ضربة من غير احتساب، هكذا يمكن وصف العقوبات الأميركية التي فرضتها وزارة الخزانة على الشقيقين ريمون وتيدي رحمة. ولهذه العقوبات أكثر من هدف وإصابة، من الناحية السياسية ولجهة التوقيت. خلال زيارتها الأخيرة إلى بيروت كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربارا ليف واضحة في التحذير من إمكانية لجوء واشنطن إلى فرض عقوبات على شخصيات لبنانية بسبب تورطها بالفساد وفي حال الاستمرار بتعطيل انجاز الاستحقاق الرئاسي. وبالتالي فإن هذه العقوبات تندرج في خانة ما كانت المسؤولة الأميركية قد حذّرت منه. أما الشخصيات المستهدفة، فلها أكثر من بعد، لا سيما بسبب تشعّب علاقات آل رحمة السياسية على الساحة المسيحية وغيرها، وهذا ربما يبرر السبب الذي وقف وراء عدم لقاء المسؤولة الأميركية مع القوى المسيحية، الأمر الذي اثار استياء ولا سيما استياء البطريركية المارونية التي أرسلت رسالة احتجاج للسفارة الأميركية على هذا التصرف، وهو ما دفع السفيرة الأميركية دوروثي شيا لزيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم الاثنين الفائت.
لبنانياً، جرى تفسير هذه العقوبات بأنها رسالة سلبية واضحة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والمعروف أنه يرتبط بعلاقات قوية مع آل رحمة، كما غيره من السياسيين الذين يرتبطون بهما، ولكن يبقى هو في رأس قائمة المستهدفين باعتبار أن المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية. جاءت العقوبات الأميركية في أعقاب الزيارة التي أجراها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز الخليفي على المسؤولين اللبنانيين للبحث في كيفية إخراج لبنان من أزمته والوصول إلى اتفاق سياسي يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا سيما ان المعلومات تفيد بأن الزيارة القطرية منسقة مع السعودية، والولايات المتحدة الأميركية ومع إيران أيضاً.
لا يمكن إغفال رسالة العقوبات الأميركية عن المسار الفرنسي المطروح أيضاً، خصوصاً أن باريس لا تزال متمسكة بخيار المقايضة بين فرنجية لرئاسة الجمهورية، ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وبالتالي هنا تحضر أسئلة كثيرة أبرزها عما اذا كانت العقوبات الأميركية رسالة واضحة لباريس بأن هذا الخيار مرفوض لا سيما ان توقيت فرض العقوبات يتشابه إلى حدود بعيدة مع العقوبات التي فرضتها واشنطن على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في العام 2020، والتي جاءت بعد إطلاق فرنسا لمبادرتها في لبنان وخلال محاولات تشكيل الحكومة اللبنانية برعاية فرنسية وبموجب المبادرة، حتى اعتبرت العقوبات في حينها ضربة قاسمة للمبادرة الفرنسية وتعبيراً عن الرفض الاميركي لمسارها.
عملياً، فإن مرحلة ما بعد العقوبات يفترض أن تكون غير ما قبلها. وهذا ما يفترض أن تكشفه الأيام المقبلة، علماً ان الملف اللبناني سيكون حاضراً على جدول أعمال لقاء وزيري خارجية إيران والمملكة العربية السعودية الخميس في الصين. وبالتالي لا بد من انتظار ما يمكن أن يتوصل إليه هذا الاجتماع وإذا كان سينعكس سريعاً على الواقع اللبناني أم لا، وسط معطيات تفيد بأن طهران تريد حل الأزمة اللبنانية.
في هذا السياق، وعلى وقع العقوبات أيضاً، اجتمع النواب المسيحيون برعاية البطريركية المارونية في خلوة بيت عنيا بمنطقة حريصا، بناء على دعوة كانت قد وجهتها لهم البطريركية المارونية وذلك للتأمل والصلاة وللبحث في الملف الرئاسي اللبناني وكيفية التوافق فيما بينهم على عدد من الأسماء للذهاب إلى اختيار من بينها رئيساً لا سيما أن هناك جهات لبنانية تحمل المسيحيين مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية.