سيمور هيرش: كنت أعرف دليلاً مفيداً لفضيحة ووترغيت «5/2»
• يسرد ملامح من حياته ويكشف أسرار العديد من القضايا العالمية
يتناول الصحافي الدولي المخضرم سيمور م. هيرش، في هذا الكتاب «مذكرات صحافي استقصائي»، مواضيع دولية مهمة؛ منها أحداث 11 سبتمبر، وعلاقة رفيق الحريري مع نظام الأسد، وفضيحة ووترغيت، وفضيحة إيران - كونترا عام 1987، ومذبحة ماي لاي، وفضح الدور السري للمخابرات الأميركية في إسقاط النظام العنصري بجنوب إفريقيا، وحرب فيتنام، واغتيال روبرت كنيدي، وحرب أميركا ضد الإرهاب، إلى جانب قضايا عديدة أخرى تهم المطلعين على الأوضاع العربية والعالمية. ويسرد الكتاب حياة المؤلف كصحافي استقصائي كشف العديد من القضايا المحلية والعالمية، وهو الذي تنقّل في العمل من صحيفة محلية أسبوعية في مدينته إلى وكالة الأسيوشيتد برس، ثم إلى «نيويورك تايمز»، وأخيراً إلى «نيويوركر». وكانت حصيلة هذه الخبرة عدداً من الكتب المهمة، التي فضح فيها السياسات والأكاذيب التي اقترفتها الحكومات المتعاقبة، فبدأ من حرب فيتنام ومذبحة ماي لاي وجرائم الإطاحة بالحكومات الشرعية بأميركا الوسطى ودور كيسنغر فيها، وعرّج على فضيحة ووترغيت. كما غطى هيرش حرب أفغانستان إثر الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر، والدور المشين لحكومة بوش/ تشيني، وفضح القصص الواهية والمبررات لغزو العراق واحتلاله، وفيما يلي الحلقة الثانية:
كنتُ أملك دليلاً مفيداً واحداً حين بدأتُ أغوص في فضيحة ووترغيت، وهو يتعلق بمعلومة تلقّيتُها قبل شهر أو شهرَين، لكنني تجاهلتُها حينها. أخبرني صديق أن كاتباً مستقلاً اسمه أندرو سانت جورج، وهو على صلة بالجماعة الكوبية المعادية لكاسترو في ميامي، كان يوزع ملخّص كتاب عن تجربة فرانك أ. ستورجيس، (واحد من خمسة رجال ضُبِطوا وهم يقتحمون مكاتب اللجنة الوطنية الديموقراطية في واشنطن).
تساءلتُ للوهلة الأولى: «ما علاقة هذه المعلومة بالحرب في فيتنام»؟ بدأتُ أجري اتصالاتي للحصول على نسخة من ذلك الملخّص. كان واحد من أقوى مزاعم سانت جورج يرتكز على ما اعتبره سلسلة مقابلات أجراها مع ستورجيس، فهو يدّعي أن هذا الأخير فرض رقابة سياسية على الديموقراطيين في واشنطن، وكان جزءاً من الفريق الذي أجرى تحقيقات حول تجارة المخدرات في أميركا الوسطى.
تساءلتُ حينها عن إمكانية اعتبار التحقيقات مرادفة للتهريب بحد ذاته. يقال إن هذه العملية كلها حصلت تحت إشراف هاورد هانت، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية كان على صلة بالفريق الذي اقتحم مبنى «ووترغيت».
اتصلتُ به، ونظّمنا لقاءً اتّضح فيه أن سانت جورج اللطيف كان يتوق إلى إقناعي بكتابة قصة عن مشروع كتابه. أخبرتُه بأنه أمر مستحيل إلّا إذا وَصَف لي ستورجيس، وأثبت وجود تلك العلاقة المزعومة بينهما. بعد مرور بضعة أيام، أخبرني سانت جورج، الذي توفي عام 2001، بأنه حضّر اجتماعاً مع ستورجيس. كان يُفترض أن نتناول نحن الثلاثة العشاء بمطعم في «ميامي بيتش».
فضول الاستقصاء
التقينا، ثم قال سانت جورج لستورجيس المتجهّم إنني شخص بارع في مجالي، وأهتم بكتابة قصة عن الكتاب الذي يحضّرانه. لكن ستورجيس لم يهتم بما قاله سانت جورج. كنتُ اكتشفتُ أن ستورجيس حارب إلى جانب فيدل كاسترو أواخر الخمسينيات لإسقاط دكتاتورية نظام باتيستا المدعوم من أميركا، لكنّه عاد وانقلب على كاسترو حين دعم هذا الأخير الشيوعية.
أعاد ستورجيس السيارة وهي في حالة جيدة باليوم التالي، ثم استأنفنا حديثنا. أكد لي أنه وأعضاء الفريق الذي اقتحم مبنى «ووترغيت» تلقّوا رشوة منذ اعتقالهم. هو طلب أموالاً إضافية ولم يحصل عليها. إنه السبب الوحيد الذي دفعه، من وجهة نظري، إلى التكلم مع سانت جورج ومعي الآن. عدتُ إلى واشنطن وأنا أعرف أن سانت جورج سيكون غاضباً منّي، لكنّي أتجه إلى استكشاف قصة باهرة بمعنى الكلمة. تلقيتُ أيضاً معلومات يمكنني مقايضتها مع المحامي الذي يمثّل ستورجيس ورفاقه في عملية الاقتحام، ومع المسؤولين الفدراليين في مكتب المدعي العام الأميركي الذي كان يتابع القضية في واشنطن.
