نيللي... فراشة السينما المصرية «4-6»

• نجمة الاستعراض الأولى ترفض لقب «ممثلة الإغراء»

نشر في 03-04-2023
آخر تحديث 02-04-2023 | 15:51
حققت الفنانة نيللي حضورًا مميزًا على الشاشة، وقدّمت مجموعة من الأفلام عن قضايا المرأة والمجتمع المصري، وسجلت رقمًا قياسيًا في تجسيد شخصيات متباينة، وتحوَّلت إلى أيقونة سينمائية في فترة السبعينيات، وحصدت أدوار البطولة مع عدد كبير من المخرجين، وفي الحلقة الرابعة تواصل الفراشة تحليقها في سماء الشهرة والنجومية.
تحوّلت نيللي إلى نجمة استثنائية، وقدمت العديد من الأدوار المهمة، وأتاحت لها تجاربها السينمائية قدرًا كبيرًا من اكتشاف قدراتها في تقمص الشخصيات، وظلت تحلِّق في فضاء المغامرة الفنية، وتواصل مشوارها في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية.

وظهرت فراشة السينما في فيلم «طائر الليل الحزين» (1977)، تأليف وحيد حامد وإخراج يحيى العلمي، وشارك في البطولة محمود مرسي ومحمود عبدالعزيز وشويكار وعادل أدهم ومريم فخرالدين وصلاح السعدني، وسبق أن جرى تقديم هذا العمل بنفس العنوان في مسلسل إذاعي خلال العام المذكور، بطولة عادل إمام وسناء جميل وعمر الحريري.

واصطدم «طائر الليل الحزين» بالرقابة، وحذفت منه بعض المشاهد الجريئة، وانضم لقائمة الأفلام السياسية التي تناولت حقبة الستينيات. وتدور قصته حول سجين هارب من حكم بالإعدام، يحاول إثبات براءته. ولعبت نيللي دور الفتاة الجامعية «أماني»، وتصادف أن تمثل للمرة الثانية دور الابنة للفنان محمود مرسي ومريم فخر الدين، بعد فيلم «الشحاذ» عام 1973.

أفلام مقتبسة

وقدمت نيللي خلال مشوارها الفني، مجموعة من الأفلام المقتبسة عن نصوص عالمية، وأسفر ذلك عن ثراء تجربتها الفنية، واستطاعت أن تؤكد حضورها على الشاشة، بأدائها المقنع للجمهور والنقاد، وحققت المعادلة الصعبة بين الكم والكيف، وتناغم عطاؤها الغزير في السينما مع طاقة فنية هائلة، ومواهب متعددة في التمثيل التراجيدي والكوميدي والاستعراض الغنائي.

وعادت النجمة الحسناء إلى فضاء الأفلام المقتبسة في فيلم «الوهم» عام 1979، قصة ألفريد هيتشكوك، وسيناريو أحمد صالح وإخراج نادر جلال، وشارك في البطولة محمود ياسين وعمر الحريري وعبدالمنعم النمر، ودارت أحداث العمل في أجواء غامضة حول «مجدي» المهندس الناجح، الذي يتعرّض لأزمة نفسية، ويقرِّر الذهاب إلى الإسكندرية، ويتورط في خلاف بين زوجين، ويحاول مساعدة الزوجة في الانفصال عن زوجها الطامع في ثروتها.

وأسدلت نيللي الستار على سينما السبعينيات، وشاركت في بطولة «خطيئة ملاك» مع حسين فهمي وعادل أدهم وصلاح ذو الفقار وزهرة العلا ومنى جبر وصلاح نظمي، والفيلم من إخراج يحيى العلمي، ويدور في أجواء خيالية عن قصة للأديب عبدالحميد جودة السحار.

الفتاة الجامعية تصطدم بالرقابة في «طائر الليل الحزين»

أزمة المايوه

وفي عام 1970 تحديدًا واجهت نيللي أزمة بسبب غياب الأدوار المميزة التي تُعرض عليها، وقررت التوقف عن تمثيل أدوار جديدة على الشاشة واتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، قائلة: «لن أتراجع عن هذا القرار إلا بعد العثور على دور جديد يؤكد إمكانياتي وموهبتي كممثلة، دور يحتاج إلى تمثيل وانفعالات لا مجرد دور أمثِّل فيه كالمحفوظات التي كنت أرددها في المدارس وأنا طفلة».

