لحَّن الأطرش لعددٍ كبير من المطربات والمطربين، منهم شقيقته أسمهان "يا بدع الورد”، ونور الهدى "يا ساعة بالوقت اجري”، وصباح "حبيبة أمها”، وفايزة أحمد "يا حلاوتك يا جمالك”، ومحرم فؤاد "يا واحشني رد عليا”، كما غنت وردة من ألحانه أغنيتها الشهيرة "روحي وروحك حبايب”.

وتألق فريد الأطرش على شاشة السينما، حيث قدّم حوالي 30 فيلمًا مع كبار النجوم والمخرجين، وظهر لأول مرة على الشاشة مع شقيقته أسمهان في فيلم "انتصار الشباب” (1941) إخراج أحمد بدرخان، وأسدل الستار على مشواره السينمائي بفيلم "نغم في حياتي” للمخرج هنري بركات، وشارك في بطولته ميرفت أمين وحسين فهمي، وعرض الفيلم في عام 1975، بعد سنة من رحيله.

ملصق الفيلم

Ad

الحياة المبكرة

وُلِد فريد فهد فرحان إسماعيل الأطرش في 19 أكتوبر 1910، لعائلة عريقة من الأمراء في سورية، وكانوا يسكنون في جبل العرب، وتُسمى هذه المنطقة بـ”جبل الدروز”، ولهم دور وطني في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وانتقل فريد في طفولته مع والدته الأميرة علياء المنذر وشقيقه فؤاد وشقيقته آمال هربًا من انتقام الفرنسيين.

وكان والده الأمير فرحان إسماعيل الأطرش، قد تزوج ثلاث مرات، الأولى في عام 1899 من طُرفة الأطرش، وأنجب منها ابنه طلال، والثانية عام 1909 وهي علياء المنذر، وأنجب منها خمسة أولاد، ثلاثة ذكور هم أنور وفريد وفؤاد، وبنتين هما وداد وآمال، وأصبحت آمال فيما بعد المطربة الشهيرة أسمهان. وفي عام 1921 تزوج ميسرة الأطرش وأنجب منها أربعة أبناء هم منير ومنيرة وكرجية واعتدال، وتُوفي في عام 1925 ودُفن في مدينة السويداء بسورية.

وورث فريد وشقيقته أسمهان موهبة الغناء من والدتهما الأميرة علياء المنذر، التي كانت تتمتع بصوتٍ جميل، وتردد الكثير من الأغاني، وبرعت في غناء العتابا والميجانا، وهو لون غنائي معروف في سورية ولبنان والأردن وفلسطين. وتوفيت في عام 1968 ودُفنت في بلدة الشويت بجبل لبنان.

الفن والشقاء

أقام فريد في شقة صغيرة بالقاهرة مع والدته وشقيقه فؤاد وأسمهان، والتحق بإحدى المدارس الفرنسية، واضطر إلى تغيير لقب عائلته، فأصبحت "كوسا” بدلاً من الأطرش، وهذا الأمر كان يضايقه كثيرًا. وذات يوم زار المدرسة لاعب كرة القدم هنري هوواين، فأعجب بغنائه وأشاد بعائلة الأطرش أمام المدير، فقام الأخير بطرد فريد من المدرسة، فالتحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.

وفي تلك الأثناء، مرّ فريد وأسرته بظروف صعبة، ونفد المال الذي كان بحوزة والدته وانقطعت أخبار زوجها، ودفعها ذلك للغناء في "روض الفرح” لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي. ووافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها أثناء الغناء.

وحرصت والدته على بقائه في المدرسة، واشتهر بصوته العذب، ووقتها أوصى زكي باشا الأبراشي (وزير الخاصة الملكية في عهد فؤاد الأول) مصطفى رضا بأن يدخل فريد معهد الموسيقى. واجتاز اختبار القبول، وفي تلك اللحظة شعر أنه وُلِد من جديد، وإلى جانب دراسته، بدأ ببيع القماش في أحد المحلات الشهيرة، وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة.

وبعد عام من التحاقه بالمعهد، التقى بالموسيقار اللبناني فريد غصن والمطرب الشهير إبراهيم حمودة، وطلب منه الأخير الانضمام إلى فرقته للعزف على العود، ونجج في إطلالته الأولى كمطرب خلال حفلة أقامها زكي باشا. ووقتذاك نصحه بعض أصدقائه بالعمل في كازينو الفنانة بديعة مصابني، وكان يذهب صباحًا لمعهد الموسيقى وفي المساء يعمل في الكازينو، وألحقته مع مجموعة المغنين، حتى نجح في إقناعها بأن يغني بمفرده، مقابل أجر زهيد.