أخبرني ستورجيس بأنه ظن أن جون ن. ميتشل، المدعي العام المخلص لنيكسون، كان يعرف بالخِدَع السياسية القذرة التي استهدفت الديموقراطيين سابقاً، وشملت عمليات تجسس أو محاولات تجسس ضد السيناتورَين جورج ماكغفرن وإدموند موسكي عام 1971، ثم ضد مرشّحين بارزين عن الحزب الديموقراطي. علمتُ لاحقاً أن لجنة إعادة انتخاب نيسكون عام 1972 عجزت عن تحديد مصدر 900 ألف دولار، وهو رقم أكبر بكثير من المبلغ المتداول سابقاً. لا وجود لأي دليل على ذلك، لكنني لم أشك للحظة بأن جزءاً من تلك الأموال المجهولة وصل في نهاية المطاف إلى فريق اقتحام مبنى «ووترغيت».
شكّلت القصة التي كتبتُها عن هذه التطورات كلها أول مقالة حصرية كبرى في صحيفة «تايمز» عن فضيحة «ووترغيت». ورغم الاستياء الذي أبداه إيب روزنثال بشأن بن برادلي وتفوّق صحيفة واشنطن بوست في هذه القضية، فقد أثار المحررون جنوني بطريقة لم أختبرها في أي من القصص السابقة التي كتبتُها عن حرب فيتنام. كانت الصحيفة حساسة جداً تجاه القضايا المتعلقة بالرئاسة.
بعد سنوات، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن بيل كوفاش، الذي كان زميلي عام 1973 وأصبح لاحقاً رئيس مكتب واشنطن، صرّح بأن أكبر المشاكل التي واجهها كمحرّر تعلقت «بالسيطرة على سيمور في صحيفةٍ تكره الهزيمة، لكنها لا تريد أن تصبح الأولى. كانت الصحيفة ترتعب حتى الموت من فكرة التألّق بسبب قصة مثيرة للجدل تُشكّك بمصداقية الحكومة».
وأضاف كوفاش أن هذا الموقف كان «جزءاً من ثقافة المؤسسة التي بدأ سيمور ينتهكها. على المستوى الصحافي، أراد إيب روزنثال وآخرون المشاركة في هذه القضية. لقد أرادوا المشاركة فعلاً. لكن على المستويات التاريخية والثقافية، كانوا يكرهون هذا الوضع... كانت الخلافات والنقاشات والمناوشات المتعلقة بكل قصة ينشرها سيمور هيرش لامتناهية. لم يكن السبب يقتصر على تهوّر سيمور، بل إنهم لم يرغبوا في ربط اسمهم بهذا النوع من المواد».
يتذكّر هاريسون سالزبوري، في كتابه عن «تايمز»، أنني اقترحتُ في الأصل أن يكون أول تقرير لي عن فضيحة «ووترغيت» عبارة عن سلسلة مؤلفة من ثلاثة أجزاء. لكن نُشِرت معلوماتي الجديدة ضمن مقالة طويلة يوم الأحد، 14 يناير 1973، مع عنوان رئيسي بسيط على الجهة اليسرى من الصفحة الأولى. كنتُ قد استعملتُ كلمة «مصدر» بشكلٍ متكرر على مر المقابلة، لكنني لم أحدد تلك المصادر.
كان إيب يعرف أسماءهم طبعاً، لكنني أصررت على اعتماد مقاربة مبهمة قدر الإمكان. كانت تلك المرحلة أول خطوة على طريق طويل ومؤثر، وقد أردتُ من جميع المعنيين بتلك القصة الأولى أن يتابعوا التكلم عن هذا الموضوع. قال سالزبوري إن مسألة أخرى كانت لتدفع جون ميتشل إلى رفع دعوى قضائية، لكنّه عاد وكتب: «في النهاية، نُشِرت تلك القصة وشملت الجزء المرتبط بميتشل. نشأت مشاكل بسبب المصادر المذكورة في نيويورك وواشنطن، لأنها لم تكن واضحة ومتكاملة بالقدر الذي أراده المسؤولون في صحيفة تايمز، لكن هيرش تذكّر أنه أخبر المحررين بضرورة أن يصدّقوه ويثقوا به في مرحلة معيّنة. كانت الصحيفة تثق به فعلاً... أخيراً، اتّضح الرابط بين تلك القصة الاستقصائية العظيمة وذلك المراسل الاستقصائي العظيم، واستمر الرابط بينهما على مر قضية ووترغيت».
تلقيّتُ أول اتصال في صباح يوم الاثنين من بوب ودوارد. لم يسبق أن التقينا أو تكلّمنا، لكنه هنّأني وشكرني على ذلك التحقيق. قال بوب إن الصحيفة ما كانت لتنجز هذا العمل وحدها. أحدثت إعادة انتخاب نيكسون بنتيجة ساحقة ضجّة واسعة، رغم العمل اللامع الذي قام به مع كارل بيرنشتاين. بدأتُ أحترم بوب وأكنّ له الإعجاب منذ ذلك الحين، مع أننا نختلف حول مسائل عدة. هو لم يكن مضطراً للقيام بتلك المكالمة.
