سفير طاجيكستان لـ «الجريدة •»: للكويت خبرة كبيرة في مواجهة الإرهاب فكرياً

• كيف تصف العلاقات الدبلوماسية بين الكويت وطاجيكستان، بعد أكثر من قرنين من الزمن على تأسيسها؟

- يصادف يوم 31 مارس 2020 الذكرى الـ 25 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين طاجيكستان وشقيقتها الكويت، ومنذ ذلك الحين، تشهد هذه العلاقات نمواً مطرداً على الصعد كافة، من منطلق الأواصر الروحية والأخوة التاريخية الممتدة عبر القرون والقواسم الحضارية والثقافية المشتركة بين شعبَي البلدين، وكذلك صلات الأخوة المتينة التي كانت قائمة بين رئيس طاجيكستان إمام علي رحمان وأخيه سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.

وأُقيمت العلاقات الدبلوماسية الحديثة بين طاجيكستان والكويت عام 1995، إلا أن الصلات والروابط السياسية بين البلدين سبق انطلاقها قبل في هذا التاريخ، بعد أن أعلنت طاجيكستان في 9 سبتمبر 1991، سيادتها الكاملة واستقلالها التام عن الاتحاد السوفياتي السابق.

وبلغت العلاقات السياسية بين طاجيكستان والكويت اليوم أعلى مستوياتها، كما أن هناك تعاوناً وتنسيقاً قوياً بين البلدين، في إطار المنظمات الدولية والإقليمية.

ومن منطلق هذه العلاقات السياسية المتميزة، علينا أن نعمل على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين بلدينا.

زيارة وزير الخارجية

• هل سنشهد هذا العام تبادل الزيارات الرفيعة المستوى من الجانبين؟

- منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، تعمل وزارتا الخارجية في البلدين بشكل دؤوب على تنفيذ التوجيهات السامية من القيادات العليا لتعزيز علاقات التعاون على الصعد كافة، ومما يبعث على الارتياح، أنه نتيجة للمساعي المشتركة، اكتسبت علاقات التعاون خلال السنوات الأخيرة طابعاً مطّرداً، وتشهد مساراً تصاعدياً.

إلغاء تأشيرات دخول الطاجيك إلى الكويت قيد المباحثات حتى الآن

ولا شك في أن تبادل الزيارات على مستويات مختلفة يمثّل عاملاً مهماً لتطوير العلاقات وتعزيزها، إذ نحن نعمل حالياً على ترتيب الزيارات المتبادلة من الجانبين على مستوى القمة والمستويات الرفيعة، بما في ذلك ترتيب الزيارة الرسمية لوزير الخارجية الشيخ سالم العبدالله لطاجيكستان هذا العام، بناء على دعوة نظيره الطاجيكي سراج الدين مهرالدين.

• وهل أنت متفائل بزيارة وزير الخارجية الكويتي المرتقبة؟

- بالتأكيد، لدينا تفاؤل كبير، ونأمل أن تفتح هذه الزيارة آفاقاً أرحب للتعاون بين البلدين، ومن الموضوعات المهمة المطروحة على طاولة الحوار والمباحثات بين البلدين اليوم، فتح سفارة الكويت بالعاصمة دوشنبه في أقرب فرصة ممكنة.

وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى أن وزارتَي الخارجية في البلدين هما المحطتان المحوريتان اللتان تمرّ عبرهما التنسيقات اللازمة كافة بشأن التعاون الثنائي، فضلاً عن تنسيق الرؤى والمواقف المشتركة في إطار المنظمات الدولية والإقليمية.

إلغاء التأشيرة

• أين وصلت المباحثات مع الجانب الكويتي حول إلغاء تأشيرة دخول مواطنيكم إلى الكويت؟

- ألغت طاجيكستان التأشيرة بالنسبة للكويتيين ولمواطني عدد من دول الخليج اعتباراً من يناير 2022، كما أن مواطني طاجيكستان الذين يحملون الجوازات الدبلوماسية والخاصة معفيون من تأشيرات الدخول إلى الكويت.

أما عن المباحثات حول إلغاء تأشيرات دخول الطاجيكستانيين إلى الكويت، فهي جارية حتى الآن، حيث إن الجانبين بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى يصل الأمر إلى نهايته المرجوة.

