شادية... الدلوعة الحائرة بين الأزهار والأشواك

• 5 زيجات... وتهديد بالانتحار وطلاق في ليلة الزفاف الأول!

نشر في 07-04-2023
آخر تحديث 06-04-2023 | 17:12
تألقت الفنانة شادية في فضاء الفن، وتعتبر من أهم النجمات في تاريخ السينما المصرية، وتناغمت مسيرتها بين التمثيل والغناء، وحفلت حياتها الخاصة بالعديد من المواقف والحكايات البهيجة والمحزنة، وصارت نجمة حائرة بين الأزهار والأشواك، واعتزلت في أوج شهرتها، واحتجبت عن الأضواء، حتى رحيلها في 28 نوفمبر عام 2017 عن عمر ناهز 86 عاماً. أطلق النقّاد والجمهور على شادية لقب "دلوعة الشاشة"، وامتد مشوارها الفني من عام 1947 إلى 1984، قدّمت خلالها نحو 112 فيلماً و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة "ريا وسكينة"، إلى جانب رصيد كبير من الأغنيات العاطفية والوطنية، وتعاونت مع كبار المخرجين والملحنين، وأصبحت إحدى أيقونات الفن في العالم العربي. كرّست شادية حياتها للفن، وتوالت فصول حياتها كشريط سينمائي حافل بالتشويق والإثارة، وبطلته تلتمع عيناها بحزنٍ شفيف، ورغم إطلالتها الجذابة، وبلوغها قمة النجومية، فإنها كانت تُخفي قدراً كبيراً من الأسرار، وتجارب زيجاتها بين عواصف الحب والدموع، وحرمانها من الأمومة، ولا عزاء لها إلا حب الملايين من عشاق فنها الراقي.
تعلقت “الدلوعة” بالفن منذ طفولتها، حين انتقلت أسرتها من محافظة الشرقية (شمال شرق القاهرة) إلى العاصمة، وجاء مولدها بحي عابدين في 8 فبراير 1931، وسُميت “فاطمة”، وكان والدها أحمد كمال شاكر مهندساً زراعياً، ومشرفاً على أراضي الخاصة الملكية، ويتمتع بقدرٍ كبير من الثقافة وتذوق الفنون، ويقتني أسطوانات لنجوم الطرب في ذلك الوقت، مثل منيرة المهدية وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.

واعتادت الطفلة الذهاب مع والدها إلى السينما، وجذبها بريق الشاشة، وباتت تقلِّد نجمات الأفلام، وتحفظ أغاني المطربات، وترددها في مجالس الأسرة، وأبهرت الجميع بصوتها العذب، وأدائها المتقن، وساهم هذا التشجيع في صقل موهبتها، وتنامي شغفها بالفن.

«دلوعة الشاشة» تدخل عالم التمثيل عن طريق المصادفة

العقل في إجازة

ودخلت شادية إلى عالم التمثيل بالمصادفة، عندما شاهد والدها إعلاناً عن مسابقة فنية تنظمها شركة “اتحاد الفنانين” التي أنشأها المخرج حلمي رَفلة عام 1947، لاختيار وجوه جديدة، للتمثيل.

واصطحبها والدها إلى لجنة المسابقة، ووقفت الفتاة ذات الستة عشرة عاماً أمام أعضاء اللجنة، وبمجرد مشاهدتها، تحمّس لها المخرج أحمد بدرخان، ثم تعهّد حلمي رفلة بتبنيها فنياً ومنحها اسمها الفني “شادية”.

وفي نفس العام، ظهرت في فيلمين، أولهما “العقل في إجازة”، إخراج حلمي رفلة وبطولة محمد فوزي وليلى فوزي، والثاني “أزهار وأشواك” للمخرج محمد عبدالجواد، وقامت فيه بالتمثيل والغناء أمام عماد حمدي وهند رستم.

وكان والدها يحرص على الذهاب معها إلى استوديو التصوير، وفي الأيام التي ينشغل فيها بعمله يرسل معها والدتها، وخصّص مساعِدة للذهاب معها والبقاء في حجرتها منذ ذهابها وحتى عودتها إلى المنزل.