وأوضحت وجهة نظرها في تصريحات صحافية وقتذاك، حيث قالت: «المفروض في الممثلة أن تمثل كل ما يُعرض عليها من أدوار سواء كانت جادة أو ضاحكة أو أدوار إغراء، ومسألة أدوار الإغراء التي أمثلها أنا أحتاج لمناقشتها».

وتابعت: «أنا لست ممثلة إغراء لكن بعض المخرجين يحاولون إغراء المشاهدين بإضافة مشاهد إغراء حتى ولو كانت دخيلة على الفيلم، وإذا عرض مخرج دور إغراء أقبله بلا تردد إذا كان طبيعة الدور تقتضي ذلك».

وضحكت نيللي قبل أن تضيف قائلة للصحافي الذي أدلت له بالتصريح: «كنت أصوِّر أحد الأفلام وطلب مني المخرج ارتداء المايوه، فقلت له: (لكن دوري في الفيلم أنني فتاة هجرها حبيبها وهي متألمة، فلماذا أذهب إلى حمّام السباحة وأرتدي المايوه؟)، فقال المخرج: (هذه مسألة أخرى سنبحث لها عن حل فيما بعد)»!

مع محمود ياسين في «مع تحياتي لأستاذي العزيز»
مع محمود ياسين في «مع تحياتي لأستاذي العزيز»
لحظة ضعف

وشهدت فترة الثمانينيات تراجعًا لافتًا في ظهور نيللي على شاشة السينما، واقترن ذلك بانخفاض مؤشر الإنتاج السينمائي عمومًا، ومثلت أفلام تلك الفترة أقل من خُمس الأفلام المصرية منذ بدايتها، واشتعلت المنافسة بين النجوم، وأصبحوا لا يظهرون على الشاشة سوى في عمل أو اثنين كل عام، واتجه عددٌ كبير منهم إلى الدراما التلفزيونية التي حققت رواجًا كبيرًا في ذلك الوقت.

وبدت تلك الفترة كاستراحة المحارب، لكثير من نجوم السبعينيات، وظهرت نيللي في فيلم «لحظة ضعف» (1981) مع السيناريست محمود أبوزيد والمخرج سيد طنطاوي، وشاركت في بطولته مع حسين فهمي وسهير البابلي وصلاح ذوالفقار. ويدور في إطار ميلودرامي، وتتشابه قصته مع فيلم «الخطايا» (1962)، بطولة عبدالحليم حافظ ونادية لطفي وحسن يوسف، ولكن هذه المرة لعبت نيللي دور «سحر» الابنة مجهولة النسب، وتتعرض لاضطهاد والدها المزعوم «عبدالغفار» حتى تتعرف على «شريف» الذي يعرض عليها الزواج، فتعترف له بحقيقتها.

وفي نفس العام، شاركت مع محمود ياسين ومديحة يسري في الفيلم الكوميدي «مع تحياتي لأستاذي العزيز»، سيناريو عبدالحي أديب وإخراج أحمد ياسين، ولعبت فيه دور «سميحة» التلميذة المشاغبة في أحد المعاهد الداخلية للبنات بالإسكندرية، وقدمت نيللي بعض الاستغراضات الغنائية من تأليف سمير الطائر وألحان الموسيقار حلمي بكر.

«الوهم» بطولة سينمائية مقتبسة من أفلام هيتشكوك

الكوميديا والأكشن

وظهرت نيللي على شاشة السينما في فيلمين فقط خلال فترة التسعينيات، أولهما فيلم «ميكانيكا» عام 1993، تأليف محمد الباسوسي وإخراج إسماعيل حمَّاد، وشارك في بطولته يوسف منصور وليلى فوزي وعبدالعزيز مخيون، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، ومعه استعادت الفراشة تألقها الفني بعد احتجاب دام عشر سنوات.

ودارت أحداث الفيلم في إطار كوميدي أكشن، حول تعطل اليخت الخاص بالثرية المدللة نانسي (نيللي) التي تتسلط دائمًا على الموظف «أدهم» وتستعين بالميكانيكي الماهر «منصور» ويدب الخلاف بينهما، ولكنها تتعرض لحادثة تفقد على أثرها الذاكرة، ويحاول منصور مساعدتها على استعادة ذاكرتها وإفشال مخطط طليقها في الاستيلاء على ثروتها.