الثقافة والتقاليد

• كيف تستطيع الثقافة والتقاليد المساهمة في تقوية العلاقات الثنائية بين طاجيكستان والكويت؟

- تربط شعبي طاجيكستان والكويت القيم الحضارية والروحية السامية والوشائج التاريخية والثقافية الممتدة إلى أكثر من 1000 سنة، إذ أقيمت العلاقات بين طاجيكستان والكويت قبل نحو 30 سنة.

وأعتقد أن الثقافة والتقاليد الروحية والحضارية من أهم القواعد التي تبنى عليها العلاقات بين الدول.

ومن دواعي اعتزازنا أن الشعبين الطاجيكي والكويتي يشتركان في الدين والعقيدة، فضلاً عن المشتركات في العلم والأدب والثقافة.

ولا يخفى على أحد أن أبناء الشعب الطاجيكي شاركوا، على مر التاريخ، أشقاءهم العرب في بناء الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، فهل يمكن تصوّر المسيرة العلمية والثقافية والحضارية للعرب والمسلمين من غير أسماء مشرقة لكوكبة من العلماء الأجلاء ذوي الأصول الطاجيكية من بلاد خراسان وما وراء النهر، مثل الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وصاحب «الجامع الصحيح» والإمام البخاري، والفقيه المفسّر أبي الليث السمرقندي، والعلّامة أبي الريحان البيروني، والطبيب الفيلسوف الشيخ الرئيس أبي علي بن سينا، وصاحب «إحياء علوم الدين»، أبي حامد الغزالي، والماتريدي والزمخشري، الذين تدين لهم الحضارة الإسلامية، وقد تركوا لنا تراثا قيّما بالعربية، تنتفع به الأمة الإسلامية وسائر الأمم في هذه المعمورة؟



وتضع طاجيكستان في الحسبان هذا العمق التاريخي الزاخر، لتعطي الأولوية في منظومة سياستها الخارجية لتعاونها مع الدول العربية، وفي مقدمتها الكويت الشقيقة.

مكافحة الإرهاب

• حدثنا عن التعاون بين الكويت وطاجيكستان في مكافحة الإرهاب... وكيف تقيّم دور الكويت في هذا المجال؟

- طاجيكستان والكويت تواجهان معاً الكثير من التحديات والتهديدات المعاصرة، مثل التطرّف والإرهاب، مما يقتضي تكثيف التعاون بين سلطات إنفاذ القانون في البلدين، ومن دواعي الارتياح، أن السلطات المعنيّة بين البلدين الشقيقين تفعّل تعاونها في مكافحة الإرهاب.

وأود أن أشيد بالدور المؤثر الذي تقوم به الكويت في مواجهة الإرهاب على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، كما أن الكويت لها خبرة كبيرة في مواجهة الإرهاب فكرياً.

العلاقات الاقتصادية

• سبق أن تحدّثم عن «عدم رضاكم» عن مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين... كيف يمكن لهذه العلاقات أن تصل إلى مرحلة تلبّي رغبات البلدين؟

- نعم، التعاون الاقتصادي والتجاري ما زال في أدنى مستوياته، ولا يرتقي إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة والثقة المتبادلة القوية بين البلدين، الأمر الذي يضع أمام اللجنة المشتركة مهمة الارتقاء بالعلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية إلى مستويات منشودة، عبر استغلال الفرص والإمكانات الموجودة لدى كلا الجانبين.

القيم الحضارية والوشائج التاريخية والثقافية تربط شعبينا منذ أكثر من 1000 سنة

وتمثّل اللجنة الطاجيكية ـ الكويتية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والعملي والفني آلية مهمة وفاعلة على مستوى حكومتَي البلدين تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في القطاعات والمجالات ذات الاهتمام المشترك، حيث تتولّى اللجنة مهمة تنسيق ومتابعة ومناقشة أوجه التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والإنمائية والتجارية والعلمية والثقافية، إضافة إلى بحث سبل تفعيل التعاون في مجال القطاع الخاص.

فقد انعقدت الدورة الأولى لاجتماعات اللجنة المشتركة عام 2013 في دوشنبه، والدورة الثانية بالكويت خلال 2017.