وذات يوم في أثناء تصوير مشهد من فيلم “أزهار وأشواك” جلست مساعِدة الممثلة الصاعدة في الغرفة، وفجأة سمعت صوت صراخ في موقع التصوير، فخرجت لتستطلع الأمر، وفوجئت ببطل الفيلم يصفع شادية على وجهها، ولم تتمالك نفسها، واندفعت نحوه تؤنبه، وأبلغته أنها ستهاتف والدها للحضور ورد اعتبار ابنته، وغادرت الاستوديو مسرعة، تبحث عن أقرب هاتف.

وعلى الفور أوقف المخرج التصوير، وانفجر الحضور في الضحك، وبعد ساعة حضر الأب غاضباً، وتساءل عن سبب ضرب ابنته، لكنه تفهّم الأمر وعلم أنه مجرد تمثيل، وتحوّلت الصفعة إلى موقف كوميدي.

صفعة على وجه النجمة الشابة تتحول إلى موقف كوميدي

ثنائيات فنية

ولفتت النجمة الصاعدة الأنظار إليها وتحمس المخرجون لموهبتها كممثلة ومطربة، وفي الأعوام التالية شاركت شادية في بطولة عدة أفلام، أولها “عدل السماء” للمخرج أحمد كامل مرسي، و”الروح والجسد” و”حمامة السلام” و”ليلة العيد” مع المخرج حلمي رفلة.

وودّعت شادية مرحلة البطولة المشتركة مع نجوم الأربعينيات، وأسند إليها المخرجون بطولات مطلقة على مدى ثلاثة عقود، لكنها كوَّنت ثنائيات فنية مع نجوم من أجيال مختلفة، منهم كمال الشناوي وصلاح ذوالفقار وعماد حمدي وأحمد مظهر وفريد شوقي ومحمود ياسين.
مع زوجها المهندس عزيز فتحي مع زوجها المهندس عزيز فتحي


زواج وانفصال

عندما بلغت شادية سن العشرين، بدأ والدها يشعر بالقلق على مستقبلها، لا سيما أن تيار الفن جرفها بعيداً عن التفكير في الزواج، وتوترت العلاقة بينهما، وتعرّضت مرة أخرى للتهديد بحرمانها من التمثيل، ووقتها لم تتفهم مشاعر أب يريد لابنته السعادة والاستقرار، واعتبرت ذلك نوعاً من التدخل في حياتها الشخصية، وترسخت قناعتها بأن الزواج سيهدد مستقبلها الفني، وتزايدت عليها الضغوط من والدها وأسرتها.

وذات يوم تقدَّم لخطبتها شاب، ووجد والدها أنه الزوج المناسب لابنته، وحين رفضته، تحوَّل الأمر إلى نوع من الإجبار، وتفاجأت شادية بإحضار والدها عريساً يعمل في مهنة التدريس، ويرغب في عقد القران مباشرة من دون مقدمات، ورغم اعتراضها فإنها وجدت موافقة من أهلها، وأقيمت مراسم الزواج رغماً عنها!

واشتعلت في داخلها ثورة من الغضب، وشعرت أنها في مأزق، وأن استسلامها للأمر الواقع سيسلبها إرادتها طوال العمر، ولاحت لها فكرة للتخلص من هذه الزيجة، فهدّدت أسرتها بالانتحار، وأجادت تمثيل المشهد كما تفعل أمام الكاميرا، ولاحظ والدها إصرارها على الانتحار، فوافق على طلاقها من زوجها في ليلة الزفاف!

وتوالت رحلة “الدلوعة” مع الفن، وأصبحت محبوبة الجماهير، لكنها وقعت في الحب أكثر من مرة، وتعددت زيجاتها، واقترنت بالمهندس عزيز فتحي، والفنان عماد حمدي، والفنان صلاح ذوالفقار، والصحافي مصطفى أمين.