لم يرفع جون ميتشل ولا أي شخص آخر دعاوى قضائية، وقد شعرتُ بأن أحداً لن يتخذ هذه الخطوة حين كنتُ أتابع تحقيقاتي، وأظن أن إيب كان يوافقني الرأي. خلال الأشهر القليلة اللاحقة، ركّزتُ على جمع المعلومات التي أحتاج إليها عن البيت الأبيض والمسؤولين الذين يديرونه، وقمتُ ببعض المحادثات الطويلة مع كبار المسؤولين في الأوساط الداخلية للحزب الجمهوري. كان هؤلاء يدعمون نيكسون سياسياً، لكنهم شعروا بالخوف من الأخطاء التي ارتكبها على الأرجح. جرى تصويت لإنشاء لجنة التحقيق بقضية «ووترغيت» في مجلس الشيوخ في بداية شهر فبراير، وكانت حصيلة التصويت مخيفة بالنسبة إلى البيت الأبيض (77 صوتاً مؤيداً مقابل غياب أي صوت معارِض).
في المرحلة اللاحقة، تمكّنتُ من إجراء اتصالات مفيدة مع عدد من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ والموظفين فيه، من جمهوريين وديموقراطيين في آن. كنت أحاول اكتشاف الحقيقة داخل البيت الأبيض الذي أربكته الأكاذيب والخِدَع والمخاوف في تلك الحقبة. لقد استفدتُ حتماً من كوني ممثّل «نيويورك تايمز» في هذه القضية، إذ لم تكن أي صحيفة أخرى في الولايات المتحدة تملك صلاحيات بقدرها. مع ذلك، بقي بوب وكارل أساس هذه القصة كلها.
لقد بذلوا جهوداً كبرى لإسقاط نيكسون بما يفوق ما تعترف به السجلات التاريخية. امتعض عدد من المسؤولين الصالحين في حكومة نيكسون والبيت الأبيض من التحركات التي سمح بها الرئيس، أبرزهم إليوت ريتشاردسون، وهو مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية تم تعيينه وزيرا للدفاع في يناير 1973 وبقي في منصبه لأقل من 4 أشهر قبل أن يُعيّنه نيكسون، الذي بدأ يزداد يأساً، مدعيا عاما في شهر مايو.
بلغتُ المرحلة التي كنتُ أصبو إليها بحلول منتصف أبريل، لا سيما من خلال تواصلي مع مصادر داخلية في البيت الأبيض خلال عهد نيكسون، وفي «الكونغرس»، والوكالات التي كانت تجري تحقيقات عن قضية «ووترغيت».
بين 19 أبريل و1 يوليو، نشرتُ 42 مقالة في صحيفة تايمز، وكانت تطرح كلها معلومات حصرية تشير إلى تورّط الرئيس، ونُشِر جميعها (باستثناء مقالتَين) في الصفحة الأولى. صدرت أهم المقالات في بداية شهر مايو. خلال 6 أيام، كتبتُ 4 مقالات دفعت الصحيفة إلى نشرها بالخط العريض في الصفحة الأولى. حين راجعتُ تلك المقالات أثناء تحضير هذه المذكرات، تذكّرتُ إلى أي حد تعبتُ وأصابني القلق وحُرِمتُ من النوم في تلك الفترة.
أحدثت تلك الأخبار ضجة مدوّية لم يتوقّعها أحد، وسرعان ما وقع نيكسون ضحية أصدقائه وأعدائه في آنٍ. كان لافتاً أن تتلاحق هذه التطورات كلها قبل كشف النقاب عن نظام التنصت في البيت الأبيض.
كانت تلك المرحلة ممتازة لي شخصياً، وقد اتّسمت بالهدوء وخَلَت من التخمينات التي يطلقها المحررون في واشنطن أو نيويورك. شعرتُ أيضاً بأنني أردّ بهذه الطريقة الاحترافية على لامبالاة نيكسون تجاه مذبحة «ماي لاي»، ودعمه للملازم ويليام كالي، وعدم استعداده لحماية الجنرال جاك لافيل الذي اقتصر ذنبه على تنفيذ أوامر الرئيس. وسرعان ما أصبح فريق المكتب الوطني في نيويورك ورئيس تحريره ديفيد جونز من أفضل أصدقائي.
تبيّن أيضاً أن هذه الجماعة استعانت عام 1971 بجورج غوردون ليدي، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، وإيفريت هاورد هانت، وهو عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لجمع فريق جدير بالثقة، وبذل الجهود اللازمة لاكتشاف أي معلومات أخرى يعرفها دانيال إيلسبيرغ، وقد تسيء إلى فرص إعادة انتخاب نيكسون، شرط ألا تُورّط تلك المعلومات البيت الأبيض.