من العلماء كوكبة مشرقة من ذوي الأصول الطاجيكية على رأسهم الإمام أبوحنيفة والبخاري وابن سينا والغزالي والزمخشري

وفي عام 2022، استضافت طاجيكستان الدورة الثالثة لأعمال اللجنة، حيث اتفق الطرفان على كثير من الخطط والبرامج لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، ونحن نتطلع إلى تنفيذ هذه المُخرجات والتوافقات.

وفي هذا السياق، أرى أن من الأهمية بمكان الإشارة إلى الدور الفاعل للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، علماً بأن الصندوق له إسهامات مالية مشهودة في تنفيذ مشاريع إنمائية في طاجيكستان، إلى جانب مؤسسات وصناديق تنموية عربية أخرى.

أول رحلة طيران

• شهدنا العام الماضي تدشين أول رحلة طيران مباشرة بين دوشنبه والكويت... هل سيسهم هذا الأمر في تنمية قطاع السياحة وزيادة التبادل التجاري، وتصدير المنتجات والسلع الطاجيكية إلى الكويت؟

- من أهم الإنجازات في العلاقات الطاجيكية ـ الكويتية خلال عام 2022 هو تدشين خطوط جوية مباشرة بين دوشنبه والكويت، ولا شك في أن هذه الرحلات المباشرة ستسهم في تنمية العلاقات التجارية بين البلدين، فضلاً عن تعزيز التعاون السياحي وازدياد عدد السائحين الكويتيين والخليجيين لطاجيكستان، ونحن نرى تطورات إيجابية في هذا الاتجاه الآن.

تصدير المياه للكويت

• المعروف أن بلادكم من أغنى دول العالم بالثروة المائية... هل هناك خطة لتصدير مياهكم إلى الكويت؟

- طاجيكستان لديها ثروة طائلة من الموارد المائية، وهي تستحوذ على 60 بالمئة من الموارد المائية في منطقة آسيا الوسطى، وتمثل الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقة المائية 98 بالمئة من إجمالي الطاقة التي يتم إنتاجها في بلادنا، الأمر الذي يضع البلاد في مصافّ الدول المتقدمة في العالم حسب نسبة إنتاج «الطاقة الخضراء» وتنمية الاقتصاد الأخضر.

التعاون الاقتصادي بين البلدين في أدنى مستوياته ولا يرتقي إلى مستوى العلاقات السياسية بينهما

وبلادنا لديها الآلاف من الأنهار والبحيرات والأنهار الجليدية التي تشكّل مصدراً للمياه النقية الصالحة للشرب، حيث يقدّر حجم المياه الموجودة في هذه البحيرات بـ 17 مليار متر مكعب، وهي من شأنها أن تُمِدَّ سكان منطقة آسيا الوسطى لسنوات طويلة بمياه شرب عالية الجودة، ولا مانع أن تكون هناك مشاريع لنقل هذه المياه إلى الكويت أيضاً.

نكهة خاصة لشهر رمضان في الكويت

قال السفير الطاجيكي، إن «الكويت من أفضل البلدان التي يمكن قضاء رمضان فيها، إذ إن لرمضان نكهة خاصة في هذا البلد الطيب، حيث يشعر الإنسان فيها بنفحات إيمانية وروحية لهذا الشهر الفضيل، ويقضي أوقاته في الأجواء التي تمنح الشعور بالسكينة والطمأنينة. وتابع السفير: «أحرص على الحضور في ملتقيات وحفلات استقبال رمضانية مع إخواني السفراء المعتمدين بالكويت»، مشيراً إلى أن «الديوانيات والمجالس الرمضانية في الكويت تسهم في تعزيز اللُّحمة الاجتماعية والترابط والألفة والوئام وصلة الرحم بين أبناء المجتمع». وأوضح عميد السلك الدبلوماسي، أن عدد سكان طاجيكستان يصل إلى 10 ملايين نسمة، و98 بالمئة منهم مسلمون، مشيراً إلى أن مظاهر استقبال شهر رمضان في بلادنا وعادات وتقاليد شعبنا فيه قد لا تختلف عن البلدان المسلمة الأخرى، بما في ذلك الكويت، وذلك مثل الالتزام بالعبادات والإكثار من الأعمال الصالحة وأداء صلاة التراويح وإقامة موائد رمضانية وحملات المساعدات للمحتاجين، وغير ذلك من المبادرات الاجتماعية التي تقتضيها روح هذا الشهر الفضيل».