وثيقة زواج عرفي تزعم ارتباطها بالصحافي الشهير مصطفى أمين



الفتى الأول

ودارت في كواليس النجمة المحبوبة، تفاصيل مثيرة حول زواجها من الفنان عماد حمدي، وكان أول نجم تظهر معه على الشاشة، وقدما العديد من الأفلام الناجحة، منها “ليلة من عمري” و”ميرامار”، إلا أن غيرته الشديدة كانت سبباً في انفصالهما سريعاً، لأنه كان يكبرها في العمر، بينما هي في قمة جمالها. وسجّل الثنائي ظاهرة فريدة في السينما المصرية، حين شاركها التمثيل بدور الفتى الأول، ثم بعد سنوات لعب دور والدها في عدة أفلام.

عفريت مراتي

التقت شادية وصلاح ذوالفقار لأول مرة في فيلم “عيون سهرانة” (1956)، وتزوجا في عام 1964، واشتركا معاً في عدة أفلام ناجحة، منها “عفريت مراتي” و”مراتي مدير عام”، وكانا من أشهر الثنائيات الفنية في فترة الستينيات، ودام زواجهما خمسة أعوام، ووقع الانفصال بينهما بهدوء تام في أغسطس 1969.

الغيرة الزائدة تتسبب في انفصالها عن زوجها الفنان عماد حمدي







سنة أولى حب

وعندما أُلقِي القبض على الصحافي الشهير مصطفى أمين بتهمة التجسس عام 1965، تكشفت مفاجأة مُدوية، حين عُثِر في درج مكتبه على وثيقة زواج عُرفي من فاطمة أحمد كمال شاكر الشهيرة بـ”الفنانة شادية”، وسرى الخبر كالنار في الهشيم من دون إعلان هوية الزوجة، إذ تناثرت الشائعات أن نجمة شهيرة تزوجت سراً من الصحافي المعروف، وذهب البعض إلى أنها السيدة أم كلثوم.

وإذا صحت الواقعة، فإن شادية تزوجت مصطفى أمين بعد طلاقها من عماد حمدي، والمفارقة أن شادية شاركت عبدالحليم حافظ بطولة فيلم “معبودة الجماهير” المأخوذ عن قصة لأمين، من دون ذكر اسمه في “التتر”، وعُرِض الفيلم في عام 1967، وحقق نجاحاً كبيراً، بينما مؤلفه ماثل خلف القضبان!

وبعد سنوات، أفرج الرئيس أنور السادات عن مصطفى أمين، وقامت شادية ببطولة المسلسل الإذاعي “سنة أولى حب” عام 1974، وكان أمين قد كتبه كعملٍ روائي أثناء فترة اعتقاله، ونشره على حلقات باسم مستعار في مجلة “الشبكة” اللبنانية.

طالت شادية شائعات حول ارتباطها بكثير من نجوم أفلامها، ومنهم فريد الأطرش، لا سيما أنهما التقيا في فيلمين من إخراج يوسف شاهين، هما “ودعت حبك” (1956)، و”أنت حبيبي” (1957)، ودارت في الكواليس أقاويل عن قصة حب جمعت بينهما، ولكنها ذهبت أدراج الرياح.

وثمة قصة أخرى بطلها النجم كمال الشناوي، الذي التقى شادية في 30 فيلماً، أغلبها ذو طابع رومانسي، ودار العديد من الحكايات حول علاقة عاطفية بينهما، وثبت أنها منافية للحقيقة، بعد أن تزوج الشناوي من عفاف شقيقة شادية.

النجمة المحبوبة تتزوج صلاح ذوالفقار بعد «عيون سهرانة»

الصدمة والاعتزال

أسرار خطيرة تُروى لأول مرة عن حياة الفنانة شادية، كشفها الفنان سمير صبري، حول اعتزال النجمة المحبوبة، بعدما تعرضت لصدمات عديدة، منها أن حلم حياتها كان أن تصبح أماً، وأنها حملت بالفعل ثلاث مرات من زوجها الفنان صلاح ذوالفقار، لكن الحمل لم يكن يكتمل.

وكانت شادية تراعي أطفال عائلتها، واعتبرت أن ابن أخيها بمثابة ابن لها، لكنها صُدِمت بوفاته المفاجئة، وقت عملها بمسرحية “ريا وسكينة”، وأصيبت بصدمةٍ، وتلقت صدمة أخرى، حين شخَّص الأطباء متاعبها الصحية بأنها مصابة بسرطان الثدي، وبالفعل استأصلت ثدييها، لكنها اكتشفت لاحقاً أنها لم تكن مصابة بهذا المرض، وأن التشحيص كان خاطئًا!

