ُلِدت الفنانة تحية كاريوكا في 22 فبراير 1915 بمدينة الإسماعيلية، واسمها الحقيقي "بدوية محمد علي النيداني كريم”، واكتشفت موهبتها الفنية في وقتٍ مبكر، وسافرت إلى القاهرة هربًا من معاملة أخيها القاسية، وتعذيبه لها، وحبسها في غرفتها لمنعها من الهروب.
وتعرّفت على الراقصة سعاد محاسن، ثم ذهبت إلى بديعة مصابني، وانضمت إلى فرقتها عام 1935، وتألقت فيها وزاد راتبها من 6 إلى 100 جنيه شهريًا. وبعد ذلك توجهت إلى السينما والمسرح بمساعدة سليمان باشا نجيب الذي قام بتنميتها ثقافيًا وسياسيًا، وبدأت نجوميتها الحقيقية عام 1940، عندما قدمت رقصة الكاريوكا العالمية في أحد عروض فرقه بديعة مصابني، واقترنت تلك الرقصة باسمها. وكانت شهرتها سببًا في طلاق شقيقتها فاطمة من زوجها علي الجداوي (والد الفنانة رجاء الجداوي).
واعتزلت كاريوكا الرقص في منتصف الخمسينيات، وتركت الساحة لمنافستها الفنانة سامية جمال، وتفرغت للسينما والمسرح، وأسست فرقة مسرحية مع الفنان فايز حلاوة، وتعاونت مع أجيال من المخرجين، منهم صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وحسن الإمام وحسام الدين مصطفى وحسين كمال وفطين عبدالوهاب. السجن والحرية
وامتلكت تحية شخصية كارزمية، ومارست النشاط السياسي السري قبل ثورة يوليو 1952، وألقي القبض عليها أكثر من مرة، وساعدت الضابط ـ آنذاك ـ محمد أنور السادات في هروبه من معتقل الإنجليز، وبعد سنوات كرمها الرئيس السادات في احتفال عيد الفن، وحين صعدت إلى منصة التكريم، صافحها الرئيس، وأثنى على مشوارها الفني، وتاريخها الوطني المُشرِّف.
وتعرضت النجمة صاحبة النشاط السياسي للسجن عام 1953، بعد زواجها من مصطفى كمال صدقي، أحد "الضبّاط الأحرار” والذي انشق عنهم، ووُجهت لها تهمة الترويج لمبادئ هدّامة وتوزيع منشورات عُثِر عليها في شقتها، وقضت كاريوكا في السجن حوالي 100 يوم، حتى ثبُتت براءتها بعد اعتراف زوجها بأنها لا تعرف شيئًا عن تلك المنشورات.
وخلال فترة اعتقالها، ظهرت شخصيتها القوية، وأصبحت بمثابة رئيسة السجن، وكانت تحمي السجينات، وتهتم بتغذيتهن ومعاملتهن بشكل لائق، واعتاد جميع المسجونات الذهاب إليها في زنزانتها، كما كانت أيضًا تهتم بالتمارين الرياضية، وطوال مدة حبسها ظلت متماسكة، وتمارس التمارين الرياضية بانتظام، وأقامت خلال فترة بقائها خلف الأسوار نشاطًا لمحو أميّة السجينات.
وبعد براءتها، أفردت مجلة "الكواكب” في العدد 133 بتاريخ 16 فبراير 1954، ملفًا مصورًا تحت عنوان "تحية تعود إلى البيت”، صاحب فيه محرر المجلة الفنانة تحية كاريوكا بعد خروجها مباشرة من السجن ورحلتها حتى الوصول إلى بيتها وماذا فعلت في أول يوم بعد البراءة، ومن كان في استقبالها، وشعورها بعد أن استردت حريتها وغادرت بوابة السجن.
