تواصل فرنسا مساعيها لإنجاز تسوية لبنانية تفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. وخطت باريس في اليومين الماضيين خطوة جديدة على طريق محاولات الحصول على تنازلات لبنانية لإرضاء السعودية، خصوصاً بعد الاختلاف حول مقاربة الطرفين.
ووجه قصر الإليزيه دعوة إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لزيارة فرنسا وعقد لقاء مع مستشار الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، وهو المتسلم للملف اللبناني. كما أن مصادر متابعة تشير إلى لقاء عقد بين فرنجية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
والهدف من الزيارة هو إحداث باريس نقلة جديدة على طريق التسوية الرئاسية مع الرياض، والبحث عن قواسم مشتركة، إذ سعت فرنسا للحصول على تنازلات وضمانات من فرنجية والفريق الذي يمثله لتقديمها للمسؤولين السعوديين، لعلّ ذلك يؤدي إلى تليين موقفهم الرافض حتى الآن لمسألة المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة 6 سنوات، فيما رئيس الحكومة يمكن الإطاحة به خلال 6 أيام. كما أن الرياض اختبرت سابقاً الكثير من الضمانات والتسويات التي لم يلتزم بها الأطراف الآخرون، وسرعان ما انقلبوا عليها. تعتبر الرياض أنه لا شيء اسمه ضمانات في لبنان، فسابقاً منح الفرنسيون ضمانة لرفيق الحريري وتم اغتياله، وتم منح ضمانات للرياض ولقطر في اتفاق الدوحة عام 2008 حول عدم الانقلاب على الحكومة وعدم استخدام الثلث المعطل، وبعدها حصل الانقلاب على حكومة سعد الحريري عام 2011، وكان هذا انقلاباً على اتفاق بين دول وقوى إقليمية. كذلك اختبرت الرياض مسألة الإتيان برئيس للجمهورية محسوب على طرف مقابل رئيس للحكومة محسوب على الطرف الآخر، وكان هذا عنوان تسوية عام 2016 بين ميشال عون وسعد الحريري، ولكن سرعان ما انقلب عون على كل الضمانات التي قدّمها للحريري وللسعودية.
حالياً، تدور محاولات فرنسية للحصول على ضمانات من فرنجية، والتي قدّمها الرجل بحسب ما تقول مصادر متابعة، وتشمل الضمانات أن يكون رئيس الحكومة خياراً سعودياً، مع عدم التدخل بتسمية الوزراء السنّة في حكومته، ومنح الحكومة صلاحيات في إقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ووضع الخطة الإصلاحية والإنقاذية مالياً واقتصادياً، كما تشمل الضمانات عدم منح ثلث معطّل لأي فريق، أما فيما يتعلق بملف حزب الله فإن فرنجية أبدى الاستعداد للبحث في الاستراتيجية الدفاعية وفي عدم المسّ بالأمن العربي والسعودي تحديداً، ووقف أي هجوم تتعرض له السعودية سياسياً وإعلامياً في لبنان. أما فيما يتعلق بالعلاقة مع سورية، فإن فرنجية شدد على التنسيق مع الدول العربية فيما يتعلق بالملف السوري، كما أبدى الاستعداد للبحث مع دمشق في مسألة ضبط الحدود ومنع تهريب المخدرات بالإضافة إلى البحث في ملف اللاجئين السوريين وإعادتهم.
عملياً، يفترض بباريس أن تنقل هذه الضمانات إلى الرياض لسماع موقفها، وهذا يعني الانتقال إلى مرحلة تفاوضية جديدة، وبالتالي لا بدّ من انتظار الموقف السعودي تعليقاً على هذا المسار المفتوح، وهذا يعني الدخول في مرحلة من الأخذ والردّ في التفاوض التفصيلي. إلا أنه بالتزامن مع هذه المفاوضات، لا بدّ من الانتباه إلى المعيار الداخلي في ظل وجود ديناميكية تعطيلية بسبب رفض القوى المسيحية بغالبيتها حتى الآن لخيار الرجل الذي سيكون على عاتقه مهمة صعبة أيضاً تتلخص في سعيه لإقناع أحد الأفرقاء به.