منذ عام 1976، إثر حل مجلس الأمة حلاً قسرياً من خارج رحم الدستور، بأمر أميري، وهي أداة لا يجوز إطلاقاً - حسب النصوص الصريحة للدستور والتعليق الجليّ للمذكرة التفسيرية له - استخدامها من قبل الأمير إلا في ثلاث حالات حصرية، وهي تزكية وتعيين ولي العهد (المادة 4 من الدستور)، تعيين رئيس الوزراء وقبول استقالته أو إعفاؤه (المادة 56 من الدستور)، تعيين نائب عن الأمير عند غيابه، وتعذّر نيابة ولي العهد عنه (المادة 61 من الدستور).
وقد كان حل مجلس الأمة عام 1976 بأمر أميري، وليس مرسوماً أميرياً، بداية لإدخال البلد في دوامة الانتهاكات الدستورية والفوضى القانونية، خصوصاً أنه قد تم تعطيل أحكام الدستور بالأمر الأميري الصادر سنة 1976، وهو أمر محظور كلياً ولا يدخل في صلاحيات الأمير، ولا يمكن القيام بذلك إلّا في حالة استثنائية واحدة نادرة مقررة بالمادة 181 من الدستور بقيود وضوابط وإجراءات واضحة ومحددة.
وتنص تلك المادة على أنه «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلّا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبيّنها القانون، ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء، أو المساس بحصانة أعضائه»، ولفترة زمنية محددة أيضاً، كما هو مقرر في نصوص أخرى.
لكنّ الأمر الأميري بحل مجلس الأمة وتعطيل بعض أحكام الدستور، أخرج الدولة عن المشروعية الدستورية، وأدخل البلد في فوضى وإرباك قانوني لا تزال نتائجه حاضرة، وكان بدايةً لمتوالية من التخبّط القانوني، الذي كانت بدايته تلك القشة، وسنوضح تباعاً متواليات تلك الفوضى القانونية:
- قرر أمر حل مجلس الأمة وتعليق أحكام الدستور، نقل السلطة التشريعية للأمير من خلال أوامر ومراسيم بقوانين، وكأنه يضع قواعد ومرجعية دستورية جديدة، خارج رحم الدستور.
- عطّل أمر الحل نحو 18 مادة في الدستور، تمثّل في حقيقتها تعطيل ثلثَي مواد الدستور.
- تاهت المحاكم، وعلى رأسها المحكمة الدستورية، في التعامل مع «وضع خارج رحم الدستور»، فرأت في أحكام أن للأمير سلطة حكم واقعية تستمد من أمر الحل لسنة 1976، والواقعي «يعتبر بحكم القوة» وليس شرعياً، وهو تناقض وقعت فيه المحكمة، فهي وجدت لحماية الدستور لا غيره من الأدوات التي تخالفه، حتى لو كانت صادرة عن الأمير.
- وعلى الرغم من تلك الحيرة، فقد حكمت المحكمة الدستورية، بعدم دستورية أمر أميري بقانون تحديد خط أملاك الدولة عام 1980، وذلك لمخالفته للدستور، خصوصاً المادة 179 منه، وهنا انتصرت المحكمة لأحكام الدستور، واعتبرت أمر الحل بشكل غير مباشر غير دستوري.
- منذ تلك الفترة بدأ التخبط والفوضى القانونية، ودخلنا في دوّامة من المتناقضات.
- في عام 1980 تم تشكيل لجنة للنظر في تنقيح أحكام الدستور، وهي مولود من خارج رحم الدستور، وأدخلتنا في تخبُّط جديد.
- كان مجلس 1981، رغم ما عليه من تحفّظات بأسلوب انتخابه، الجسر الذي عبر بنا من حالة الفوضى عودةً إلى المشروعية الدستورية لدستور 1962.
- وحينما حُلّ مجلس الأمة سنة 1986 بنفس أسلوب حل 1976، عدنا إلى الفوضى مرة أخرى.
- وفي 1990 أنشئ ما يُسمى المجلس الوطني، ليكون بديلاً لمجلس الأمة، وأدخل البلد في تخبّطات جديدة، انتهت بالغزو العراقي للكويت.
- وجاء مؤتمر جدة ليكون مَخرجاً للعودة إلى الشرعية الدستورية بتوافق صريح بين الأسرة الحاكمة والشعب، وكان انتخاب مجلس 1992 ترجمة عملية لتلك العودة الصحيحة.
- سببت تلك الممارسات حالة من الإرباك والفوضى القانونية، وتشابكاً بين قواعد الشرعية الدستورية والمشروعية الدستورية، وما صاحبها من اتجاه يعمل على تبرير تصرّفات السلطة، واتجاه يسعى إلى تعزيز الشرعية والمشروعية، وفقاً لدستور 1962.
- وتوالت في مجلسي 1992 و1996، وما بعدهما من مجالس، حالات الخروج على الدستور، فألقت بظلالها على حالة الفوضى المستمرة.
- حتى جاء مجلس 2012 وحالة إبطاله التي أدخلت البلد في تخبّط قانوني جديد.
- وأسوأ تلك المراحل طريقة انتخاب مجلس 2013، ثم ممارساته خارج رحم الدستور، ومن بعده مجلس 2016، وأخيراً 2020 الذي بلغ مرحلة متقدمة لتعطيل أحكام الدستور والفوضى القانونية.
- وفي جميع تلك المراحل، كان القضاء تائهاً متردداً ومحارباً لأحوال الواقع، بدلاً من فرض المشروعية، وهي حقبة مؤذية، وهو ما لمسناه في حكم المحكمة الدستورية الصادر في 19/ 3/ 2022، بإبطال مجلس الأمة، رغم صحة وسلامة مرسوم الحل.
ولابد هنا أن نؤكد أنه لا يُصلح القانون ما تفسده السياسة، ولا مجال لخروج قانوني آمن، بعد فرض سياسة الأمر الواقع مصدراً للمشروعية وأعمال الدولة، ولذا، فإننا نأمل من القيادة السياسية أن تطوي هذا الملف للأبد، لتنتهي الفوضى القانونية، وتستقر أمور البلد وفقاً لدستور 1962.