تجاهلت موسكو الانتقادات الغربية لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وبدأت أمس مناورات عسكرية ضخمة لقوتها الاستراتيجية الصاروخية، تشمل أنظمة «يارس» النووية البالستية العابرة للقارات، تزامناً مع وقف الولايات المتحدة تبادل البيانات النووية رداً على تعليقها لمعاهدة نيو ستارت.
وقال مصدر في وزارة الدفاع الروسية إن قوات الصواريخ الاستراتيجية ستجري تدريبات في مجال التمويه والتصدي لوسائل الاستطلاع الجوي الحديثة بالتعاون مع تشكيلات ووحدات المنطقة العسكرية المركزية والقوات الجوية الروسية. وسيتم خلال ذلك تركيز الاهتمام بشكل خاص على استخدام الطائرات من دون طيار من مختلف الفئات والأنواع.
وعشيّة عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً استثنائياً لبحث نشر موسكو أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن القرار بأنه «خطير ومثير للقلق»، وأضاف أن واشنطن ليست لديها معلومات عن بدء نشر هذه الأسلحة.
ومع تعرّض آخر ركيزة متبقية للحد من التسلح النووي للخطر، أوقف بايدن تبادل البيانات النووية مع موسكو، رداً على تعليق بوتين لاتفاقية ستارت الجديدة، التي حددت ترسانة لكل منهما بـ 800 منظومة إطلاق و1550 رأساً حربياً جاهزة للتشغيل لدى كل منهما.
وأوضح المتحدث باسم الأمن القومي، جون كيربي، أنه بما أن موسكو لا تشارك في تبادل المعلومات، فقد أوقفته واشنطن أيضاً، ولن يتم تبادل البيانات مرة أخرى إلا عندما تكون مستعدة للقيام بذلك. وشدد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على أن «الكرملين» لن يغيّر موقفه من تعليق المعاهدة، رغم قرار الولايات المتحدة وقف تبادل البيانات.
ووسط تزايد المخاوف من صراع محتمل، أفاد تقرير لمرصد حظر الأسلحة النووية، أمس، بأن عدد الرؤوس الجاهزة للاستخدام في العالم خلال 2022 زاد بشكل كبير، بتأثير من روسيا والصين خصوصاً.
وقال التقرير، الذي نشرته منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، إنه في مطلع 2023، كانت الدول التسع المسلحة نووياً بشكل رسمي أو غير رسمي، تمتلك 9576 رأساً نووية جاهزة للاستخدام بقوة توازي أكثر من 135 ألف قنبلة كتلك التي ألقيت على هيروشيما». وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا ما يقرب من 90 بالمئة من الرؤوس النووية في العالم، وهو ما يكفي لتدمير الكوكب عدة مرات.
في هذه الأثناء، تفقّد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، رافايل غروسي، أمس، للمرة الثانية محطة زابوريجيا للطاقة النووية، التي تحتلها القوات الروسية، وتثير سلامتها مخاوف في صفوف المجتمع الدولي.
وقبل زيارة غروسي لأكبر محطة نووية في أوروبا، أعلنت روسيا أن مدينة ميليتوبول (عاصمة منطقة زابوريجيا) تعرّضت لقصف صاروخي من الجيش الأوكراني تسبب في انقطاع التيار الكهربائي.
دعوة شي
وفيما جدد المتحدث باسم «الكرملين»، ديميتري بيسكوف، تمسّك روسيا بتحقيق أهدافها العسكرية في أوكرانيا، بما في ذلك «ضمان الأمن بشكل عام وسلامة مواطني المناطق الروسية الجديدة بشكل خاص»، وجّه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي دعوة لنظيره الصيني شي جينبينغ لزيارة كييف والتحدث معه، مؤكداً أنه كان على تواصل معه قبل الحرب، وخلال عام 2022 بأكمله لم يكن لديهما أي اتصال.
ومع بدء وصول الدبابات الغربية المتقدمة قبل هجوم الربيع المضاد، حذّر زيلينسكي، في مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس، من أنه إذا هزمت قواته في باخموت، فإنه سيخضع لضغوط كبيرة من المجتمع الدولي والشعب الأوكراني ذاته، وسيضطر لإيجاد تسوية سلمية مع روسيا، مؤكداً أن أية هزيمة في الوقت الراهن ستقوّض الرغبة القتالية لدى القوات الأوكرانية وتضعفها».
زيارة عبداللهيان
في غضون ذلك، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أمس، زيارة الى موسكو التقى خلالها نظيره الروسي سيرغي لافروف، وأجريا محدثات تطرّقت الى المفاوضات حول ملف إيران النووي، والتعاون في سورية، وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين.
ومع تزايد التعاون العسكري بين البلدين، خصوصا مع إرسال طهران مسيّرات تستخدمها روسيا في حرب أوكرانيا، وموافقة موسكو على تزويد طهران بمقاتلات سو 35 المتطورة، أعلن عبداللهيان، في مؤتمر صحافي مع لافروف، وضع اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا.
وفي وقت سابق، قال الوزير الإيراني، لدى وصوله الى موسكو، إن تعزيز التعاون الدفاعي الإيراني - الروسي على جدول أعمال البلدين، مؤكدا أنه غير موجّه ضد أي طرف آخر.
وحول مباحثات استئناف عمل الاتفاق النووي، أكد عبداللهيان أن «نافذة المفاوضات النووية ما تزال مفتوحة والاتفاق النووي وعودة الأطراف إلى تعهّداتها أحد مواضيع محادثاتي مع لافروف».
وكانت موسكو قد اعتبرت، أمس الأول، أن «المفاوضات النووية ماتت، لكن الغرب يرفض دفنها»، في موقف سلبي من المباحثات التي تحاول طهران التمسك بها، على أمل رفع العقوبات الأميركية عنها.
وأشار وزير خارجية إيران إلى أن «روسيا لعبت دورًا فعالًا في الجولة الجديدة من المحادثات، ويواصل زملاؤنا في موسكو جهودهم لإعادة الأطراف إلى التزاماتهم».
وقال السفير الإيراني لدى موسكو، كاظم جلالي، أمس الأول، على «تويتر»: « سيتابع أمير عبداللهيان، خلال زيارته هذه، تنفيذ الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين رئيسَي البلدين، وسيبحث التطورات الإقليمية والملفات الاقتصادية، ومنها مستجدات ممر الشمال - الجنوب الدولي».
وفي وقت سابق، لفت عبداللهيان إلى أن بلاده تأمل في توقيع معاهدة جديدة بشأن العلاقات مع روسيا، هذا العام.
وأشار السفير الروسي لدى إيران، ألكسي ديدوف، في وقت سابق أيضا، إلى أن موسكو وطهران تعملان على صياغة اتفاقية جديدة للعلاقات الروسية - الإيرانية، مؤكدا أنها ستكون ذات أهمية استراتيجية.
إلى ذلك، أعلنت شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت»، أمس، توقيعها عقدا مع شركة إنديان أويل كومباني من أجل «زيادة» شحنات النفط الروسي «بشكل كبير»، فيما تسعى موسكو المستهدفة بعقوبات غربية، على خلفية غزوها لأوكرانيا، لإعادة توجيه مبيعاتها إلى آسيا.