لكن فريق هانت وليدي قرر اقتحام مكتب إيلسبيرغ في لوس أنجلس. وقد خطّط هذان الرجلان لاحقاً لعملية اقتحام مبنى «ووترغيت»، في يونيو 1972. أخبرني كروغ أيضاً بأنه ينوي الاعتراف بالحقيقة كاملة أمام النيابة العامة الفدرالية، وطلب منّي ألا أكتب شيئاً عن حديثنا قبل اعترافه. نتيجةً لذلك، وافقتُ على اعتبار اعترافه مسألة خاصة بيننا. لقد أراد بهذه الطريقة أن يتحرر من هذا العبء الذي كان يُعذّبه، وفق رأي بيرتشوك.
بعد تمضية ساعة أو ساعتين معه ومع تريدويل، علمتُ أن فضيحة «ووترغيت» المرتقبة ستزداد سوءاً مع مرور الوقت، مثلما كانت مشكلة باد كروغ لتتفاقم أيضاً. وافق هذا الأخير لاحقاً على التعاون مع النيابة العامة الفدرالية، وسُجِن طوال 4 أشهر ونصف بعد الحُكم عليه بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين و4 سنوات بسبب دوره بعملية الاقتحام في لوس أنجلس.
التزمتُ باتفاقي مع كروغ، لكنني نقلتُ معظم المعلومات التي عرفتُها في أوساطي الخاصة إلى أحد مساعدي ريتشاردسون، بعد وقتٍ قصير على تعيينه مدعيا عاما بقرار من نيكسون، في مايو 1973.
وقد حصل ريتشاردسون على هذا المنصب بفضل نيكسون، لذا افترضتُ أنه كان ليحمي الرئيس وكيسنغر من الجحيم الذي ينتظرهما. لم أكن أعرف إلى أي حد ستكون المعلومات التي نقلتُها مفيدة، لكن تابعنا أنا وريتشاردسون التكلم في مناسبات متكررة خلال سنة أو سنتين.
لقد فَهِم منذ مرحلة مبكرة، مثلي، أن قضية «ووترغيت» ستتخذ منحىً قبيحاً جداً.
أنا لم أهتم بكروغ أو بقرار تعيينه إلى أن تلقّيتُ اتصالاً من مايكل بيرتشوك، وهو ديموقراطي حذق كان كبير المستشارين في لجنة مجلس الشيوخ المعنيّة بالتجارة والعلوم والنقل. أخبرني بيرتشوك بأنه كان يراقب مسار تعيين كروغ أمام اللجنة مع زميلٍ له، ولاحظ أمراً غريباً فيما يحصل. ظن بيرتشوك أن ذلك الرجل فيه خطب معيّن. لا أتذكر كلماته بدقة، لكن بدا الرجل المحترم ظاهرياً، الذي عيّنه البيت الأبيض، مضطرباً جداً.
لا يمكن تجاهل هذا التلميح من بيرتشوك الذي أصبح لاحقاً رئيس لجنة التجارة الفدرالية في إدارة كارتر. لهذا السبب، أخذتُ موعداً لزيارة كروغ قبل أن يُحدد مجلس الشيوخ موعد التصويت على تعيينه. كان لا يزال يعمل في البيت الأبيض حينها، وقد استعملتُ مسألة تجارة المخدرات الدولية كعذرٍ لهذا اللقاء.
سافر كروغ وزميل له (مساعِد سابق لكيسنغر اسمه ديفيد يونغ) إلى جنوب شرق آسيا في أواخر عام 1972 لطرح مجموعة أسئلة، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع. طرحتُ عليه عدداً من الأسئلة البارزة، لكنني استنتجتُ في نهاية المطاف أن «باد» (اللقب الذي عُرِف به) لم يكن يحمل أي أجندة خفيّة. لقد بدا لي شخصاً نزيهاً، لكنه كان تعيساً بكل وضوح.
تساءلتُ للوهلة الأولى: «ما علاقة هذه المعلومة بالحرب في فيتنام»؟ بدأتُ أجري اتصالاتي للحصول على نسخة من ذلك الملخّص. كان واحد من أقوى مزاعم سانت جورج يرتكز على ما اعتبره سلسلة مقابلات أجراها مع ستورجيس، فهو يدّعي أن هذا الأخير فرض رقابة سياسية على الديموقراطيين في واشنطن، وكان جزءاً من الفريق الذي أجرى تحقيقات حول تجارة المخدرات في أميركا الوسطى.
تساءلتُ حينها عن إمكانية اعتبار التحقيقات مرادفة للتهريب بحد ذاته. يقال إن هذه العملية كلها حصلت تحت إشراف هاورد هانت، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية كان على صلة بالفريق الذي اقتحم مبنى «ووترغيت».
كانت سمعة سانت جورج في عالم النشر بنيويورك شائبة، لكنه فاز بجوائز في أواخر الخمسينيات، بفضل الصور التي نشرها عن الثورة الكوبية، ويبدو أنه أبرم عقداً مقابل مبلغ صغير من المال، لنشر كتاب مبني على مقابلات مع ستورجيس.أخبرني ستورجيس بأنه ظن أن جون ن. ميتشل كان يعرف بالخدع السياسية القذرة التي استهدفت الديموقراطيين ومحاولات تجسس ضد السيناتورَين ماكغفرن وموسكي
اتصلتُ به، ونظّمنا لقاءً اتّضح فيه أن سانت جورج اللطيف كان يتوق إلى إقناعي بكتابة قصة عن مشروع كتابه. أخبرتُه بأنه أمر مستحيل إلّا إذا وَصَف لي ستورجيس، وأثبت وجود تلك العلاقة المزعومة بينهما. بعد مرور بضعة أيام، أخبرني سانت جورج، الذي توفي عام 2001، بأنه حضّر اجتماعاً مع ستورجيس. كان يُفترض أن نتناول نحن الثلاثة العشاء بمطعم في «ميامي بيتش».