ولم تحتمل النجمة الرقيقة تلك الصدمات المتوالية، ودخلت في نوبة اكتئاب شديد، ما جعلها تقترب أكثر من الله، وتكثف العبادات أكثر مما كانت عليه، وتعتزل الفن نهائياً.

لم تُرزق بأطفال رغم عشقها للصغار لم تُرزق بأطفال رغم عشقها للصغار

«حرامي الغسيل» يحتفظ بمنديل الفنانة المشهورة

تعرضت شادية لحادث سرقة غريب وطريف، في الخمسينيات من القرن الماضي، وحكت القصة لإحدى المجلات الفنية، حيث سرق لص ملابسها التي كانت منشورة على سطح منزلها، ولكنها عادت إليها مرة أخرى ما عدا “منديل”.

الفنانة الراحلة، قالت إن أسفل منزلها كان يوجد مكوجي يعرف عائلتها ويبدي إعجابه بها بعد ظهورها في فيلم “حمامة السلام” عام 1947، وعندما علم بأمر السرقة، ذهب إلى رجل يعرف جميع لصوص الغسيل الموجودين في المنطقة ويخشون منه.

وتابعت: “اتصل هذا الرجل بكل اللصوص المتخصصين في سرقة الملابس من فوق الأسطح، حتى توصل للشخص الذي سرق ملابسها، وعندما علم اللص أنها تخص الفنانة شادية، أعادها كلها ما عدا منديلاً واحداً صمم أن يحتفظ به كتذكار من الفنانة المشهورة، وهو ما قبلته دلوعة الشاشة بالضحك وسمحت له بالاحتفاظ بالمنديل مقابل إعادة المسروقات”.

تشخيص طبي خاطئ يدفعها للاعتزال في أوج شهرتها

تبرعت بشقتها لمرضى السرطان وسكنت بالإيجار!

اعتزلت الفنانة شادية في منتصف الثمانينات، ولا يعرف الكثيرون أن لها العديد من المواقف الإنسانية غير المعلنة، والبعيدة عن عدسات الكاميرا، دار بعضها في كواليس أعمالها الفنية وحياتها الخاصة، ما جعلها تحظى بتقدير وحب زملائها خلال مسيرتها الفنية على مدى 40 عاماً.

ومن هذه المواقف الإنسانية، أنها كانت الأعلى أجراً في مسرحية “ريا وسكينة”، وكان الممثلون يتقاضون أجورهم في المسرحية كل 15 يوماً ولكل ممثل ظرف خاص به، واعتادت شادية أن تحضر 40 مظروفاً فارغاً، وتضع فيها مبالغ متساوية، وتمر على عمّال المسرحية والكومبارس وتعطي لكل واحد منهم مظروفاً، واللافت أن النجمة الكبيرة كانت لا تستدعيهم، بل تذهب إليهم بنفسها.

ومن موقفها الإنسانية أيضاً أنها عندما علمت أن الفنانة سميحة توفيق التي شاركت في مسرحية “ريا وسكينة” بدور “أم بدوي” مريضة بالكبد، ظلت تنفق على علاجها لمدة تقترب من 30 عاماً، حتى توفيت سميحة عام 2010.

وفي بداية الثمانينيات علمت شادية أن الدكتور مصطفى محمود يبني مركزاً طبياً في حي المهندسين بالقاهرة، فتبرعت بشقتها لبناء أول وحدة لاكتشاف مرض السرطان، وكانت الشقة مكوّنة من سبع غرف وقيمتها وقتها كانت 150 ألف جنيه، وحالياً تقدر بأكثر من 10 ملايين جنيه، وسكنت النجمة الكبيرة مع والدتها في شقة بالإيجار قُرب حديقة الحيوان في محافظة الجيزة، ك ما تبرعت بأرض خاصة بها في ضاحية الهرم لبناء مجمّع طبي.

back to top