كان سمير صبري يتمتع بحضور مميز كممثل، وتراوحت أدواره بين الكوميديا والتراجيديا، وظهرت موهبته في الغناء والأداء الاستعراضي والفوازير، وقدَّم برامج تلفزيونية ناجحة، منها «النادي الدولي» و«هذا المساء» و«بدون كلام» و«ليلة في شارع الفن».

ورغم قائمة الأعمال الطويلة لهذا الفنان الشامل، فإنه اعتلى خشبة المسرح ثلاث مرات فقط، الأولى في مسرحية «العبيط» (1964)، إخراج عبدالمنعم مدبولي وبطولة محمد عوض، والثانية «يا إحنا يا هي» (2009)، إخراج محسن حلمي وبطولة سميحة أيوب، والثالثة «قطط الشوارع» (2010)، إخراج عادل عبده وبطولة دوللي شاهين. وحلق صبري في عالم الغناء، وتحمس لموهبته كبار الملحنين، منهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذي لحّن له أغنية «أنا إيه حكايتي»، تأليف الشاعر حسين السيد، ضمن أحداث فيلم «العيال الطيبين» (1976)، ولحن له الموسيقار بليغ حمدي «حلوة الدنيا سكر»، كلمات الشاعر عبدالوهاب محمد، ضمن دويتو غنائي مع الفنانة شادية في فيلم «نص ساعة جواز» (1969).

كما قدّم العديد من الفعاليات الفنية على مدار سنوات طويلة، وشهد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2021، آخر ظهور للفنان سمير صبري في مناسبة فنية، حين قدم على المسرح النجمة نيللي أثناء تكريمها ضمن فعاليات المهرجان.
Ad


وفي ذروة هذا العطاء المتصل، لأشهر عازب في الوسط الفني، توارت حياته الخاصة عن الأضواء، ما فتح المجال لشائعات وروايات متضاربة عن زيجاته وحياته الخاصة، وظل كاتم الأسرار لأصدقائه من النجوم، يمتنع عن كشف غموض لغز عزوفه عن الزواج، والعيش وحيداً في سراب الأحلام.
حكايات العمر

بدت حياة سمير صبري كشريط سينمائي طويل، دارت مشاهده الأولى على شاطئ الإسكندرية، حين وُلِد في عام 1936، لعائلة ثرية تسكن أرقى أحياء المدينة الساحلية، وتعرَّف في وقت مبكر على رموزها الفنية في الموسيقى والغناء والتمثيل والرسم، منهم سيد درويش ومحمود سعيد وسيف وانلي، وتشكّلت لديه ذائقة منفتحة على تيارات الإبداع والثقافة. وظلت تلك الفترة لا تبرح خياله، وسرد تفاصيلها في مذكراته «حكايات العمر كله» التي نشرها قبل عام من رحيله، واستعاد ذكرياته في الإسكندرية، وعروض الفرق المسرحية الكبيرة التي حضرها مع عائلته، ودراسته في «فيكتوريا كوليدج» الشهيرة بتخريج ملوك وساسة ونجوم في الفن والأدب، منهم ملك الأردن السابق الحسين بن طلال، ومن الكويت هلال الساير وزير الصحة السابق، وعبدالله النفيسي المفكر والأكاديمي، ومن مصر الممثل العالمي عمر الشريف والمخرج يوسف شاهين، والمخرج شادي عبدالسلام، ومن فلسطين المفكر إدوارد سعيد.

وفي تلك الفترة كانت الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية متعددة الجنسيات، تعيش بها أكثر من جالية أجنبية، وكان كل من يعيش فيها إسكندرانياً، مهما كانت جنسيته أو ديانته، ومن هنا تعلّم صبري تقبُّل الآخر، وكذلك من مدرسة «فيكتوريا كوليدج».