مطرب الإذاعة

وحانت اللحظة المرتقبة، وتقرّر امتحانه في معهد الموسيقى، ولسوء حظه أصيب فريد بنزلة برد شديدة، وأصرت اللجنة على عدم تأجيله، وظنوا أنه يتمارض، وغنى أمامهم بصعوبة شديدة، وفُصِل من المعهد، ولكن عضو اللجنة الموسيقار مدحت عاصم طلب منه العزف على العود للإذاعة مرة في الأسبوع، فطلب منه فريد أن يمنحه فرصة للغناء، فوافق عاصم بشرط الامتثال أمام اللجنة، وكانوا نفس الأشخاص الذين امتحنوه في المرة الأولى، وغنى بعض الأغنيات والمواويل، ونجح أخيرًا، وأصبح يغني في الإذاعة مرتين أسبوعيًا مقابل أجر زهيد للغاية.

وبدأ فريد الأطرش انطلاقته الفنية حين غنى "مِن يوم ما حَبك فؤادي”، كلمات وألحان مدحت عاصم، والثانية "ياريتني طير لأطير حواليك”، تأليف وألحان الفنان الفلسطيني يحيى اللبابيدي.

واستعان مطرب الإذاعة بفرقة موسيقية، وضمت أشهر العازفين آنذاك، ومنهم أحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس، وسجَّل الأغنية الأولى "بحب من غير أمل” على أسطوانة، لكنه خرج من التجربة بخسارة مالية، وفي المقابل أسعده تشجيع الجمهور حين أُذيعت أغنيته عبر الميكروفون، وأدرك أن الإذاعة طريقه الوحيد لتحقيق الشهرة والنجاح.

آلام وصدمات

عُرف عن فريد الأطرش خصاله النبيلة، ووقوفه إلى جانب زملائه وأصدقائه في أزماتهم، وكان من بينهم الفنانة الراحلة تحية كاريوكا، والفنان الراحل عبدالسلام النابلسي، الذي كان يشاركه بطولة العديد من الأعمال السينمائية.

وتحدثت جورجيت سابات زوجة الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي، خلال استضافتها في أحد البرامج التلفزيونية، عن صداقة زوجها والفنان فريد الأطرش، وكيف تعامل الأخير مع مرض صديق عمره، حيث قالت إن فريد حين علِم بمرض النابلسي وأنه لا بد أن يخضع لجراحة عاجلة في غضون أسبوع، قال لها إنه مستعدٌ لدفع تكاليف العملية الجراحية بالكامل.

ومن عادات الفنان فريد الأطرش السيئة، أنه أدمن على لعب الورق، لكنه استطاع الإقلاع بعد فترة طويلة، وعرف أيضًا بحبه للخيل. وذات يوم كان في ميدان السباق وراهن على حصان وكسب الجائزة، وعلم في ذلك الوقت بوفاة شقيقته أسمهان في حادث سيارة، فترك رحيلها المأساوي أثرًا أليمًا في نفسه، وخُيّل إليه أن إدمان القمار سيخفف من حزنه الشديد، وتعرّض لذبحة صدرية وبقي سجين غرفته، وتسليته الوحيدة كانت التحدث إلى الأصدقاء وقراءة المجلات.

وأدرك فريد أن علاجه الوحيد هو استئناف نشاطه الفني، وبينما كان منهمكًا في عمله، سقط من جديد واعتبر الأطباء أن سقطته تنذر بالخطر، ولكن في الليلة نفسها أراد الدخول إلى الحمام فكانت السقطة الثالثة، وشاء القدر أن ينبض قلبه ثانية، ويعود للحياة، ووقتها طلب منه الأطباء الراحة التامة، إلا أنه عانى بقية حياته من مرض القلب، وأثر هذا المرض فيه، وحرمه من العيش بشكل طبيعي خلال سنوات حياته الأخيرة.

فريد وسامية جمال

أسرار عاطفية

حفلت حياة الأطرش بأسرار وعلاقات عاطفية متعددة، وكان أولها علاقته بفتاة سمراء جميلة تُدعى "مديحة”، تنتمي إلى عائلة أرستقراطية ثرية، وتتمتع بجاذبية خاصة وخفة ظل، وعندما لاحظ اهتمامها به، بدأ قلبه يميل إليها، وكثرت لقاءاتهما وزياراته إلى أسرتها، وتقربت مديحة من شقيقته أسمهان، وأصبحتا صديقتين مقربتين، بالتالي كثرت زياراتها إلى منزله.

وذات ليلة، اصطحب فريد حبيبته مديحة إلى ملهى "الأريزونا”، وكانت ترقص في الملهى راقصة ناشئة وقتذاك تُدعى سامية جمال، وكان يراها خلال مشاركتها في استعراضات أفلامه، وأعجب بها بشدة، وقيل إن هناك قصة حب كبيرة جدًا جمعت بينهما.

وهنا بدأت مديحة تشعر بالغيرة الشديدة، وقالت له بغضب: "لا بُد أن تحترم شعوري، إنك تحطم كبريائي”، ثم وصفت سامية بكلمات سيئة، سمعها كل مَنْ في المكان، فغضب فريد بشدة، وصفع حبيبته السمراء أمام الحضور، وافترق الحبيبان في لحظة طائشة.