فضول الاستقصاء
التقينا، ثم قال سانت جورج لستورجيس المتجهّم إنني شخص بارع في مجالي، وأهتم بكتابة قصة عن الكتاب الذي يحضّرانه. لكن ستورجيس لم يهتم بما قاله سانت جورج. كنتُ اكتشفتُ أن ستورجيس حارب إلى جانب فيدل كاسترو أواخر الخمسينيات لإسقاط دكتاتورية نظام باتيستا المدعوم من أميركا، لكنّه عاد وانقلب على كاسترو حين دعم هذا الأخير الشيوعية.
في 1972، تورّط ستورجيس في نشاطات معادية لكاسترو طوال أكثر من 10 سنوات، مع أو من دون مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية. بعد تناول مشروب أو اثنَين، نهض سانت جورج من مكانه وذهب إلى الحمّام. رمقني ستورجيس حينها بنظرة غريبة، وسألني إذا كنت أملك سيارة مستأجرة، فأجبتُه بالإيجاب. ثم قال: «لنذهب»، وبدأنا نستعد لمغادرة المكان. كانت تلك اللحظة القصيرة اختباراً شائكاً لي؛ هل أُفسِد علاقتي مع سانت جورج لمعرفة القصة التي أحتاج إليها؟ أعطاني ستورجيس الجواب عن هذا السؤال طبعاً. تركتُ بعض المال على الطاولة وانصرفنا. اصطحبتُه إلى الفندق الذي أنزل فيه. تناولنا مشروباً آخر مع وجبة العشاء هناك، ثم بدأ يخبرني حقيقة ما حصل، لكن كلامه اقتصر على لحظات معدودة. ثم قال لي فجأةً إنه مضطر لمقابلة شخصٍ ما، وطلب استعارة سيارتي. وافقتُ على طلبه لأنها لم تكن سيارتي، وكنت أعرف أن الموافقة هي الطريقة الوحيدة لمعرفة قصة هذا الرجل. كانت تلك الأمسية مقدّمة ساحرة للتعرّف على العالَم المعادي لكاسترو في «ميامي بيتش».أخبرني كروغ أيضاً أنه ينوي الاعتراف بالحقيقة كاملة أمام النيابة العامة الفدرالية وطلب مني ألا أكتب شيئاً عن حديثنا قبل اعترافه
أعاد ستورجيس السيارة وهي في حالة جيدة باليوم التالي، ثم استأنفنا حديثنا. أكد لي أنه وأعضاء الفريق الذي اقتحم مبنى «ووترغيت» تلقّوا رشوة منذ اعتقالهم. هو طلب أموالاً إضافية ولم يحصل عليها. إنه السبب الوحيد الذي دفعه، من وجهة نظري، إلى التكلم مع سانت جورج ومعي الآن. عدتُ إلى واشنطن وأنا أعرف أن سانت جورج سيكون غاضباً منّي، لكنّي أتجه إلى استكشاف قصة باهرة بمعنى الكلمة. تلقيتُ أيضاً معلومات يمكنني مقايضتها مع المحامي الذي يمثّل ستورجيس ورفاقه في عملية الاقتحام، ومع المسؤولين الفدراليين في مكتب المدعي العام الأميركي الذي كان يتابع القضية في واشنطن.
أخبرني ستورجيس بأنه ظن أن جون ن. ميتشل، المدعي العام المخلص لنيكسون، كان يعرف بالخِدَع السياسية القذرة التي استهدفت الديموقراطيين سابقاً، وشملت عمليات تجسس أو محاولات تجسس ضد السيناتورَين جورج ماكغفرن وإدموند موسكي عام 1971، ثم ضد مرشّحين بارزين عن الحزب الديموقراطي. علمتُ لاحقاً أن لجنة إعادة انتخاب نيسكون عام 1972 عجزت عن تحديد مصدر 900 ألف دولار، وهو رقم أكبر بكثير من المبلغ المتداول سابقاً. لا وجود لأي دليل على ذلك، لكنني لم أشك للحظة بأن جزءاً من تلك الأموال المجهولة وصل في نهاية المطاف إلى فريق اقتحام مبنى «ووترغيت».
صحيفة تكره الهزيمةتورط ستورجيس في نشاطات معادية لكاسترو طوال أكثر من 10 سنوات مع أو من دون مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية
شكّلت القصة التي كتبتُها عن هذه التطورات كلها أول مقالة حصرية كبرى في صحيفة «تايمز» عن فضيحة «ووترغيت». ورغم الاستياء الذي أبداه إيب روزنثال بشأن بن برادلي وتفوّق صحيفة واشنطن بوست في هذه القضية، فقد أثار المحررون جنوني بطريقة لم أختبرها في أي من القصص السابقة التي كتبتُها عن حرب فيتنام. كانت الصحيفة حساسة جداً تجاه القضايا المتعلقة بالرئاسة.
