ما كلّمت أحداً محباً لوظيفته أو هوايته في حياتي إلا شعرت بعظمة تلك الوظيفة أو الهواية، ولو كانت متواضعة، لأن المحب مخلص لمن يحب، يقول د. مصطفى محمود في بدايات حياته الوظيفية «إنني بحثت عن السعادة كثيراً وتأملت فيها، فلم أجدها إلا في العمل».

إذن، لماذا نلاحظ ملامح البؤس والضجر على الموظفين في أغلب الدوائر الحكومية؟ هل بسبب التعيينات العشوائية؟ أم أن مفهوم الوظيفة قد تغير مع الزمن؟

Ad

إن تردي مستوى الخدمات الحكومية في أي مجال يعود لأسباب كثيرة، أهمها التعيينات العشوائية التي لا تراعي تعيين أصحاب الشهادات في أماكنهم الصحيحة، وهذا بلا شك خلل في الإدارة لا يتحمله المواطن البسيط، ولست بصدد الحديث عن هذا الموضوع.

لكن ما يؤسفني حقّاً أن تتغير ثقافة الشباب أنفسهم في اختيار الوظيفة، فصارت القاعدة العامة عند أغلب الشباب في اختيار الوظيفة «برستيج» المسمى الوظيفي، والراتب العالي مع الجهد القليل، ولم يعد شغف العمل في ما يحبه الإنسان ويبدع فيه هو الأساس، إلا ما ندر، فصارت طبيعة العمل غير مهمة، وصار اختيارنا للوظائف على حسب الراتب لا على حسب طبيعة توافقنا مع العمل.

يقول علي بن أبي طالب، رضي ﷲ عنه: «قيمةُ كلِّ امرئ ما يُحسِنُه»، بمعنى أن قيمتنا الحقيقية مرتبطة بما نحسنه أو نتقنه لا فيما نكسبه، فلماذا عكسنا القاعدة وصرنا نقيم الناس فيما يكسبون لا فيما يحسنون عمله؟

إن إتقانك لوظيفتك التي ارتضيت أن تعمل بها وتكون جزءاً من شخصيتك هي قيمتك الحقيقية في المجتمع، فلا تتباهَ بوظيفة لست أهلا لإتقان مهامها ولا فهم طبيعتها، فالناس لا يحترمون من لا يحترم طبيعة عمله ولا يلتزم بأخلاقيات الوظيفة، يقول نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس...».

إن أغلب الناس بطبيعتهم يمتنون للشخص الناصح الذي يحسن خدمتهم على أكمل وجه، ويثنون عليه بالكلمة الطيبة، أو حتى بالدعاء له في ظهر الغيب، ويرونه عملة نادرة في مجتمع يفتقر لإتقان ما يعمله! وجاء في الحديث: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ».

ومن أهم أسباب تقدم الغرب ونجاحهم في المجالات العلمية والوظيفية اعتزازهم بما يتقنون، وهذا يكفي للارتقاء بالمستوى الوظيفي، فهم يبحثون عن طبيعة العمل المناسبة لهم، ونحن نبحث عن طبيعة الاسم!