كم هي تفاصيل أيامك خاصة بك أنت وحدك وبعض من تحب أن يشاركوك إياها، وكم تزداد جمالا تلك اللحظات بخصوصيتها وحفظها كأمر يهمك أنت وحدك، فكم هو الفوز أجمل عندما يكون خاصاً والصلاة والدعاء والحب أيضا يزداد بهاء عندما يبقى خاصا جدا، ما تأكل وتشرب مما لذ وطاب من طعام ومذاقات مختلفة للقهوة والشاي هي خاصة بك أنت، وما تقرأ هو الآخر لك أنت حتى حولها البعض إلى شكل من أشكال الموضة أو التباهي.
نعم في زمن التفاهة المعدية تصبح رواية مثل «قواعد العشق الأربعون» موضة أو «ترند» وتتحول إلى موضوع باهت للحديث على جلسة شاي أو قهوة أو مائدة فخمة للعشاء، العمل والرياضة هي أيضا أمور خاصة وتخص العامة أبداً وليست من اهتمامات الشأن العام حتى حولها مدمنو وسائل التواصل إلى «ترند» أو شأن يخص الجميع، في حين كثير مما يهم الجميع يبقى حبيس الغرف المغلقة والاجتماعات والجلسات الخاصة جداً حين يقرر البعض مصير الكل حتى في أبسط أمور المعيشة مثل كيف تقسم الميزانية العامة للدولة أو ما هي الخطة للتخفيف من الغلاء وارتفاع الأسعار التي هي مرض عالمي ولكن له مذاقات خاصة في مدن وبلدات وقرى العرب حين يصطف البعض لطلب رغيف أو طبق من الرز واللحمة أو حتى العظم، وهذا شأن المحظوظين، أما الآخرون فصفيحة الزبالة القذرة هي «السوبرماركت» لهم!!
الحياة فيها كثير من الجمال لكنه يتحول إلى مسخ عندما يصبح حديثاً للعامة وموضوعاً للمنتديات المملة والجلسات التي تبحث عن موضوع أحيانا يكون مثيراً وكثيراً ما يكون شبيهاً بهذه المرحلة مليئا بالنميمة، كثيرون يتابعون الآخرين بحثا عن زلة أو خطأ أو أي أمر يتندرون فيه على الآخرين ويحولونه إلى موضوع ساخن و«مهم جدا»، فالخصوصية لم تعد خياراً لكثيرين ربما ليس بإرادتهم لكنها أيضا أصبحت السلك العام للبشر في دولنا خاصة، حيث الممنوعات تطول وتبقى المسموحات هي الأكل والشرب والسرقة والكلام في الناس وعنهم فقط، ودون أن يصل الموضوع إلى الشخصيات من علية القوم فهم «ممنوع ممنوع»!! الحياة أجمل بتفاصيل تختص بشخص تحبه أو قريب منك، رجل أو امرأة، صبي أو مسن، من دينك أو من لا دين، لونه أبيض أو أكحل كليلة تحري هلال رمضان، تشارك هذا في تفصيله وتقوم مع ذاك برحلة أو سفرة، تتحدث مع صديق ثالث عن كتاب شدك ربما لأسلوبه أو لحبكة الرواية فيه أو حتى لصعوبته في حالة الكتب المتخصصة سياسيا أو اقتصاديا أو فلسفيا. والحياة أن توشوش لصديقة بين المجموع عن تفصيل من يومياتك تحبها هي فقط أن تسمعه أو تعتقد أنه سيكون مثيراً لها فيما تتجه لأخرى لتحدثها عن فضائح مسلسلات رمضان وفي الأخطاء التاريخية والاستخفاف بعقول المشاهدين الصائمين التائبين عن النميمة أحيانا!!
الحياة أجمل عندما لا تتحول الى مشاع فتهمس لك تلك الزميلة التي قربتك منها الأيام رغم اختلافكم في التفكير والقناعات ربما التقيتن في الإنسانية وتقبل الآخر، تهمس لتقول أريد أن أشاركك في أمر وأتمنى أن يبقى بيننا، ربما تتفاجأ في البدء، فلست الأقرب لها، ولكن فرحتك بالتفصيل المثير الذي شاركتك فيه أكبر من أي هدية في زمن المجاملات الساذجة!!! تبعث بصورة خاصة جداً وجدتها فوق حطام مبنى في بلدتها التي دكتها أيدي الأصدقاء والإخوة قبل الأعداء، تمتلئ عيناك بالدمع لحميمية اللحظة والصورة والمشاركة ومن ثم وخوفاً من انزلاقة لسان هنا أو هناك تعملين على استخدام خاصية المسح من تلك المساحة في الذاكرة أو ركن الصورة بالحدث في ركن بعيد جداً من الذاكرة المكتظة بالمواقف والأحداث والخيبات أيضا.
الحياة فعلا أكثر جمالا بعيدا عن المشاع المنتشر في وسائل التواصل وهي أجمل في خصوصيتها حتى أو خاصة في شهر من المفترض أن يكون مكرساً للعبادات والتأمل والهدوء والسكينة.
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.