• للشاعر تكوين مختلف عن أي مبدع آخر، كيف أسهمت سنوات نشأتك الأولى في تشكيل شخصيتك الإبداعية؟

- تعهدني والدي، رحمه الله، منذ البداية بالتشجيع على القراءة والمطالعة، وكان يصحبني إلى المركز الثقافي الملكي للقراءة واستعارة القصص والروايات، ثم وضع في طريقي دواوين لشعراء كبار مثل صلاح عبدالصبور، وشعراء المهجر، وعمر أبي ريشة، ومحمود درويش وغيرهم، فضلاً عن روايات نجيب محفوظ، وبعض من الأدب الروسي المترجم، كل هذا أسهم في تفتح قريحة مبكرة، ولجوء مبكر إلى الشعر، والنظم بدأ في المرحلة الثانوية، بعد إتقان مبادئ العروض وبحور الخليل، والاطلاع على تجارب شعراء كُثُر والتأثر بطريقتهم في النظم واجتراح آفاق عُليا في فضاء النصوص، ثم كان التخصص في مجال اللغة العربية، واستكمال متطلبات الماجستير في الأدب الحديث، والاطلاع على المدارس النقدية المعاصرة، وأهم تقنيات القصيدة الجديدة ومتطلبات التفعيلة والتناص وغيرها... وكل ذلك أسهم في رسم ملامح الشعر لديَّ.

• ما منطلقاتك العامة في الكتابة؟ وما الرسالة الأساسية التي تسعى لتوصيلها عبر قصيدتك؟
Ad


- أنا من أتباع مدرسة «الشعر للشعر»، حيث ألتجئ للشعر حين تجتاحني رغبة الكتابة في أمر ما، سواء في النصوص الوجدانية أو التي تنجم عن موقف ما أو حدث عابر يثير لديّ الرغبة في الكتابة، وربما هذا الأمر جعلني أتوقف عن كتابة الشعر أكثر من عشر سنوات، يقينا مني بأنني في غير حاجة لدخول عالم القصيدة طوال تلك السنوات، ثم بعد أن وجدتُ الظروف تدعوني للكتابة مُجددا دخلت بوابة الشعر مرة أخرى، بالتالي تجدني أهرب تماما من أن أكون شاعر مناسبات، فلستُ أتقن هذا اللون وما سيُمليه عليَّ من تكلّف واضح وصنعة ظاهرة، وعاطفة غير صادقة.
غلاف إصدار آخر


• رغم رواج قصيدة النثر واتساع رقعة كُتَّابها عربيا، ثمة مَنْ يقف لها بالمرصاد رافضا نعتها بـ«القصيدة»، وأنت أحدهم... فهل ترفضها إطلاقا، أم تؤيد وجودها تحت تصنيف آخر؟

- لستُ ضد كتابة قصيدة النثر، ولست مِمن ينكرون وجودها، وقد كان لي وقفة مطوّلة مع هذا الموضوع في كتابي «ملامح التراث في الشعر الفلسطيني - معين بسيسو أنموذجا»، حيث تطرقت لنشأة قصيدة النثر، والإرهاصات التي فرضت ظهورها في المجتمع المعاصر، ودعوت لضرورة إيجاد اسم بديل لها غير كلمة (قصيدة)، فشِعريَّة النثر لم تحلله يوما محل الشعر.

وعليه، فإن رواد ما يسمى بـ «قصيدة النثر» اليوم، يسمونه شعرا وما هو من الشعر في شيء، فنعلم جميعا أن شروط الشعر كما جاءت في كتب الأقدمين «قول موزون مُقفى دال على معنى»، بالتالي فقد تم تقديم الوزن والقافية على المعنى، ومن هنا فالأولى بأصحاب هذا اللون الأدبي أن يتعاملوا معه على أنه نثر فني جميل، ومتقن الصياغة، لأن كتابته على نسق قصيدة التفعيلة لن تجعله شعرا، ووجدت الكثيرين ممن يكتبون هذا اللون من النثر لا يستطيعون أن يصفوا أنفسهم بأنهم شعراء إذا سألتهم عن أنفسهم، ويكتفون بوصف أنفسهم بـ «كُتّاب نثيرة»، فإذا كانوا هم لا يرون أنفسهم شعراء، فلماذا يريدون نسبة الشعر إلى ما يكتبون؟!