وفي ذلك اليوم، لم تصدق كاريوكا خبر الإفراج عنها، وانهمرت الدموع من عينيها، وتملكتها فرحة غامرة، واستعادت شخصيتها المرحة، وأخبرت صديقتها الفنانة زينب صدقي، أنها ترغب في الخروج للتنزه، وركوب السيارة حتى منطقة الأهرامات بمحافظة الجيزة، وفي صباح اليوم التالي ارتدت ملابسها، وخرجت على غير هدى ولم تعد لبيتها إلا في المساء. المفكر والراقصة
كتب أكثر من كاتب ومثقف عربي العديد من المقالات عن تحية كاريوكا، ومن أبرزهم المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، ونشر في "لندن ريفيو أوف بوكس” يوم 11 سبتمبر 1990، مقاله الاحتفائي "تحية إلى تحية”، الذي يعد محاولة جادة للكتابة عن فن الرقص الشرقي، وأثار الكثير من الجدل حول علاقة المفكر والراقصة.
حكى إدوارد عن أول مرة شاهد فيها تحية كاريوكا عام 1950، عندما ذهب مع أحد زملائه إلى كازينو بديعة، وحين أُطفئت الأنوار إشارة إلى بدء العرض، وكان الكازينو مُمتلئًا تمامًا، وظهر المطرب عبدالعزيز محمود، وغنى "منديل الحلو” لأكثر من خمسين دقيقة، قبل أن تظهر تحية فجأة على بُعد بضعة أقدام خلف كرسي المطرب، وترتدي بدلة رقص زرقاء لامعة، ووقفت هناك واثقة تمامًا، وبدأت وصلتها الراقصة.
وعاد إدوارد إلى القاهرة بعد ربع قرن في صيف 1975، وشاهد تحية في مسرحية مع فايز حلاوة، وأذهله مظهرها وأسلوبها، والراقصة الرشيقة بالغة الأناقة، تحوّلت ـ حسب وصفه ـ إلى قبضاي مُتبجح يزن 220 رطلًا، وكانت تقف، وتكرّ الشتائم، وتقذف بأغلظ النكات القصيرة، وأضيق التوريات وأسهلها، بأسلوبٍ رخيص لا يكاد أن يكون أهلًا للمشاهدة!
وفي أواخر الثمانينيات، ضرب إدوارد موعدًا مع تحيّة من خلال صديقتها نبيهة لطفي مخرجة الأفلام التسجيليّة، فإذا بها تعيش في شقة صغيرة على بُعد شارعٍ من المكان الذي رآها ترقص فيه قبل أربعين عامًا. ورحّبت به وبنبيهة بنُبلٍ لم يتوقعه. وكانت أقل بدانة، وترتدي ثوبًا أسود قاتمًا، وتضع ماكياجًا بسيطًا، وتغظي ذراعيها وساقيها بكمين طويلين وجوربين غامقين، وجلسوا يتجاذبون أطراف الحديث، وراحت حياتها تمرّ أمام المفكر الكبير في استعراضٍ مهيب. زواج وانفصال
تعد تحية كاريوكا من أبرز الفنانات صاحبات الأرقام القياسية في عدد الزيجات، فقد تزوجت 14 مرة، وقيل 17 مرة، وكان زواجها الأول من أنطوان عيسى ابن شقيقة بديعة مصابني بعد أن أشهر إسلامه وغيّر اسمه إلى محمد المهدي، وكان ذلك في عام 1939، وانفصلا بعد عام واحد في ربيع عام 1940، ثم تزوجت من مصطفى جعفر الذي كان يمتلك العديد من دور السينما، وانفصلت عنه بعد شهور قليلة، وذلك حسب رواية الفنانة الراحلة رجاء الجداوي ابنة شقيقتها.
وفي نفس العام تزوجت من محمد سلطان باشا، أكبر أثرياء مصر في ذلك الوقت، إلا أنها انفصلت عنه بعد أن طلب منها اعتزال الرقص، ثم تزوجت من ضابط أميركي يُدعى "ليفي” الذي أشهر إسلامه واصطحبها إلى الولايات المتحدة، إلا أنها ما لبثت أن انفصلت عنه أيضًا. وبعد ذلك تزوجت من المخرج فطين عبدالوهاب وانفصلا بسبب غيرته الزائدة، ثم تزوجت من الفنان أحمد سالم الذي انفصل عن زوجته أمينة البارودي من أجل الزواج من تحية التي أحبته بجنون، وسافرت معه في رحلة إلى فلسطين، قبل نكبة 1948، وهناك ترددت شائعات قوية عن وجود علاقة بين سالم والمطربة أسمهان فانفصلت تحية عنه قبل العودة إلى القاهرة.
