عندي عادة أمارسها في حياتي اليومية لا أدري مدى سلامتها، وهي أنني أضع الكتب التي تصلني كإهداء أو أشتريها بنفسي على مكتبي قبل أن أقرر ماذا أفعل بها، وفي عملي اليومي تراني أمسك بأحد هذه الكتب أتصفحه أولاً ثم أعيده مرة ثانية إلى أن يأتي موعد قراءته، عندها يبدأ الفرز إما أن أضعه على أرفف مكتبتي الخاصة ويأخذ مكانه أو أتعامل معه كمشروع مقال، وفي كل الأحوال أسعى للاستفادة منه وإضافة شيء جديد إلى ثقافتي واستمتاعي بالقراءة، وهي عادة متأصلة عندي منذ وجدت طريقي في عالم الكتابة والصحافة والتوثيق.

وفي كل مرة يهديني الصديق حمد عبدالمحسن الحمد مجموعة من إصداراته أجد نفسي مديناً له ومعتزاً به، فهذا الرجل رفد المكتبة الكويتية بإصدارات باتت من المراجع القيمة لما يبذله من جهد وما يختاره من موضوعات يغلب عليها طابع الببليوغرافيا والتوثيق التاريخي.

Ad

أحدث الإصدارات كتابه «الكويت في زمن الأربعينيات والخمسينيات» وهو عبارة عن شهادات حية أجراها مع 51 شخصية كويتية روت لنا جوانب اجتماعية وحياتية غطت عقدين من الزمن، كانت فيهما الكويت تشهد تغيرات جذرية، حيث انتقلت من طور التجارة مع الهند والسفن البحرية والغوص على اللؤلؤ إلى مرحلة الحداثة والاعتماد على النفط كمورد رئيس للعيش والحياة.

أهمية الكاتب حمد عبدالمحسن الحمد أنه يلتقط الفكرة ثم يبحث عن مصادرها ويغنيها بالتنقيب والمطالعة وتجميع الأصول إلى أن تخرج بحلّة جديدة وفيها قيمة مضافة، تسهل على القارئ أو الباحث أن يجد ضالته.

«الكويت في الأربعينيات والخمسينيات» ينقلك إلى روايات حية قيلت على لسان أصحابها فيها الكثير من المعلومات والأوصاف، تنبض بالحيوية، تضيء على جوانب ذات صلة بالفريج وبالتعليم وفي البيوتات التي خرجت منها أسماء لمعت في دنيا الإعلام والأدب والتاريخ والشعر، وفوق ذلك نتعرف على مناطق الكويت بكل تفرعاتها وأماكنها من جبلة وشرق إلى فيلكا والجهراء وغيرها.

حصيلة مشوار الحمد في عالم التأليف بلغت 20 إصداراً، وهناك عناوين بعدة أجزاء وعدة طبعات، شكلت إرثاً ثقافياً أعتمد فيها على نفسه وباتت من المجموعات المختارة والمنتقاة في مواضيعها والدالة على مضمونها بعيداً عن الإثارة والترويج الرخيص.

من توثيق اللهجة الكويتية إلى مختارات من الشعر الكويتي إلى الكويت والزلفي بأجزائه الثلاثة إلى موسوعة الشعراء والأسماء في عوالم الأدب والشعر، وهي بخلاف الروايات التي قدمها، نحن أمام نموذج من رجالات التوثيق والتأريخ يستحق الدعم والتشجيع على ما يقدمه من إصدارات والكلمة الطيبة، فما أحوجنا إلى أشخاص مثل «الحمد» مزروع فيهم تلك الحماسة والوعي والنشاط الذي يغذّي عقولنا قبل جيوبنا.

استحضرت اسم الدكتور محمد حسن عبدالله وكتابه المشهور «صحافة الكويت في ربع قرن» وأنا أراجع ما أنتجه «الحمد» خاصة كتابه «الدليل الكويتي الثقافي» والذي يرصد العناوين والموضوعات في المجلات الثقافية في الفترة من 1960 حتى 2018، فهذه من الأعمال المخلدة والباقية والمستدامة، كم أتمنى ألا تتوقف وتستمر في أعمال الرصد والتوثيق، خصوصاً بعد السنوات التي وصل إليها، سواء في هذا الكتاب أو في غيره، ما نحتاجه أن تبقى هذه الشعلة متقدة وهناك أصدقاء وزملاء أنتجوا أعمالاً توثيقية لا يقلون أهمية عن الصديق الحمد، ومنهم د.عبدالله الغنيم والزميل صالح الغريب، وفهد العبدالجليل وصالح المسباح، ود.عادل العبدالمغني وعبدالرحمن التلالوة وخالد الرشيد وعبدالله نجيب الملا وآخرين، نجزي لهم التقدير والاعتزاز على إنتاجهم.