الصدمة الأولى

رغم نشأته في أجواء أرستقراطية، تعرّض سمير صبري في فترة صباه لأول صدمة في حياته، عندما انفصل والداه، الأب اللواء جلال صبري، والأم سعاد، وتركت أثراً دامياً في نفسه، ودفعته لاحقاً أن يطوي تفاصيل حياته الشخصية في سرداب عميق، حتى لا يجتر ذكرياته المؤلمة، وصارت مجرد خيالاتٍ باهتة، ولكنها تستعصي على النسيان.

وبعد سنوات طويلة، أفصح صبري عن تفاصيل تلك الحادثة، وكأنها حدثت بالأمس القريب، ووقتها كان في منزل جده بالإسكندرية وجاءت والدته وأخبرته أنها ستسافر إلى القاهرة، وأنه سيبقى مع والده وشقيقه الأصغر سامح في مدينة الثغر، وطلبت منه أن يهاتفها في أي وقت يشاء، وودعته والدموع تنساب من عينيها. وأخبره جده بما حدث، وتساءل الصبي حينها عن معنى كلمة الطلاق، وكان عليه أن يتقبّل الأمر، ولكنه شعر بجرح في نفسه، لكن معالجة أمه وأبيه للموضوع، خففت من وطاة الألم الذي يشعر به، وفي النهاية احترم اختيار والده عندما تزوج، واحترم اختيار والدته عندما تزوجت، وكانت سعادتهما لا توصف حين تخرج في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية.

التدريس والفن

بدأ سمير صبري حياته المهنية، عندما كان يدرس في السنة الأولى من كلية الآداب، ولإجادته اللغة الإنكليزية، رشحه أستاذه للتدريس في مدرسة «إي جي سي» للبنات، وهناك التقى مديرة المدرسة، وأخبرته أنه سيُدرِّس للتلميذات الصغيرات مرتين في الأسبوع، مقابل 13 جنيهاً شهرياً، وبعد أيام قليلة، فقد المدرس الوسيم وظيفته، وصارحته المديرة: «البنات بيقفوا يتفرجوا عليك... متأسفة مش هتكمل معنا في المدرسة خوفًا عليك»! واستكمل صبري دراسته بكلية الآداب، ورفض أن يكرّر تجربة التدريس مرة أخرى، وانطلق إلى القاهرة، وشاءت المصادفة أن يسكن في عمارة بضاحية الزمالك، يقطن فيها المطرب عبدالحليم حافظ، وذات يوم طرق باب العندليب، وطلب منه فرصة للتمثيل، وظهر بدور صامت في مشهد من فيلم «حكاية حب» (1959).

ورغم شغفه بالفن، ظل طوال حياته يعمل في مجال الإعلام، كمقدم برامج في الإذاعة والتلفزيون، واستطاع أن يحقق حضوره كممثل يتميز بتلقائية الأداء، من دون تكلف أو مبالغة، وقدّم أكثر من 200 فيلم، على مدار مشواره الطويل على الشاشة.

لغز الحب والزواج

تعدّدت الروايات عن الحب والزواج في حياة سمير صبري، وأصبح لغزاً يمتزج فيه الخيال بالحقيقة، وتناثرت تفاصيله عبر أصدقاء الفنان الراحل، وذكريات سردها في مذكراته، وأخرى في لقاءات تلفزيونية، وأثارت تساؤلاتٍ بلا إجابات محددة، وأعطت انطباعاً لدى جمهوره، أنه شغوف بإضفاء حالة من الغموض حول قصة الزوجة والابن الغائب.

وتداولت وسائل الإعلام أخباراً حول سبب غياب نجل سمير صبري عن جنازة والده، الأمر الذي أكده بعض أصدقائه من الوسط الفني، أنه لم يحكِ عن أموره الخاصة لأي شخص إلا نادراً، وفي إحدى المرات تكلم عن قصة حب عاشها عندما كان عمره 21 سنة مع فتاة إنكليزية لم يذكر اسمها. وبعد زواجهما بفترة قصيرة، أخذت ابنها الرضيع وسافرت إلى بلدها، لأنها لم تكن راضية عن انشغاله عنها بعمله في الفن. وذكر أحد أقربائه، أن ابن سمير صبري يعيش في لندن، ويعمل طبيب أسنان، وطلب منه الراحل ألا يخبره عن مرضه، فأذعن لرغبته، ولم يتصل بالابن، فيما نفى بعض أقاربه وجود هذا الابن، وذهب آخرون إلى أن الفنان الراحل لم يتزوج على الإطلاق!

