا في أفلامها مع النجم أنور وجدي، وبظهور الطفلة “نيللي” استمرت موجة الأفلام التي تُعنى بعالم الأطفال وهموم الأسرة المصرية.

وبلغت نيللي ذروة نشاطها الفني في نهاية الخمسينيات، وعمرها عشر سنوات، وبعد أن سطعت نجوميتها، رفض والدها أن تشارك في أدوار ثانوية، وتوقفت عن إشراكها في أي عمل جديد، حتى حانت الفرصة لتدخل عالم الكبار، وتبدأ مرحلة جديدة في مشوارها السينمائي.

المراهقة الصغيرة



تألقت نيللي في سينما الستينيات، وكشفت عن موهبة كبيرة في التمثيل والغناء، وحجزت لنفسها مقعدًا بين نجمات جيلها السندريلا سعاد حسني ونادية لطفي وزبيدة ثروت وغيرهن، واشتعلت المنافسة بينها وبين السندريلا على بطولة الأفلام الاستعراضية، وتشابهت ظروفهما إلى حد كبير، فهما تنتميان إلى عائلتين فنيتين، وتجيدان التمثيل والغناء.

وكان المخرج محمود ذوالفقار أول مَنْ منح نيللي البطولة في فيلم “المراهقة الصغيرة” (1966)، وتصدَّر اسمها الملصق الدعائي للفيلم مع أحمد مظهر وليلى فوزي وأحمد رمزي وصلاح منصور.

وفي نفس العام، شاركت فريد شوقي وزكي رستم وحسن يوسف ونجوى فؤاد في بطولة “إجازة صيف” للمخرج سعد عرفة. ويدور الفيلم حول موظفي إحدى الشركات، يقومون برحلة صيفية مع أسرهم إلى مدينة رأس البر بمحافظة دمياط، وأغلب الذاهبين اقتصدوا مبالغ الرحلة من أجل قضاء اﻹجازة، وتتوالى الأحداث عبر مفارقات كوميدية.

نورا والمشاغبون

ونافست النجمة الحسناء بقوة في سينما الستينيات، ودانت لها أدوار البطولة بأفلام الأبيض والأسود، وحققّت شهرة كبيرة في الأدوار ذات الطابع الاستعراضي، ومنها فيلم “المشاغبون” للمخرج محمود فريد، وشاركت في بطولته مع النجم رشدي أباظة ونجوى فؤاد وثلاثي أضواء المسرح (سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد).

ولعبت نيللي دورًا مميزًا في دراما استعراضية غنائية، حول ثلاثة من الموسيقيين يقفون أمام السجن، ينتظرون خروج صديقهم “أمين” الذي يتوّجه لتوه إلى منزل مهجور لمقابلة صديقه “يوسف” زعيم العصابة، ويطلب منه حقه في الجريمة التي دخل من أجلها السجن.

وأعلن “المشاغبون” ميلاد نجمة استعراضية، ما جعل المخرج محمود ذوالفقار يكرّر تعاونه مع نيللي عام 1967 من خلال فيلم “نورا”، قصة الكاتب محمد التابعي، وشارك في بطولته النجم كمال الشناوي وعادل أدهم ونجوي فؤاد وثلاثي أضواء المسرح.

وفي العام ذاته، اتجهت فراشة السينما إلى “بيت الطالبات” مع المخرج أحمد ضياء الدين والمؤلفة فوزية مهران، وكوكبة من النجوم منهم كمال الشناوي وناهد شريف وماجدة الخطيب ويوسف فخرالدين وزوزو حمدي الحكيم. ويدور هذا الفيلم في إطار اجتماعي، حول ثلاث طالبات جامعيات “إيمان وأمل وهيام”، أتين من قرى ومدنٍ بعيدة، ويعشن في بيت الطالبات، ولديهن طموحات وأحلام متباينة، ويعانين تسلط المُشرفات، ومديرة الدار “هيام”، وفي وسط تلك الظروف الصعبة، يقعن في العديد من المشكلات.

“أنا الدكتور”

وفي عام 1968عادت نيللي لتلتقي مع وحش الشاشة فريد شوقي في فيلم “أنا الدكتور”، المقتبس عن مسرحية “د. كونك” للكاتب الفرنسي جيل رومان، وتولى إخراج العمل عباس كامل، وشارك في البطولة عادل إمام وتوفيق الدقن ومحمد رضا وجورج سيدهم والمطرب الشعبي محمد العزبي.

ولعبت نيللي دور “الممرضة نادية” تلك الفتاة الريفية اليتيمة، التي تعترض على ممارسة الممرض “إبراهيم” مهنة الطب رغم كونه لا يحمل ما يؤهله لأداء هذه المهنة، ويمتلك عيادة في قريته، ويعمل على جمع أكبر قدرٍ من المال بإيهام أهل القرية الأصحاء أنهم مرضى، إلا أنه يندم بعد ذلك لاحتياله على الأهالي وابتزازهم.