بعد سنوات، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن بيل كوفاش، الذي كان زميلي عام 1973 وأصبح لاحقاً رئيس مكتب واشنطن، صرّح بأن أكبر المشاكل التي واجهها كمحرّر تعلقت «بالسيطرة على سيمور في صحيفةٍ تكره الهزيمة، لكنها لا تريد أن تصبح الأولى. كانت الصحيفة ترتعب حتى الموت من فكرة التألّق بسبب قصة مثيرة للجدل تُشكّك بمصداقية الحكومة».
وأضاف كوفاش أن هذا الموقف كان «جزءاً من ثقافة المؤسسة التي بدأ سيمور ينتهكها. على المستوى الصحافي، أراد إيب روزنثال وآخرون المشاركة في هذه القضية. لقد أرادوا المشاركة فعلاً. لكن على المستويات التاريخية والثقافية، كانوا يكرهون هذا الوضع... كانت الخلافات والنقاشات والمناوشات المتعلقة بكل قصة ينشرها سيمور هيرش لامتناهية. لم يكن السبب يقتصر على تهوّر سيمور، بل إنهم لم يرغبوا في ربط اسمهم بهذا النوع من المواد».
يتذكّر هاريسون سالزبوري، في كتابه عن «تايمز»، أنني اقترحتُ في الأصل أن يكون أول تقرير لي عن فضيحة «ووترغيت» عبارة عن سلسلة مؤلفة من ثلاثة أجزاء. لكن نُشِرت معلوماتي الجديدة ضمن مقالة طويلة يوم الأحد، 14 يناير 1973، مع عنوان رئيسي بسيط على الجهة اليسرى من الصفحة الأولى. كنتُ قد استعملتُ كلمة «مصدر» بشكلٍ متكرر على مر المقابلة، لكنني لم أحدد تلك المصادر.
كان إيب يعرف أسماءهم طبعاً، لكنني أصررت على اعتماد مقاربة مبهمة قدر الإمكان. كانت تلك المرحلة أول خطوة على طريق طويل ومؤثر، وقد أردتُ من جميع المعنيين بتلك القصة الأولى أن يتابعوا التكلم عن هذا الموضوع. قال سالزبوري إن مسألة أخرى كانت لتدفع جون ميتشل إلى رفع دعوى قضائية، لكنّه عاد وكتب: «في النهاية، نُشِرت تلك القصة وشملت الجزء المرتبط بميتشل. نشأت مشاكل بسبب المصادر المذكورة في نيويورك وواشنطن، لأنها لم تكن واضحة ومتكاملة بالقدر الذي أراده المسؤولون في صحيفة تايمز، لكن هيرش تذكّر أنه أخبر المحررين بضرورة أن يصدّقوه ويثقوا به في مرحلة معيّنة. كانت الصحيفة تثق به فعلاً... أخيراً، اتّضح الرابط بين تلك القصة الاستقصائية العظيمة وذلك المراسل الاستقصائي العظيم، واستمر الرابط بينهما على مر قضية ووترغيت».
تلقيّتُ أول اتصال في صباح يوم الاثنين من بوب ودوارد. لم يسبق أن التقينا أو تكلّمنا، لكنه هنّأني وشكرني على ذلك التحقيق. قال بوب إن الصحيفة ما كانت لتنجز هذا العمل وحدها. أحدثت إعادة انتخاب نيكسون بنتيجة ساحقة ضجّة واسعة، رغم العمل اللامع الذي قام به مع كارل بيرنشتاين. بدأتُ أحترم بوب وأكنّ له الإعجاب منذ ذلك الحين، مع أننا نختلف حول مسائل عدة. هو لم يكن مضطراً للقيام بتلك المكالمة.
لم يرفع جون ميتشل ولا أي شخص آخر دعاوى قضائية، وقد شعرتُ بأن أحداً لن يتخذ هذه الخطوة حين كنتُ أتابع تحقيقاتي، وأظن أن إيب كان يوافقني الرأي. خلال الأشهر القليلة اللاحقة، ركّزتُ على جمع المعلومات التي أحتاج إليها عن البيت الأبيض والمسؤولين الذين يديرونه، وقمتُ ببعض المحادثات الطويلة مع كبار المسؤولين في الأوساط الداخلية للحزب الجمهوري. كان هؤلاء يدعمون نيكسون سياسياً، لكنهم شعروا بالخوف من الأخطاء التي ارتكبها على الأرجح. جرى تصويت لإنشاء لجنة التحقيق بقضية «ووترغيت» في مجلس الشيوخ في بداية شهر فبراير، وكانت حصيلة التصويت مخيفة بالنسبة إلى البيت الأبيض (77 صوتاً مؤيداً مقابل غياب أي صوت معارِض).
في المرحلة اللاحقة، تمكّنتُ من إجراء اتصالات مفيدة مع عدد من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ والموظفين فيه، من جمهوريين وديموقراطيين في آن. كنت أحاول اكتشاف الحقيقة داخل البيت الأبيض الذي أربكته الأكاذيب والخِدَع والمخاوف في تلك الحقبة. لقد استفدتُ حتماً من كوني ممثّل «نيويورك تايمز» في هذه القضية، إذ لم تكن أي صحيفة أخرى في الولايات المتحدة تملك صلاحيات بقدرها. مع ذلك، بقي بوب وكارل أساس هذه القصة كلها.