وفي عام 1995، سجلت نيللي آخر ظهور سينمائي في فيلم «قط الصحراء» مع النجم أحمد رمزي ويوسف منصور (مخرج الفيلم) ومحمد الشرقاوي، ووضع الموسيقى التصويرية عمر خيرت. وتدور أحداثه في إطار تشويقي حول انضمام «يوسف» لمجموعة تابعة للأمم المتحدة تعمل على مكافحة الكوارث وتلقب بـ «قط الصحراء»، ويكتشف يوسف بديلًا للبنزين وتحاول عصابة دولية سرقة اكتشافه، وتجند فتاة لإغرائه. واحتفت الصحافة المصرية وقتها بهذا الفيلم لأنه كان يمثل عودة «الولد الشقي» أحمد رمزي إلى الشاشة بعد غياب دام سنوات طويلة، وظهر نجوم العمل الثلاثة على أغلفة العديد من المجلات الفنية.

اختبار صعب أمام عبدالوهاب

طرقت نيللي أبواب الإذاعة المصرية، وقدمت مسلسلات درامية عديدة، واعتبرت أن مولدها الحقيقي كفنانة حين التقت الموسيقار محمد عبدالوهاب في مسلسل «شيء من العذاب» (1966)، تأليف أحمد رجب وإخراج محمد علوان.

وواجهت في كواليس هذا المسلسل أصعب اختبار في مشوارها الفني، عندما كانت تشارك في بطولة مسرحية «أوعى تعكر دمك» مع نجوم فرقة الريحاني، منهم ماري منيب وميمي شكيب. وفي إحدى ليالي العرض، جاء المخرج الإذاعي محمد علوان، وأخبرها أن تأتي إلى مبنى الإذاعة في اليوم التالي، لتلتقي بالموسيقار محمد عبدالوهاب.

تلقت نيللي مفاجأة غير متوقعة، ودارت في رأسها تساؤلات كثيرة، ولم تصدق الفنانة الشابة أنها ستمثل أمام عملاق الموسيقى، وفي اليوم التالي ذهبت إلى مبنى الإذاعة في الموعد المحدد، فوجدت المخرح في انتظارها، وما إن شاهدها حتى قال: «أهلا نيللي.. دقائق لنعد أجهزة التسجيل ونذهب إلى منزل الأستاذ عبدالوهاب».

وفي الطريق إلى منزل الموسيقار الكبير، أعطاها سيناريو الحلقة الأولى من مسلسل «شيء من العذاب»، وتحدث معها عن الشخصية التي ستجسدها، وطريقة أدائها، واستمعت إليه بتركيز شديد. وتملكها شعور بالرهبة، وأدركت أنها على موعد مع انطلاقة فنية كبيرة في حياتها.

توقفت السيارة أمام منزل عبدالوهاب، ودخلت نيللي وعلوان وفريق العمل، وطلب منهم أحد العاملين الانتظار في غرفة الصالون، وأخبرهم أن «الأستاذ سيحضر بعد دقائق»، وأعادت الفنانة قراءة النص مرة أخرى مع المخرج محمد علوان، كأنها ستمثل لأول مرة!

ومر وقت طويل، قبل أن يظهر عبدالوهاب... ورحب بهما بكلمات مختصرة جدًا، وبدأ علوان في اختبار أجهزة التسجيل، بينما أخذ عبدالوهاب يقرأ من نسخته قراءة صامتة بعينيه فقط، بينما سيطر على نيللي شعور بأنها لن تستطيع أن تنطق بكلمة واحدة!

وبدأ التسجيل، واجتازت نيللي الاختبار الأول، واستمرت رحلتها اليومية إلى منزل الموسيقار، وكانت كل حلقة تذاع في اليوم التالي، حتى نهاية شهر رمضان، وكانت حدثًا فنيًا في ذلك الوقت، لا سيما بعد غياب عبدالوهاب عن التمثيل لوقت طويل، وكان جمهور «الراديو» يتابع الحلقات بشغف كبير، وبدأت نيللي انطلاقة جديدة في مشوارها الفني.

«لحظة ضعف» تجربة ميلودرامية في سينما الثمانينيات

اقرأ أيضا

الممثلة الصغيرة تنتزع تصفيق الجمهور

كان عام 1952 استثنائيًا في حياة الفنانة نيللي، ولا تنساه أبدًا، عندما دخلت «البلاتوه» لأول مرة، وشاركت في بطولة فيلم «الحرمان» مع شقيقتها فيروز وفتي الشاشة في الخمسينيات، عماد حمدي، ومجموعة من النجوم منهم زوزو ماضي وعبدالسلام النابلسي ونجمة إبراهيم.