وفي نفس العام، قدَّمت نيللي واحدًا من أهم أدوارها السينمائية من خلال فيلم “الرجل الذي فقد ظله”، قصة فتحي غانم، وإخراج كمال الشيخ، وشاركت في بطولته مع ماجدة وكمال الشناوي وصلاح ذوالفقار وعماد حمدي، وهذا الشريط السينمائي تم اختياره ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

«هي والرجال» فيلمها الأول مع مخرج الروائع حسن الإمام

زوجة بلا رجل

والتقت نيللي لأول مرة النجم نور الشريف في فيلم “زوجة بلا رجل” (1969)، قصة يوسف جوهر، وإخراج عبدالرحمن الشريف، وشارك في بطولته كمال الشناوي وليلى طاهر وصلاح السعدني، ودارت أحداثه حول “نادية” التي تربطها علاقة بالشاب “مدحت” ويتفقان على الزواج، لكنه يتعرَّض لحادث سير، ويسافر إلى الخارج ليكمل تعليمه، ويتخلى عنها.

كما أسند إليها المخرج عبدالمنعم شكري، في نفس العام، دور البطولة في فيلم “مجرم تحت الاختبار” مع النجم حسن يوسف وسهير المرشدي وحسن مصطفى، ودارت أحداثه في أجواء بوليسية حول شركة سينمائية، تتأهب لإنتاج فيلم عن مجرم خطير اعتقدت الشرطة أنه لقي مصرعه، ويذهب ممثلٌ هاوٍ شديد الشبه بالمجرم إلى الصحافي كاتب قصة الفيلم، ويعرض عليه العمل في الفيلم. ويقع نظر المجرم الحقيقي على صورة شبيهه في إحدى إعلانات الفيلم، فيرسل حبيبته لتوقِع بالممثل ويتمكن المجرم الحقيقي من ارتداء ملابسه ليحل محله.

وعادت نيللي مع نفس المخرج إلى فضاء الكوميديا في فيلم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة”، وشاركها بطولته النجوم صلاح ذوالفقار وتحية كاريوكا وخيرية أحمد. ويتناول العمل قصة الزوجين “حسن وسامية” اللذين يعيشان في سعادة، ولا يكدر صفو حياتهما سوى بعض مضايقات والدة سامية لحسن، حتى يتبدل الحال عندما يُرزقان بمولودهما، وتستعين سامية بوالدتها لرعاية الصغير وتقيم معهما في المنزل وتتصاعد الأحداث.

دلع البنات

وتصل فراشة السينما إلى محطتها الأخيرة في أفلام الستينيات، وتشارك مع النجوم فريد شوقي ويوسف وهبي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن بطولة فيلم “دلع البنات”، تأليف بهجت قمر وإخراج حسن الصيفي، ولعبت فيه دور الفتاة المدللة التي تتعطل سيارتها في الطريق بالقرب من منزل الموظف البسيط “أنور” فتلجأ إليه ليساعدها، وتسبب له العديد من المشكلات.

«نيللي وفيروز» ظاهرة فنية في سينما الأطفال

استطاعت نيللي أن تلحق بقطار النجومية مع شقيقتها “فيروز” في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وشكلتا معًا ظاهرة فنية فريدة على شاشة السينما، ولأول مرة في تاريخ الأفلام المصرية، تتصدر طفلتان ملصقات الدعاية، وتبهران الجمهور بموهبتيهما في التمثيل والغناء والاستعراض.

ورغم نجاح أفلام فيروز مع الفنان أنور وجدي، وتشبيهها بالممثلة الأميركية شيرلي تمبل، فإنها اعتزلت التمثيل في وقت مبكر، وتركت الساحة لشقيقتها نيللي التي استمر مشوارها بعد أن تخطت مرحلة الطفولة، ومنذ فترة الستينيات تراجع حماس صُنَّاع الأفلام، لتقديم نوعية أعمال تتمحور حول الطفولة، وأصبح الممثلون الصغار يؤدون أدوارًا ثانوية، باستثناء النجاح الخاطف للطفلة ضحى أمير في فيلم “حياة أو موت” عام 1954، لكنها بعد ذلك اختفت تمامًا عن الشاشة.

وصارت نيللي من النجمات القليلات اللواتي أكملن مشوارهن بعد مرحلة الطفولة، وحققت حضورًا مميزًا على الشاشة الكبيرة وخشبة المسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية، وتنوعت تجربتها بين الكوميديا والتراجيديا والأعمال الغنائية والاستعراضية، ويظل عملها في الفوازير محطة مهمة في مسيرتها الفنية.

back to top