ودخلت كاريوكا إلى القفص الذهبي للمرة السادسة، حين تزوجت من طيار الملك فاروق الخاص، حسين عاطف، لكنهما انفصلا بعد شهرين فقط، بعدما ظهر النجم الصاعد ـ آنذاك ـ رشدي أباظة في حياتها، وتزوجته وسافرت معه إلى لبنان وهناك ضبطته في أحد الملاهي يجلس مع سيدة فرنسية، ودون مقدمات شدت المرأة الفرنسية من شعرها وضربتها بقسوة وطلبت منه الطلاق في نفس الليلة.
بعد طلاقها من رشدي أباظة، وبعد إنهاء أشهر العدة، تزوجت من أحد ضباط الملك، وهو البكباشي (المُقدِّم) مصطفى كمال صدقي، الذي اعتقل بعد قيام ثورة يوليو 1952 فانفصلت عنه. وارتبطت كاريوكا بالشاب عبدالمنعم الخادم، وكان مشهورًا بوسامته وثرائه، واستمر زواجهما لمدة خمس سنوات، ما شكّل أطول زيجة لها حتى ذلك الوقت، ولكنها انفصلت عنه عندما بدأ بدوره مطالبتها باعتزال الرقص والتمثيل وكان ذلك في عام 1956.
ثم التقت البكباشي طبيب حسن حسين وتزوجته لكنها انفصلت عنه بعد أن تسربت إليها شائعة بأنه على علاقة بالمطربة الصاعدة وقتذاك صباح. ومن شدة حبها وصدمتها في زوجها، ابتلعت كمية كبيرة من الحبوب بقصد الانتحار وجرى إنقاذها بصعوبة.
وأضربت كاريوكا عن الزواج لثلاث سنوات، حتى التقت المطرب الشاب الصاعد ـ آنذاك ـ محرم فؤاد، فتزوجت منه في منتصف عام 1959، إلا أنها انفصلت عنه قبل أن تنهي السنة، وبعدها تزوجت من أحمد ذو الفقار صبري لمدة عام واحد فقط، وكان زوجها الأخير الممثل والكاتب المسرحي الراحل فايز حلاوة، وبقيت معه 18 عامًا، وانتهى زواجهما بمشكلات وخلافات وصلت إلى ساحات القضاء، وقيل إنها تزوجت من المخرج المسرحي حسن عبدالسلام، ولكن ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوي، نفت ذلك في مقابلة تلفزيونية. الابنة الثالثة
وعاشت تحية كاريوكا لحظات مؤلمة، فلم تجد الرجل الذي يقدّر ويحتوي مشاعرها ولم تنجب أطفالًا، وعلى شاشة السينما تحمّست لتقديم دور الأم كي تعوض حرمانها من هذا الشعور، وفي أيامها الأخيرة تبنت طفلة صغيرة أسمتها "عطية الله”، واهتمت برعايتها، وعندما شعرت بعلامات دنو الأجل طلبت من الفنانة فيفي عبده أن ترعاها بعد رحيلها. والتزمت فيفي بوصية الفنانة الراحلة ولا تزال تعتبر عطية الله ابنتها الثالثة، حتى يومنا الحالي.
وكانت تحية كاريوكا بمثابة الأم للفنانة فيفي عبده، وعلمتها فعل الخير، وكانت تتواجد في الموالد، وتقوم بذبح عِجل وتوزيع لحمه على الفقراء، ثم تقوم بعد ذلك بغسل الصحون، كما كانت كاريوكا تقوم ببعض الأعمال الخيرية في الخفاء، وتدخل الفرحة في قلوب البسطاء.
وبعد معاناة طويلة مع المرض، رحلت تحية كاريوكا أيقونة الفن الاستعراضي، والممثلة الاستثنائية في تاريخ السينما المصرية، وصاحبة الموهبة المتفردة، والتجربة الحياتية الأكثر إثارة بين نجمات جيلها، تاركة خلفها بصمة فنية وإنسانية خالدة.