وخلال لقاءاته الإعلامية على مدار سنوات طويلة، لم يتحدث سمير صبري سوى عن زواج واحد له طوال عمره، أثمر عن ابنه الوحيد الذي أطلق عليه اسم «حسن» في بعض اللقاءات، و«علي» في لقاءات أخرى، و«جلال» على اسم والده أحياناً.

ويقول صبري في مذكراته: «عشتُ قصة حب طويلة مع صديقتي، إلى أن طلبت الزواج، فكرت في المسألة، كيف أصارح أبي وأمي بأنني أرغب في الزواج من خواجاية (أجنبية)، وهم يحلمون بحفل زفاف كبير، وأبي يأمل أن أعمل سفيراً بوزارة الخارجية، وبعد إلحاح شديد منها... غامرت وتزوجتها في السر، وانتقلت للعيش معي في شقتي بالزمالك». واختلفت الروايات عن مدة زواجهما، وقيل إنها استمرت لأربع سنوات، والاتصال ظل بينهما، وكان يسافر إلى لندن، ويلتقي بها حتى وفاتها، وبقيت علاقته بابنه ممتدة حتى النهاية، وأنه أصبح في الثلاثين من عمره، ويعيش في نيوكاسل، وتزوج وأنجب ثلاثة أبناء (طارق ونيللي وفايزة).

وتضاربت شهادات المُقربين من الفنان الراحل حول وجود ابن له من عدمه، وفور إعلان الوفاة، قال المنتج السينمائي عادل حسني، إن صبري له بالفعل ابن يقيم في لندن، وسبق أن أرسل له يبلغه بنبأ مرض والده وانتقاله للعلاج في مستشفى للأمراض الصدرية، واكتشف أنه أرسل لابنه على عنوان قديم له كان يقيم ويعمل فيه منذ 15 عاماً، وتبين لاحقاً أنه تركه وانتقل لمكان آخر.

وفي حوار صحافي قديم، قصّ سمير صبري رواية مختلفة، إذ قال إنه تزوج من مضيفة طيران إنكليزية، وأنجب منها ابنه الوحيد «عنبر»، والذي ذكر أنه يدرس في «فيكتوريا كوليدج» بالإسكندرية. تعددت الروايات التي رواها سمير صبري عن اسم نجله، وتكررت أيضاً فيما يخص زوجته، خلال حديثه مع الإعلامي مفيد فوزي، وأسماها «ديت»، إلا أنه بعدما حكى قصة مقابلتهما وحبهما، أشار في نفس اللقاء إلى أن اسمها «موريين» من دون أن ينتبه إلى ذلك، وقال: «سرقتني نداهة الفن من كل شيء، اليوم أشعُر بندمٍ شديد، لأنني لم أستطع الحفاظ على الاثنين؛ زوجتي وابني... وفني».
يقرأ القرآن في المستشفى قبل وفاته
المحطة الأخيرة

تلقى سمير صبري صدمات متلاحقة في سنواته الأخيرة، وفقد الكثير من أصدقائه، منهم نور الشريف ومحمود ياسين وسمير غانم، وكان حريصاً على وداعهم إلى مثواهم الأخير، وتمكن منه المرض، ودخل إلى أحد المستشفيات، وفي غرفته بالمستشفى تسلم جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلمه الأخير «حدث في 2 طلعت حرب» من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، وجاء هذا التكريم متأخراً، وكان يستحق تكريماً مماثلاً من مهرجان القاهرة السينمائي.