وفي ليلة العرض الأول للفيلم، ذهبت نيللي إلى السينما مع والدها وأمها وشقيقتها فيروز (البطلة)، وكان المشهد الذي تقف فيه «نيللي» وحدها في أعلى سلم ارتفاعه حوالي مئة متر، محط إعجاب الجماهير، وبعد انتهاء عرض الفيلم صفق الجمهور طويلًا، وحملتها أمها بين يديها لترد مع فيروز على تحية الجمهور.

وكان دور نيللي في الفيلم صغيرًا، إلا أنها انتزعت تصفيق وإعجاب الجمهور بموهبتها اللافتة، وكان في نية والدها أن يقدمها كما قدم فيروز من قبل، ولم تكن المصادفة وحدها هي سبب ظهورها في ذلك الفيلم.

ومر عامان بعد «الحرمان»، وطلب فيها أكثر من مخرج أن تمثل نيللي معه، لكن والدها كان يرفض دائمًا اشتراكها في أدوار ثانوية، ويطمح إلى تقديمها كبطلة على غرار شقيقتها فيروز التي اكتشفها الفنان أنور وجدي وقدمها في أفلام حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.

واعتبر والد نيللي أن تجربة فيلم «الحرمان» هي بداية لتقديمها بشكل أفضل، وفي عمل مناسب يضم بناته الثلاث (فيروز وميرفت ونيللي)، وجاءت الفرصة في ثاني إنتاج لوالدها، وكان فيلم «عصافير الجنة» الذي أخرجه ولعب بطولته محمود ذوالفقار. وقصة الفيلم تدور حول رجل يتزوج على أم بناته الثلاث وتتدفق الأحداث حتى تجعل البنات المياه تعود إلى مجاريها بين الأم والأب.

وفي هذا الفيلم، اهتم والدها والمخرج محمود ذوالفقار بإبراز موهبتها، فاختارا لها الجُمل الخفيفة والكلمات التي تُحدِث أثرًا طيبًا لدى الجمهور، كما أنها كانت أول مرة يُكتبُ فيها اسمها ببنط كبير في إعلانات الفيلم.

ووقعت حادثة طريفة، حين كانت نيللي وأمها وفيروز يشاهدن فيلم «عصافير الجنة» بإحدى دور العرض السينمائية، وعندما قرأت اسمها مكتوبًا بخط كبير بعد فيروز قالت لأختها: «كان المفروض ألا يكتبوا اسمي بهذا الشكل، فأنتِ بطلة الفيلم». وكانت فيروز في تلك الفترة أكثر شهرة منها، وأُطلِق عليها «شيرلي تمبل السينما المصرية».

نيللي وشريهان نجمتا الفوازير نيللي وشريهان نجمتا الفوازير

«الفوازير» تحرق شعر النجمة الاستعراضية!

أبدعت نيللي في فوازير رمضان، ولم ينافسها في تقديمها سوى الفنانة شريهان، وكانت حلقات الفوازير تستهلك وقتًا طويلًا وجهدًا مضاعفًا في التصوير لتذاع لاحقًا على مدار 30 حلقة، بعدد أيام الشهر الكريم.

وتعرضت نيللي لحوادث مؤلمة عديدة أثناء تصوير الفوازير التي قدَّمتها على مدار سنوات، وكانت في أحد المشاهد تمسك بـ «نجفة» وتألمت كثيرًا بسبب وجود مسامير بالسلسلة التي تلبسها في يدها، ولم تستطع التحدث مع المخرج فهمي عبدالحميد، حتى لا يوقف تصوير المشهد.

وذات مرة انهار عليها الديكور، وبقيت تحت الأنقاض تحاول طمأنة الجميع أنها بخير ولم تتعرض لأذى، وهذان الحادثان لم يكونا الوحيدين اللذين وقعا لها خلال مسيرتها الاستعراضية في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، فمن أصعب الحوادث التي مرت بها كان اشتعال النيران بشعرها واحتراقه، وخضعت للعلاج لفترة طويلة، قبل أن تستأنف نشاطها الفني مجددًا.

back to top