سمعة سانت جورج في عالم النشر بنيويورك كانت شائبة لكنه فاز بجوائز في أواخر الخمسينيات بفضل الصور التي نشرها عن الثورة الكوبية
مقالات قوية
كتبتُ عدداً صغيراً من المقالات القوية عن التضحية الحتمية التي قام بها مساعدون منخفضو الرتبة كانوا يعملون مباشرةً لمصلحة بوب هالدمان، كبير الموظفين العدائي في عهد نيكسون. راح المساعدون ينقلون الأموال والرسائل بكل غباء، إلى زملاء لهم في الجامعة كلّفوهم بتنفيذ مجموعة من الخِدَع القذرة والساذجة بطلبٍ من الرئيس. كنتُ مقتنعاً بأن هالدمان والمستشار المحلي جون إيرليشمان، وهو شريكه في هذه العملية المرعبة داخل البيت الأبيض، كانا يعرفان على الأرجح أنهما سيتعرّضان للاستهداف في نهاية المطاف. تواصلتُ أيضاً مع محققين وموظفين في مكتب المدعي العام الأميركي الذي أشرف على تحقيق الحكومة الفدرالية.لقد بذلوا جهوداً كبرى لإسقاط نيكسون بما يفوق ما تعترف به السجلات التاريخية. امتعض عدد من المسؤولين الصالحين في حكومة نيكسون والبيت الأبيض من التحركات التي سمح بها الرئيس، أبرزهم إليوت ريتشاردسون، وهو مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية تم تعيينه وزيرا للدفاع في يناير 1973 وبقي في منصبه لأقل من 4 أشهر قبل أن يُعيّنه نيكسون، الذي بدأ يزداد يأساً، مدعيا عاما في شهر مايو.
بلغتُ المرحلة التي كنتُ أصبو إليها بحلول منتصف أبريل، لا سيما من خلال تواصلي مع مصادر داخلية في البيت الأبيض خلال عهد نيكسون، وفي «الكونغرس»، والوكالات التي كانت تجري تحقيقات عن قضية «ووترغيت».
بين 19 أبريل و1 يوليو، نشرتُ 42 مقالة في صحيفة تايمز، وكانت تطرح كلها معلومات حصرية تشير إلى تورّط الرئيس، ونُشِر جميعها (باستثناء مقالتَين) في الصفحة الأولى. صدرت أهم المقالات في بداية شهر مايو. خلال 6 أيام، كتبتُ 4 مقالات دفعت الصحيفة إلى نشرها بالخط العريض في الصفحة الأولى. حين راجعتُ تلك المقالات أثناء تحضير هذه المذكرات، تذكّرتُ إلى أي حد تعبتُ وأصابني القلق وحُرِمتُ من النوم في تلك الفترة.
أحدثت تلك الأخبار ضجة مدوّية لم يتوقّعها أحد، وسرعان ما وقع نيكسون ضحية أصدقائه وأعدائه في آنٍ. كان لافتاً أن تتلاحق هذه التطورات كلها قبل كشف النقاب عن نظام التنصت في البيت الأبيض.
كانت تلك المرحلة ممتازة لي شخصياً، وقد اتّسمت بالهدوء وخَلَت من التخمينات التي يطلقها المحررون في واشنطن أو نيويورك. شعرتُ أيضاً بأنني أردّ بهذه الطريقة الاحترافية على لامبالاة نيكسون تجاه مذبحة «ماي لاي»، ودعمه للملازم ويليام كالي، وعدم استعداده لحماية الجنرال جاك لافيل الذي اقتصر ذنبه على تنفيذ أوامر الرئيس. وسرعان ما أصبح فريق المكتب الوطني في نيويورك ورئيس تحريره ديفيد جونز من أفضل أصدقائي.
أخبرني بيرتشوك بأنه كان يراقب مسار تعيين كروغ أمام اللجنة مع زميلٍ له ولاحظ أمراً غريباً فيما يحصل
معلومات صادمة
عن هذه المعلومات الصادمة يقول هيرش: في أحد أيام الربيع من عام 1973، اتصل بي كروغ حين كنتُ في مكتب صحيفة تايمز. كان يواجه مشكلة، وطلب منّي أن أجتمع معه في مكتب محامي اسمه ويليام تريدويل في وسط مدينة واشنطن. تبيّن أن تريدويل كان عضواً بارزاً في كنيسة العلوم المسيحية، في منطقة واشنطن، وقد لجأ كروغ إليه طلباً للإرشادات باعتباره عضواً مؤمناً وملتزماً بكنيسته. أوضح كروغ أن ضميره يؤنّبه لأنه لم يخبرني بالحقيقة حين تقابلنا سابقاً. وبعد تشاوره مع تريدويل، اكتشف أنه يستطيع تبرئة نفسه عبر قول الحقيقة الآن. صُدِمتُ بالمعلومات التي أخبرني بها، فقد قال إنه وديفيد يونغ كانا منتسبَين إلى جماعة سرّية للأمن الداخلي في البيت الأبيض، وعلمتُ لاحقاً أنها تُعرَف باسم «وحدة التحقيقات الخاصة» في الأوساط الرسمية وباسم «السبّاكين» في الأوساط غير الرسمية.تبيّن أيضاً أن هذه الجماعة استعانت عام 1971 بجورج غوردون ليدي، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، وإيفريت هاورد هانت، وهو عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لجمع فريق جدير بالثقة، وبذل الجهود اللازمة لاكتشاف أي معلومات أخرى يعرفها دانيال إيلسبيرغ، وقد تسيء إلى فرص إعادة انتخاب نيكسون، شرط ألا تُورّط تلك المعلومات البيت الأبيض.