وظل الفنان الاستثنائي مفعماً بالأمل، وترك المستشفى، ليقيم في أحد الفنادق، وهناك زاره بعض أصدقائه بشكل دائم، منهم الفنان حسن يوسف وميرفت أمين وأشرف زكي نقيب الممثلين، وبذل الأطباء أقصى جهدهم من أجل استرداد عافيته، ليتمكن من إجراء جراحة عاجلة في القلب.

وعلى الرغم من تدهور حالته الصحية، ظل يمارس مهامه حتى الساعات الأخيرة، وكان يسجِّل حلقات برنامج «ذكرياتي» الذي يُذاع عبر أثير إذاعة الأغاني المصرية، ويجهز لتقديم افتتاح مهرجان الإسكندرية للسينما الفرانكوفونية، وبرحيله ترك فراغاً هائلاً، كونه أحد نجوم جيل العمالقة في السينما المصرية.

سر الخاتم المنقوش بلفظ الجلالة

في أحد اللقاءات التلفزيونية، كشف الفنان سمير صبري، سر خاتمه المنقوش بلفظ الجلالة، والذي ظل يرتديه بصفة دائمة طوال 40 عاماً حتى رحيله، وظهر به في العديد من المناسبات المختلفة.

وفي حوار سابق مع الإعلامية اللبنانية راغدة شلهوب، قال صبري إنه أخذ هذا الخاتم من شيخ، عندما كان يؤدي العُمرة، فذات يوم كان جالساً بمفرده أمام الكعبة، قبل صلاة الفجر، وتغمره مشاعر روحانية، فاقترب منه شيخ، وأعطاه هذا الخاتم، ومنذ ذلك الوقت ظل يرتديه، وأحياناً يخلعه، ويظل يبحث عنه حتى يجده، ويرتديه مرة أخرى، وكان يعتز به جداً.
صورة نادرة مع ابنه الوحيد

سماح أنور تنفي إنجابها من الفنان الراحل

ظل الفنان سمير صبري مُتصدراً «الترند» في السوشيال ميديا، لأسابيع طويلة بعد رحيله، وأثيرت تساؤلات عن ابنه ووريثه الشرعي، وقيل إنه لم يذكره في وصيته بالميراث الذي كتبه لبنات خالته.

وفجّر الماكيير المعروف محمد عشوب مفاجأة، حين أعلن أن لسمير صبري ابنين وليس ابناً واحداً، وأقسم أنه رأى معه ابنه من زوجته الإنكليزية في لندن، عندما رافقه لثلاث سنوات عقب تركه لبرنامجه الشهير «النادي الدولي» وسافر إلى عاصمة الضباب، بل ذهب لأبعد من ذلك، أن لصبري ابناً من فنانة شهيرة يُشبهه تماماً، وأن صبري طلب من هذه الفنانة عدم إذاعة أمر ابنهما وإبقاء الأمر سراً.

بعد تصريحات عشوب، توجهت الأنظار إلى الفنانة سماح أنور، لصداقتها الوطيدة بالفنان الراحل، وتصريحه بأنه أحبها وكان من المفترض أن يتزوجها، إلا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة وعقب شرائه خاتم خطبتها، وكان تراجعه بسبب فارق السن الكبير بينهما.

سماح أنور لها ابن وحيد يُدعى أدهم، ونفت أن يكون هذا الابن من سمير صبري، وقالت عبر مقطع فيديو مسجّل، إن نجلها الوحيد هو من رجل يُدعى عاطف فوزي، ونظراً لمرورها بظروف خاصة في تلك الزيجة لم تعلن عن وجود نجلها في البداية، بل قالت إنها تبنت طفلاً يدعى أدهم إلى أن اعترفت بأمومتها له لاحقاً.

وعن علاقتها بسمير صبري قالت إنها تمنت الزواج منه، ولكنهما ارتبطا بصداقة قوية، وطاردتهما الشائعات، وكانا يتجاهلانها، وكان دائماً يتصل بها، ويحرص على حضور عيد ميلاد ابنها.