وقررت كاريوكا أن تجذب أنظار الحضور، وعادت إلى غرفتها في الفندق، وبدلت ملابسها الأنيقة ذات الطراز الباريسي، وارتدت زيًا شعبيًا أحضرته معها (ملاية لف وشبشب بوردة)، وتهادت فوق السجادة الحمراء، وخطفت معها الأنظار والتساؤلات، وعرف الجميع أنها ممثلة مشاركة بفيلم مصري في المهرجان.
وللأسف الشديد جاءت النتائج على عكس ما توقع الجميع، ولم تفز تحية كاريوكا أو فيلمها بأية جائزة في المهرجان الفني الدولي، على رغم ترشيح الكثير من النقاد العالميين له للفوز بإحدى الجوائز.
ولجأت تحية إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي كان على علاقة وطيدة بها، بعد أن ارتدت الحجاب، وأدت فريضة الحج والعمرة، وطلبت منه أن يطلقها من فايز حلاوة، كما روى الماكيير المصري محمد عشوب، في أحد اللقاءات التلفزيونية.
وبالفعل، كلف الشيخ الشعراوي محاميًا ليسترد شقة تحية كاريوكا بعد طلاقها من فايز حلاوة، ولكن كانت المفاجأة أنها رفضت ذلك، لأن طليقها لدية ابنة، وسيتم تشريدهما في الشارع في حال استردت منه شقتها، وقالت للشعراوي: "أنا راضية بحالي وكبرت، لكن فايز لن يجد مكانًا آخر يسكن فيه مع زوجته وابنته”.
وفي تلك اللحظة بكى الشيخ الشعراوى من ردها، وقال: "أنا غيران منك يا تحية”، فقالت له: "أنت تغير مني يا مولانا؟”، فقال لها: "نعم.. بدأ يتبني لكِ قصور في الجنة”.
وتعرّفت على الراقصة سعاد محاسن، ثم ذهبت إلى بديعة مصابني، وانضمت إلى فرقتها عام 1935، وتألقت فيها وزاد راتبها من 6 إلى 100 جنيه شهريًا. وبعد ذلك توجهت إلى السينما والمسرح بمساعدة سليمان باشا نجيب الذي قام بتنميتها ثقافيًا وسياسيًا، وبدأت نجوميتها الحقيقية عام 1940، عندما قدمت رقصة الكاريوكا العالمية في أحد عروض فرقه بديعة مصابني، واقترنت تلك الرقصة باسمها. وكانت شهرتها سببًا في طلاق شقيقتها فاطمة من زوجها علي الجداوي (والد الفنانة رجاء الجداوي).
واعتزلت كاريوكا الرقص في منتصف الخمسينيات، وتركت الساحة لمنافستها الفنانة سامية جمال، وتفرغت للسينما والمسرح، وأسست فرقة مسرحية مع الفنان فايز حلاوة، وتعاونت مع أجيال من المخرجين، منهم صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وحسن الإمام وحسام الدين مصطفى وحسين كمال وفطين عبدالوهاب.
وامتلكت تحية شخصية كارزمية، ومارست النشاط السياسي السري قبل ثورة يوليو 1952، وألقي القبض عليها أكثر من مرة، وساعدت الضابط ـ آنذاك ـ محمد أنور السادات في هروبه من معتقل الإنجليز، وبعد سنوات كرمها الرئيس السادات في احتفال عيد الفن، وحين صعدت إلى منصة التكريم، صافحها الرئيس، وأثنى على مشوارها الفني، وتاريخها الوطني المُشرِّف.
وتعرضت النجمة صاحبة النشاط السياسي للسجن عام 1953، بعد زواجها من مصطفى كمال صدقي، أحد "الضبّاط الأحرار” والذي انشق عنهم، ووُجهت لها تهمة الترويج لمبادئ هدّامة وتوزيع منشورات عُثِر عليها في شقتها، وقضت كاريوكا في السجن حوالي 100 يوم، حتى ثبُتت براءتها بعد اعتراف زوجها بأنها لا تعرف شيئًا عن تلك المنشورات.
