بقايا خيال: المشكلة في تغييب القانون... لا بكثرة رخص القيادة!!
قبل سنوات وخلال الاحتفالات الوطنية، أودع وزير الداخلية آنذاك مجموعة من الشباب الكويتيين المستهترين نظارة مخفر الشرطة لعدم التزامهم بتعليمات «الداخلية»، عندما اعتدوا على آخرين، بأن تعمدوا رش بالونات المياه والرغوة عليهم فتسببت بأذى للبعض، وكان من بين المقبوض عليهم شباب من «علية القوم»، حينها وصل الخبر إلى سمو رئيس الوزراء الذي قام بالاتصال بوزير الداخلية طالباً إطلاق سراح أبناء «علية القوم» فقط، ولم يستطع الوزير الامتناع عن تنفيذ تعليمات رئيسه، فاضطر حينها إلى إطلاق سراح كل المستهترين المقبوض عليهم للتهم والأسباب ذاتها بسبب «اللي على راسهم ريشة»، وبعدها قام وزير الداخلية بتقديم استقالته فوراً لأنه أحس بالإهانة لعدم قدرته على تطبيق القانون، ولأنه بقبوله تنفيذ أوامر عليا أضاع هيبته وهيبة من معه من قوة الشرطة التي كانت تحاول أن تنفذ قرارات كانت قد صدرت للمصلحة العامة.
ومنذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا وكل من يعيش في الكويت صار «على رأسه ريشة»، بسبب تغييب القوانين وبسبب تدخلات المتنفذين المتواصلة من قبل وزراء سابقين وحاليين ومن نواب سابقين وحاليين، مقربين من الحكومات المتعاقبة، وبسبب تدخلات آخرين من علية القوم يتوسطون فيكسرون القوانين لصالح المستهترين والمخالفين، وإلا فكيف صارت الكويت بلد المتناقضات، عندما أطلق عليها البعض «بلد الإنسانية» وأطلق عليه البعض الآخر «معقل التزوير في كل شيء» بسبب تغييب القوانين، وكيف حصل مئات الآلاف من الوافدين على رخص قيادة مركبات رغم تدني رواتبهم الشهرية، ولا يحملون شهادات جامعية، في مخالفة صريحة لقوانين المرور وتعليمات وزارة الداخلية؟
ورغم ذلك أقول إن المشكلة ليست في كثرة المخالفين من الوافدين للقوانين المرورية، بل هي في الكويتيين أنفسهم عموماً، وفي مجموعة من الكويتيين المنوط بهم استصدار رخص القيادة، فأهملوا التدقيق في أوراق الوافدين المتقدمين للحصول على الرخصة، أو هم تعمدوا غض النظر في تلك الأوراق، فاعتمدوا على معلومات مغلوطة أو مزورة، أو لأن المتقدم لديه واسطة معتبرة «مالياً أو وجاهةً»، ولهذا كبرت المشكلة كما تكبر كرة الثلج، ولكن مشكلتنا كبرت في الاتجاه المعاكس، فإذا كانت كرة الثلج تتدحرج من القمة إلى القاع، فإن مشكلة إهمال التدقيق أو قبول الواسطة يدفعها المنتسبون للداخلية من أسفل الهرم الوظيفي إلى الأعلى، وبمعنى آخر، من الموظف الذي يتسلم أوراق الطلب وصولاً إلى أكبر ضابط في الإدارة العامة للمرور، إن لم يكن عند من هو أعلى منه.
ولو كنت في موقع المسؤولية لما اقتربت من أي مستخدم للطرق، كويتياً كان أم وافداً، طالما كان يسير بمركبته حسب الأصول المرعية، بل حاولت تطبيق القوانين المرورية بحذافيرها دون الالتفات إلى أي واسطة مهما كانت مكانة هذه الواسطة، عندها فقط سيسير الجميع مثل عقارب الساعة، تماماً مثلما يحدث في كل دول العالم التي يصدق فيها رجال الأمن في الحفاظ على أرواح مستخدمي الطرق لتحقيق الأمن والأمان، بل تماماً كما كان يعمل الفريق المتقاعد عبدالفتاح العلي، الله يذكره بالخير، في تطبيق القانون على الجميع، فعشقه الجميع، حتى اصطدم بمصالح المتنفذين الذين يعشقون كسر القوانين متى شاؤوا.