ومن قصص الحب التي كتبت الصحافة عنها في حياة فريد الأطرش، حُب الباليرينا سامية جمال للموسيقار وتعاونهما سويًا في عدة أعمال وإعجابه بها، وعلى الرغم من الحب المتبادل صرّح الأطرش في أحد اللقاءات رفضه الزواج من الوسط الفني، وهذا التصريح كسر قلب النجمة السمراء وقرّرت الانفصال عنه فنيًا.

كما كان له قصة حب مع الفنانة شادية بعد طلاقها من الفنان عماد حمدي وبعد شرائها فستان الزفاف فاجأها فريد بالسفر، وأبلغها بتأجيل الزواج، فغضبت بشدة ووافقت على الزواج من عزيز فتحي انتقامًا مما فعله فريد.

وظل الموسيقار أعزبًا طوال حياته، ولم تكتمل سعادته بالزواج وتكوين أسرة، ورحل أثناء فترة خطوبته للسيدة سلوى القدسي شقيقة نهلة القدسي زوجة الموسيقار محمد عبدالوهاب، وعاش فريد قصة حب كبيرة مع تلك السيدة، وأقدم على الارتباط رسميًا لأول مرة، ولكن داهمه المرض مرة أخرى.

الوداع الأخير

وذكرت مجلة "الموعد” في عددها رقم 644، أن سلوى القدسي ظلت مع فريد حتى آخر لحظة من لحظات حياته في بيروت، وأسلم الروح على يديها، إذ أصيب بنوبة قلبية مفاجئة، وبعد رحيله نُقِل الجثمان للقاهرة بطائرة قادها ابن خالته الطيار أبوالحسن.

وفي ذلك اليوم كان شقيق فريد في لبنان يُجهِّز لنقله إلى القاهرة، ووجد عددًا من الدروز يحاصرون البيت بالسلاح في محاولة منهم لمنع سفره، والمطالبة بدفنه في لبنان، غير أن شقيقه فؤاد شرح لهم إنها وصيته بأن يُدفن في مصر بجوار شقيقته أسمهان، وبما أنها وصية فيجب تنفيذها، ووافق الدروز.

وكان هناك الآلاف من جمهوره محتشدين أمام مسجد عمر مكرم بميدان التحرير وسط القاهرة، لخروج الجنازة من هناك قبل أن تصدر أوامر من وزارة الداخلية في اللحظات الأخيرة بإلغاء مراسم الجنازة، وخروج الجثمان سرًا من الباب الخلفي إلى مقابر البساتين خشية أن يتعرض الجثمان للأذى في ظل وجود حشود غفيرة من الجماهير.

وعند إذاعة خبر وفاته، قطع التلفزيون الإنكليزي برامجه ليعلن خبر رحيله، وقدّم برنامجًا فوريًا عنه لمدة نصف ساعة ضم حديثًا مُصوَّرًا معه وبعض أعماله التي ارتقت إلى العالمية.

لغز بيع عمارته في القاهرة

فوجئ موظفو بنك القاهرة في خمسينيات القرن الماضي، بمسؤول في البنك يطلب معلومات عن أموال وأملاك فريد الأطرش لم يكن أحد يعلم عنها شيئًا. وبعد سنوات كشف هذا المسؤول في لقاء صحافي أن عمارة فريد التي كان قد تملكها في الخمسينيات لم تعد عمارته ابتداء من عام 1959، وسرد القصة الخاصة بهذه العمارة قائلًا: "كان المرحوم فريد مدينًا منذ أوائل الخمسينيات للبنك بمبلغ 65 ألف جنيه، اقترضه من البنك مقابل رهن هذه العمارة، وبلغ مقدار الدين بعد إضافة الفوائد حوالي 80 ألف جنيه”.

وكانت إيرادات أفلام فريد تُودع يوميًا في البنك طبقًا لشروط الرهنية، واضطر الفنان الراحل إلى بيع العمارة في عام 1959 لأحد الأثرياء العرب، وبدوره قام بسداد الدين وفوائده وتسلّم العمارة، وتضمنت شروط هذه الصفقة أن يحتفظ فريد بالسكن الذي يقيم فيه بالعمارة حتى وفاته.

الرئيس عبدالناصر في السينما بدلا من الموسيقار المريض!

عُرِف عن الفنان الراحل فريد الأطرش حسه الوطني، وانتماؤه العربي، وفي عام 1955، كان شبح الحرب يهدد مصر بالعدوان الثلاثي، بعد قرار تأميم قناة السويس، ووقتها كان فريد مصابًا بذبحة صدرية، ويُعرض له فيلم "عهد الهوى” في سينما "ديانا”، ولم يتمكن من حضور الفيلم مع جمهوره، فطلب من أخيه أن يرسل خطابًا للرئيس جمال عبدالناصر كتب فيه: "سيادة الرئيس جمال عبدالناصر يُرجى حضور فيلم (عهد الهوى) بدلًا مني بناء على طلب الجماهير”، فأخذ عبدالناصر أعضاء مجلس قيادة الثورة وذهبوا لمشاهدة الفيلم في حضور الجمهور، وبعدها خصص فريد 7 أسابيع من إيرادات عرض الفيلم للمجهود الحربي.