لكن فريق هانت وليدي قرر اقتحام مكتب إيلسبيرغ في لوس أنجلس. وقد خطّط هذان الرجلان لاحقاً لعملية اقتحام مبنى «ووترغيت»، في يونيو 1972. أخبرني كروغ أيضاً بأنه ينوي الاعتراف بالحقيقة كاملة أمام النيابة العامة الفدرالية، وطلب منّي ألا أكتب شيئاً عن حديثنا قبل اعترافه. نتيجةً لذلك، وافقتُ على اعتبار اعترافه مسألة خاصة بيننا. لقد أراد بهذه الطريقة أن يتحرر من هذا العبء الذي كان يُعذّبه، وفق رأي بيرتشوك.
بعد تمضية ساعة أو ساعتين معه ومع تريدويل، علمتُ أن فضيحة «ووترغيت» المرتقبة ستزداد سوءاً مع مرور الوقت، مثلما كانت مشكلة باد كروغ لتتفاقم أيضاً. وافق هذا الأخير لاحقاً على التعاون مع النيابة العامة الفدرالية، وسُجِن طوال 4 أشهر ونصف بعد الحُكم عليه بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين و4 سنوات بسبب دوره بعملية الاقتحام في لوس أنجلس.
التزمتُ باتفاقي مع كروغ، لكنني نقلتُ معظم المعلومات التي عرفتُها في أوساطي الخاصة إلى أحد مساعدي ريتشاردسون، بعد وقتٍ قصير على تعيينه مدعيا عاما بقرار من نيكسون، في مايو 1973.
وقد حصل ريتشاردسون على هذا المنصب بفضل نيكسون، لذا افترضتُ أنه كان ليحمي الرئيس وكيسنغر من الجحيم الذي ينتظرهما. لم أكن أعرف إلى أي حد ستكون المعلومات التي نقلتُها مفيدة، لكن تابعنا أنا وريتشاردسون التكلم في مناسبات متكررة خلال سنة أو سنتين.
لقد فَهِم منذ مرحلة مبكرة، مثلي، أن قضية «ووترغيت» ستتخذ منحىً قبيحاً جداً.
تجارة المخدرات الدولية
يحكي هيرش في كتابه قصة تواصله مع ريتشاردسون، وعنها يقول: عيّن نيكسون، بعد إعادة انتخابه عام 1972، مساعِداً في البيت الأبيض اسمه إيغيل كروغ وكيلا لوزارة النقل. كان ذلك التعيين إنجازاًبير كبيراً لذلك المساعِد (33 عاماً)، فهو يفتقر إلى أي خبرة في شؤون النقل. كان معروفاً بكل بساطة كشخصٍ عَمِل في قضايا تعاطي المخدرات وشؤون الأمن الداخلي لمصلحة جون إيرليشمان.أنا لم أهتم بكروغ أو بقرار تعيينه إلى أن تلقّيتُ اتصالاً من مايكل بيرتشوك، وهو ديموقراطي حذق كان كبير المستشارين في لجنة مجلس الشيوخ المعنيّة بالتجارة والعلوم والنقل. أخبرني بيرتشوك بأنه كان يراقب مسار تعيين كروغ أمام اللجنة مع زميلٍ له، ولاحظ أمراً غريباً فيما يحصل. ظن بيرتشوك أن ذلك الرجل فيه خطب معيّن. لا أتذكر كلماته بدقة، لكن بدا الرجل المحترم ظاهرياً، الذي عيّنه البيت الأبيض، مضطرباً جداً.
لا يمكن تجاهل هذا التلميح من بيرتشوك الذي أصبح لاحقاً رئيس لجنة التجارة الفدرالية في إدارة كارتر. لهذا السبب، أخذتُ موعداً لزيارة كروغ قبل أن يُحدد مجلس الشيوخ موعد التصويت على تعيينه. كان لا يزال يعمل في البيت الأبيض حينها، وقد استعملتُ مسألة تجارة المخدرات الدولية كعذرٍ لهذا اللقاء.
سافر كروغ وزميل له (مساعِد سابق لكيسنغر اسمه ديفيد يونغ) إلى جنوب شرق آسيا في أواخر عام 1972 لطرح مجموعة أسئلة، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع. طرحتُ عليه عدداً من الأسئلة البارزة، لكنني استنتجتُ في نهاية المطاف أن «باد» (اللقب الذي عُرِف به) لم يكن يحمل أي أجندة خفيّة. لقد بدا لي شخصاً نزيهاً، لكنه كان تعيساً بكل وضوح.