على غرار كثيرين آخرين، عشت معظم السنوات القليلة الماضية في عزلة كي لا أقع فريسة للمرض، وها نحن الآن نكتشف أن تلك العزلة الواسعة النطاق قد أدت إلى بعض النتائج غير المتوقعة، لاسيما تراجع العدوى من الأمراض الشائعة، مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي (RSV). ولكن، نظرا لأن جزءاً كبيرا من العالم قد استأنف الآن حياته الطبيعية التي كانت سائدة في فترة ما قبل الجائحة، فقد انتهت تلك المهلة القصيرة، وعاد الفيروس المخلوي التنفسي، وهي عدوى خطيرة تقتل أكثر من 100000 طفل كل عام، وسجلت العديد من البلدان أكبر عدد من حالات تفشي الفيروس المخلوي التنفسي، وتعج المستشفيات في الولايات المتحدة بأطفال يعانون صعوبة التنفس.
إن الارتفاع المثير للقلق في حالات الفيروس المخلوي التنفسي قد يفضي إلى عواقب سيئة خلال أشهر، ومع ذلك ورغم أن الفيروس المخلوي التنفسي يمكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة، مثل الالتهاب الرئوي في صفوف الأطفال الصغار جدًا في كل مكان، إلا أنه نادرا ما يكون قاتلاً في البلدان ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة.
ومما يبعث على الأمل أن التطورات التكنولوجية الجديدة التي تلوح في الأفق قد تخفف قريبا التهديد الذي يشكله الفيروس المخلوي التنفسي، فالتقدم الواعد في مجال تحصين الأم يمكن أن ينقذ حياة آلاف الأشخاص سنوياً، كما أن ابتكار لقاح فعال ضد الفيروس المخلوي التنفسي أصبح يلوح في الأفق أخيراً. لقد حُصنت الأمهات بأمان وفعالية لعقود لحماية الأطفال حديثي الولادة من الأمراض المعدية الأخرى، بما في ذلك السعال الديكي و«التيتانوس»، وفي حالة حصل هذا اللقاح على الموافقة، سيكون أول لقاح على الإطلاق يحمي الأطفال من الفيروس المخلوي التنفسي.
وعلى الرغم من أن معظم حالات العدوى بالفيروس المخلوي التنفسي خفيفة، فإن الفيروس يمكن أن يكون أكثر حدة في فئة صغار السن، ويمكن أن يؤدي إلى الالتهاب الرئوي الذي يقتل الأطفال أكثر من أي مرض معد آخر، وفضلا عن ذلك، لا توجد أدوية لعلاج الفيروس المخلوي التنفسي، وبالنسبة للحالات الخطيرة، يستخدم الأكسجين الطبي في المستشفى لمساعدة الأطفال على التنفس إلى أن تزول العدوى، هذا إن وُجد مستشفى مزود بالأكسجين، أما الرضع في البلدان ذات الدخل المنخفض التي لا توفِّر المستشفيات الرعاية والأكسجين، فيمكن أن يؤدي مرض الطفولة الشائع إلى الموت بسرعة، وهنا، يصبح اللقاح ضد الفيروس المخلوي التنفسي الأكثر قدرة على إنقاذ الأرواح وتجنيب العائلات الكثير من الحزن.
ودعمت مؤسسة بيل وميليندا غيتس الجهود المبذولة للنهوض بتحصين الأمهات على مدى 15 عاما، من خلال تمويل البحث والتطوير فيما يتعلق بلقاحات الأم ضد الإنفلونزا والسعال الديكي والتهابات مجرى الدم الأخرى عند الأطفال حديثي الولادة والفيروس المخلوي التنفسي والمكورات العقدية القاطعة للدر من الفئة ب(GBS)، ويركز أحدث استثماراتنا في لقاحات الأمهات ضد الفيروس المخلوي التنفسي على تحسين القدرة على تحمل تكاليفها وإمكانية الوصول إليها في البلدان ذات الدخل المنخفض.
ولا يزال اللقاح قيد التطوير، وإذا نجح وحصل على الموافقة التنظيمية، آمل أن يدخل حيز الاستخدام في وقت مبكر من عام 2024، فالوصول السريع والعادل إلى هذا اللقاح المنقذ للحياة في البلدان حيث لا يزال الفيروس المخلوي التنفسي قاتلا رئيسا سيكون له تأثير حقيقي على الحد من أمراض الأطفال والوفيات في جميع أنحاء العالم.
نعم، يعتمد الإطلاق الناجح لحملات التلقيح ضد الفيروس المخلوي التنفسي أيضا على ما إذا كان هذا اللقاح مقبولا ويحظى بموافقة المجتمعات المحلية، وقد أظهرت الأبحاث أن الأمهات الحوامل أكثر احتمالا لتلقي لقاح لحماية أطفالهن قبل الولادة منه لحماية أنفسهن، وفضلا عن ذلك، خلُصت الدراسات إلى أنه إذا كان بإمكاننا توفير حماية ضد الفيروس المخلوي التنفسي في الأشهر القليلة الأولى من الحياة، فالفيروس ليس مشكلة جديدة، إذ لطالما خشِي أطباء الأطفال والعديد من الآباء هذا المرض لسبب وجيه، لكننا على وشك تطوير ونشر ما نحتاجه من أدوات لحماية الرضع عندما يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة به. ويجب أن نواصل جميعًا العمل نحو مستقبل حيث يمكن للأطفال أن يكبروا ليعيشوا حياة كاملة وصحية، في مأمن من مخاطر الفيروس المخلوي التنفسي، والالتهاب الرئوي في مرحلة الطفولة، ومن خلال ضمان المساواة في الحصول على هذه اللقاحات المنقذة للحياة، يمكننا جعل هذا المستقبل حقيقة واقعة.
* كيث كلوغمان مدير برنامج الالتهاب الرئوي في مؤسسة Bill &Melinda Gates.