وخلال فترة اعتقالها، ظهرت شخصيتها القوية، وأصبحت بمثابة رئيسة السجن، وكانت تحمي السجينات، وتهتم بتغذيتهن ومعاملتهن بشكل لائق، واعتاد جميع المسجونات الذهاب إليها في زنزانتها، كما كانت أيضًا تهتم بالتمارين الرياضية، وطوال مدة حبسها ظلت متماسكة، وتمارس التمارين الرياضية بانتظام، وأقامت خلال فترة بقائها خلف الأسوار نشاطًا لمحو أميّة السجينات.
وبعد براءتها، أفردت مجلة "الكواكب” في العدد 133 بتاريخ 16 فبراير 1954، ملفًا مصورًا تحت عنوان "تحية تعود إلى البيت”، صاحب فيه محرر المجلة الفنانة تحية كاريوكا بعد خروجها مباشرة من السجن ورحلتها حتى الوصول إلى بيتها وماذا فعلت في أول يوم بعد البراءة، ومن كان في استقبالها، وشعورها بعد أن استردت حريتها وغادرت بوابة السجن.
وفي ذلك اليوم، لم تصدق كاريوكا خبر الإفراج عنها، وانهمرت الدموع من عينيها، وتملكتها فرحة غامرة، واستعادت شخصيتها المرحة، وأخبرت صديقتها الفنانة زينب صدقي، أنها ترغب في الخروج للتنزه، وركوب السيارة حتى منطقة الأهرامات بمحافظة الجيزة، وفي صباح اليوم التالي ارتدت ملابسها، وخرجت على غير هدى ولم تعد لبيتها إلا في المساء. المفكر والراقصة
كتب أكثر من كاتب ومثقف عربي العديد من المقالات عن تحية كاريوكا، ومن أبرزهم المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، ونشر في "لندن ريفيو أوف بوكس” يوم 11 سبتمبر 1990، مقاله الاحتفائي "تحية إلى تحية”، الذي يعد محاولة جادة للكتابة عن فن الرقص الشرقي، وأثار الكثير من الجدل حول علاقة المفكر والراقصة.
حكى إدوارد عن أول مرة شاهد فيها تحية كاريوكا عام 1950، عندما ذهب مع أحد زملائه إلى كازينو بديعة، وحين أُطفئت الأنوار إشارة إلى بدء العرض، وكان الكازينو مُمتلئًا تمامًا، وظهر المطرب عبدالعزيز محمود، وغنى "منديل الحلو” لأكثر من خمسين دقيقة، قبل أن تظهر تحية فجأة على بُعد بضعة أقدام خلف كرسي المطرب، وترتدي بدلة رقص زرقاء لامعة، ووقفت هناك واثقة تمامًا، وبدأت وصلتها الراقصة.
وعاد إدوارد إلى القاهرة بعد ربع قرن في صيف 1975، وشاهد تحية في مسرحية مع فايز حلاوة، وأذهله مظهرها وأسلوبها، والراقصة الرشيقة بالغة الأناقة، تحوّلت ـ حسب وصفه ـ إلى قبضاي مُتبجح يزن 220 رطلًا، وكانت تقف، وتكرّ الشتائم، وتقذف بأغلظ النكات القصيرة، وأضيق التوريات وأسهلها، بأسلوبٍ رخيص لا يكاد أن يكون أهلًا للمشاهدة!
وفي أواخر الثمانينيات، ضرب إدوارد موعدًا مع تحيّة من خلال صديقتها نبيهة لطفي مخرجة الأفلام التسجيليّة، فإذا بها تعيش في شقة صغيرة على بُعد شارعٍ من المكان الذي رآها ترقص فيه قبل أربعين عامًا. ورحّبت به وبنبيهة بنُبلٍ لم يتوقعه. وكانت أقل بدانة، وترتدي ثوبًا أسود قاتمًا، وتضع ماكياجًا بسيطًا، وتغظي ذراعيها وساقيها بكمين طويلين وجوربين غامقين، وجلسوا يتجاذبون أطراف الحديث، وراحت حياتها تمرّ أمام المفكر الكبير في استعراضٍ مهيب. زواج وانفصال
تعد تحية كاريوكا من أبرز الفنانات صاحبات الأرقام القياسية في عدد الزيجات، فقد تزوجت 14 مرة، وقيل 17 مرة، وكان زواجها الأول من أنطوان عيسى ابن شقيقة بديعة مصابني بعد أن أشهر إسلامه وغيّر اسمه إلى محمد المهدي، وكان ذلك في عام 1939، وانفصلا بعد عام واحد في ربيع عام 1940، ثم تزوجت من مصطفى جعفر الذي كان يمتلك العديد من دور السينما، وانفصلت عنه بعد شهور قليلة، وذلك حسب رواية الفنانة الراحلة رجاء الجداوي ابنة شقيقتها.