• في ظل أزمة الورق وارتفاع أسعاره عالميا، هل ترى أن مستقبل الشعر محفوف بالمخاطر، أم أن النشر الإلكتروني، خصوصا عبر فضاء السوشيال ميديا، قد يكون بديل الديوان المطبوع؟

- أصبح الإقبال على النشر الإلكتروني الوسيلة الوحيدة للظهور الإعلامي، والانتشار في الوسط الأدبي والفني، ولعلَّ سهولة النشر وآنيَّة الانتشار في هذا الوقت تدفع الكثيرين للاكتفاء بالنشر الإلكتروني، لتجنب تكاليف الطباعة، والنشر والتوزيع وسواها، وإن كان ذلك قد أضرَّ كثيرا بدور النشر، وبمحتوى المكتبة العربية، إلا أن هذا اللون من النشر يترتب عليه مجموعة مخاطر كمينة أبرزها سهولة سرقة النتاج المنشور ونشره في أماكن أخرى دون علم صاحب العلاقة بذلك، بخلاف سهولة ضياع هذا النتاج المنشور حال تعرُّض المنصات الإلكترونية للتوقف أو التعطل، بالتالي سيظل للمطبوعات الورقية دورها العالمي في الانتشار وحفظ حقوق النشر، عدا عن أهميتها في إثراء المكتبة العربية.
غلاف «زهر حزيران»


• كانت المنافسة حتى عقدٍ مضى تدور رحاها بين الشعر والرواية وأيهما ديوان العرب، ألا ترى أن وسائط أخرى أزاحتهما نسبيا لصالح فنون أخرى راجت أكثر في زمن منصات الأفلام والدراما مثلاً؟!

- لا نستطيع أن نجزم بقدرة المنصات والقنوات على رسم ملامح حقيقية للمجتمع المعاصر كما هو حال الأدب، وكان معروفا قديما أن «الشعر ديوان العرب»، ولو تأملنا السنوات القليلة الماضية، لوجدنا أن الشعر استعاد مكانته على نحو واضح ليتفوق مُجدّدا على الرواية وعلى المنصات الأخرى، ليعود حاضرا في المشاهد كافة، ويثبت قدرته من جديد على الحضور، ولعلَّ للمنصات والبرامج الشعرية دوراً كبيراً في هذا المجال، بحيث أصبح الشعراء أكثر حرصا على الظهور والتنافس في تجويد مخرجات القصيدة العربية المعاصرة بحيث يكون لها قصب السبق في المجالات كلها.

• كونك ناقدا أيضا، كيف تقيِّم حال الحركة النقدية العربية راهنا، وهل تراها مواكبة لزخم الإبداع؟

- الضبابية التي اعترت المشهد الشعري في السنوات الأخيرة، ألقت بظلالها على الحركة النقدية المعاصرة، خصوصا بسبب تراجع الإقبال على اقتناء دواوين الشعر الورقية، واكتفاء الكثيرين بالقراءة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي سيطرت على المعروض الشعري بشكل لافت، وما رافق ذلك من مشكلات أهمها انتشار أشباه شعراء غير ناضجين فكريا وشعوريا، وسرقة الكثير من النتاج الأدبي المعاصر ونسبته لغير أصحابه، وضياع الكثير من الإنتاج بسبب تناقله غير الأمين، فاختلط الشعر باللا شعر، وظهرت على السطح نصوص كثيرة منفلتة، ما أدى لشيوع أسماء شعرية بعينها في أرجاء العالم العربي، وهم أولئك الذين انفتحوا على قنوات التواصل الاجتماعي ونشروا قصائدهم، وتجمَّع حولهم مريدون ومعجبون، يغلب عليهم الطابع الانفعالي والشخصي في الحكم على جيد الشعر من رديئه، في الوقت الذي اختفى نتاج الكثيرين ممن لا يزالون غير مؤمنين بالعوالم الافتراضية ودورها في نشر الشعر والنتاج الأدبي.

• تكتب السرديات النثرية أحيانا، فهل يعني ذلك أننا قد نرى ذات يوم رواية تحمل توقيعك؟

- أحاول تأجيل اللجوء إلى الكتابة النثرية لسببين: أن السرد النثري ينساب من بين يدي الكاتب رغما عنه، فيبوح بالكثير مما قد لا يكون له رغبة بالكشف عنه، وذلك من باب تحرُّر النثر من قيود الوزن والتفعيلة والإيقاع، بالتالي يكون أكثر بوحا، وكشفا للمكنون، والسبب الآخر أنني قد أقوم في مرحلة متأخرة بكتابة سيرة ذاتية، وفي سياق متصل فإنني ما زلت غير متأكد من قدرتي على خوض غمار الرواية لإدراكي بوعورة الدرب.

• ما المشروع الأدبي الذي تعكف عليه راهنا، وربما يخرج للنور قريبا؟

-تكللت الجهود الأخيرة بفوزي بجائزة الشاعر الأردني الراحل عاطف الفراية، عن مخطوط ديواني الثالث «آنستُ شعرا»، الذي سيرى النور خلال الشهور القليلة المقبلة، وفي خطوة تالية، جمعت مادة الديوان الرابع، وقد تحمل الأسابيع المقبلة بشائر بالموافقة على طباعته.