وفي نفس العام تزوجت من محمد سلطان باشا، أكبر أثرياء مصر في ذلك الوقت، إلا أنها انفصلت عنه بعد أن طلب منها اعتزال الرقص، ثم تزوجت من ضابط أميركي يُدعى "ليفي” الذي أشهر إسلامه واصطحبها إلى الولايات المتحدة، إلا أنها ما لبثت أن انفصلت عنه أيضًا. وبعد ذلك تزوجت من المخرج فطين عبدالوهاب وانفصلا بسبب غيرته الزائدة، ثم تزوجت من الفنان أحمد سالم الذي انفصل عن زوجته أمينة البارودي من أجل الزواج من تحية التي أحبته بجنون، وسافرت معه في رحلة إلى فلسطين، قبل نكبة 1948، وهناك ترددت شائعات قوية عن وجود علاقة بين سالم والمطربة أسمهان فانفصلت تحية عنه قبل العودة إلى القاهرة.
ودخلت كاريوكا إلى القفص الذهبي للمرة السادسة، حين تزوجت من طيار الملك فاروق الخاص، حسين عاطف، لكنهما انفصلا بعد شهرين فقط، بعدما ظهر النجم الصاعد ـ آنذاك ـ رشدي أباظة في حياتها، وتزوجته وسافرت معه إلى لبنان وهناك ضبطته في أحد الملاهي يجلس مع سيدة فرنسية، ودون مقدمات شدت المرأة الفرنسية من شعرها وضربتها بقسوة وطلبت منه الطلاق في نفس الليلة.
بعد طلاقها من رشدي أباظة، وبعد إنهاء أشهر العدة، تزوجت من أحد ضباط الملك، وهو البكباشي (المُقدِّم) مصطفى كمال صدقي، الذي اعتقل بعد قيام ثورة يوليو 1952 فانفصلت عنه.
ثم التقت البكباشي طبيب حسن حسين وتزوجته لكنها انفصلت عنه بعد أن تسربت إليها شائعة بأنه على علاقة بالمطربة الصاعدة وقتذاك صباح. ومن شدة حبها وصدمتها في زوجها، ابتلعت كمية كبيرة من الحبوب بقصد الانتحار وجرى إنقاذها بصعوبة.
وأضربت كاريوكا عن الزواج لثلاث سنوات، حتى التقت المطرب الشاب الصاعد ـ آنذاك ـ محرم فؤاد، فتزوجت منه في منتصف عام 1959، إلا أنها انفصلت عنه قبل أن تنهي السنة، وبعدها تزوجت من أحمد ذو الفقار صبري لمدة عام واحد فقط، وكان زوجها الأخير الممثل والكاتب المسرحي الراحل فايز حلاوة، وبقيت معه 18 عامًا، وانتهى زواجهما بمشكلات وخلافات وصلت إلى ساحات القضاء، وقيل إنها تزوجت من المخرج المسرحي حسن عبدالسلام، ولكن ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوي، نفت ذلك في مقابلة تلفزيونية. الابنة الثالثة
وعاشت تحية كاريوكا لحظات مؤلمة، فلم تجد الرجل الذي يقدّر ويحتوي مشاعرها ولم تنجب أطفالًا، وعلى شاشة السينما تحمّست لتقديم دور الأم كي تعوض حرمانها من هذا الشعور، وفي أيامها الأخيرة تبنت طفلة صغيرة أسمتها "عطية الله”، واهتمت برعايتها، وعندما شعرت بعلامات دنو الأجل طلبت من الفنانة فيفي عبده أن ترعاها بعد رحيلها. والتزمت فيفي بوصية الفنانة الراحلة ولا تزال تعتبر عطية الله ابنتها الثالثة، حتى يومنا الحالي.
وكانت تحية كاريوكا بمثابة الأم للفنانة فيفي عبده، وعلمتها فعل الخير، وكانت تتواجد في الموالد، وتقوم بذبح عِجل وتوزيع لحمه على الفقراء، ثم تقوم بعد ذلك بغسل الصحون، كما كانت كاريوكا تقوم ببعض الأعمال الخيرية في الخفاء، وتدخل الفرحة في قلوب البسطاء.
وبعد معاناة طويلة مع المرض، رحلت تحية كاريوكا أيقونة الفن الاستعراضي، والممثلة الاستثنائية في تاريخ السينما المصرية، وصاحبة الموهبة المتفردة، والتجربة الحياتية الأكثر إثارة بين نجمات جيلها، تاركة خلفها بصمة فنية وإنسانية خالدة.
بطلة «شباب امرأة» ترتدي «الملاية اللف» في مهرجان كان
مرت الفنانة تحية كاريوكا بتجربة مثيرة، عندما شارك فيلمها "شباب امرأة”، بطولة شكري سرحان وشادية وعبدالوارث عسر، في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1956، وسافرت إلى فرنسا مع المخرج صلاح أبوسيف وأبطال الفيلم، وفي يوم الحفل، سارت الوفود المشاركة على السجادة الحمراء، لكن النجوم المصريين لم يلقوا نفس الاهتمام الإعلامي الذي حظي به النجوم العالميين من هوليوود وأوروبا.وقررت كاريوكا أن تجذب أنظار الحضور، وعادت إلى غرفتها في الفندق، وبدلت ملابسها الأنيقة ذات الطراز الباريسي، وارتدت زيًا شعبيًا أحضرته معها (ملاية لف وشبشب بوردة)، وتهادت فوق السجادة الحمراء، وخطفت معها الأنظار والتساؤلات، وعرف الجميع أنها ممثلة مشاركة بفيلم مصري في المهرجان.
وللأسف الشديد جاءت النتائج على عكس ما توقع الجميع، ولم تفز تحية كاريوكا أو فيلمها بأية جائزة في المهرجان الفني الدولي، على رغم ترشيح الكثير من النقاد العالميين له للفوز بإحدى الجوائز.
الراقصة التي تنبأ لها الشيخ الشعرواي بقصر في الجنة
تزوجت الفنانة تحية كاريوكا من المخرج فايز حلاوة بعد أن تعرفا على بعضهما البعض في المسرح، وكثرت الخلافات بينهما بعد زواج استمر لمدة 18 عامًا، حتى تجرأ وطردها من شقتها بضاحية "الزمالك” وهي بملابس النوم، وجردها من كل متعلقاتها ومجوهراتها، واضطرت تحية كاريوكا إلى النزول من سُلم الخدم حتى لا يراها سكان البناية.ولجأت تحية إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي كان على علاقة وطيدة بها، بعد أن ارتدت الحجاب، وأدت فريضة الحج والعمرة، وطلبت منه أن يطلقها من فايز حلاوة، كما روى الماكيير المصري محمد عشوب، في أحد اللقاءات التلفزيونية.
وبالفعل، كلف الشيخ الشعراوي محاميًا ليسترد شقة تحية كاريوكا بعد طلاقها من فايز حلاوة، ولكن كانت المفاجأة أنها رفضت ذلك، لأن طليقها لدية ابنة، وسيتم تشريدهما في الشارع في حال استردت منه شقتها، وقالت للشعراوي: "أنا راضية بحالي وكبرت، لكن فايز لن يجد مكانًا آخر يسكن فيه مع زوجته وابنته”.
وفي تلك اللحظة بكى الشيخ الشعراوى من ردها، وقال: "أنا غيران منك يا تحية”، فقالت له: "أنت تغير مني يا مولانا؟”، فقال لها: "نعم.. بدأ يتبني لكِ قصور في الجنة”.