لا تتحمسوا كثيراً لسقوط أميركا
هل انتهت أميركا كقوة عظمى، ودخلنا في عصر ما بعد أميركا؟
بحسب رأي فريد زكريا وهو من المحللين الاستراتيجيين أن أميركا لا تنحدر بسرعة، ولا هي على وشك أن تستبدل بها دولة أخرى، بل هناك تحول كبير يجري في العالم، صحيح أنها ما زالت أكبر قوة من حيث هيمنتها وتفوقها في عالم التجارة والعلم والصناعة والعسكر والتكنولوجيا، لكننا نعيش «التحول الكبير الثالث» كما يسميه، للقوة في العصر الحديث، وهو ما يمكن تسميته بنهوض البقية.
إننا ببساطة ندخل في عالم توزع القوة على المستويات الصناعية والمالية وغيرها، والتحول بعيداً عن الهيمنة المطلقة لأميركا.
صاحب كتاب «عالم ما بعد أميركا» المفكر فريد زكريا، اختبر هذا البلد جيداً، فهو من أسرة مهاجرة ومن جيل ولد وتعلم في مدارسها وجامعاتها، يرى أن أميركا نجحت تاريخياً ليس بسبب براعة برامجها الحكومية، بل بسبب قوة وحيوية مجتمعها، لقد ازدهرت لأنها فتحت نفسها للعالم، للبضائع والخدمات، للأفكار والابتكارات، والأهم للناس والثقافات، ثم انصهرت في إطار دولة مؤسسات.
البعض يطرح اليوم، مع صعود الصين وقيام تحالفات جديدة، وتشكيل نظام دولي جديد قائم على تعدد القطبية، «مجموعة شنغهاي»- «مجموعة بريكس»، محاور الهند والمكسيك إلى ما هنالك من تجمعات عنوانها العريض، قيام قوى عالمية جديدة بعيدة عن هيمنة أميركا.
ثمة من يحدد مصادر القوة العظمى الأولى في العالم بالتكنولوجيا كما حال الدكتورة ليال منصور إشراقية، الخبيرة اللبنانية في الاقتصاد والأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت، فمن يملك هذه «الثروة» ويتربع على عرشها، هي أميركا وحدها، ولكي تجاريها الصين أو أي دولة أو قوة ناشئة تحتاج إلى أربعين أو خمسين سنة، هذا إذا نجحت وتفوقت على أميركا، فمن وجهة نظرها، السباق محسوم منذ أربعين أو خمسين عاماً، ولهذا لن يكون الاستبدال سهلاً ولن تقبل هذه الدولة العملاقة بالتنازل أو التراجع، يكفي أن تقرأ حالة «الدولار» وكيف أن واشنطن على استعداد لشن حروب لا حرب واحدة ضد الدول التي تخرج عن دورة الدولار!
ربما كان دونالد ترامب ذاك المريض المترنح أقرب إلى توصيف وضع أميركا اليوم، بعد أول محاكمة «جنائية» تاريخية لرئيس أميركي وقوله بأن بلاده ذاهبة إلى الجحيم عندما قال «عملتنا تنهار وقريباً لن يكون الدولار هو العملة العالمية، إنها هزيمة غير مسبوقة منذ 200 عام، هذا سيبعدنا عن مكانتنا كقوة عظمى».
موضوع أن أميركا لن تبقى قوة عظمى مطروح منذ فترة، خصوصاً في أعقاب تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي وصعود قوة الصين العظمى.
الزميل والكاتب البحريني سعد راشد يرد على المروجين لفكرة السقوط بالقول على العقول الواعية في الخليج والعالم العربي، «ألا تتحمس كثيراً لسقوط أميركا» فما يجري ما هو إلا استعراض سياسي مكشوف، لأن أميركا «دولة لا تقهر» فقدراتها وإمكاناتها تبقى هي التحدي الأكبر لمن ينافسها، فمهما كانت الصين ذات نفوذ يبقى الواقع والأرقام هي الرد العملي، وإذا أحست أميركا أنها مهددة فستكشر عن أنيابها، وهذا الرأي يشاطره فيه عدد من المثقفين في الخليج ومنهم الزميل الدكتور عبدالخالق عبدالله وتعليقه «لا تتحمسوا كثيراً لسقوط أميركا».
النقاش يفتح الباب على سؤال آخر، كيف يمكن قياس المقومات الأساسية لمكانة القوة العظمى؟ هل بامتلاكها للتكنولوجيا ومراكز الأبحاث المتقدمة وأفضل الجامعات في العالم والتي تتحكم باقتصاد عالمي جديد وواحد بحيث أصبح بإمكان متجر لبيع الأدوات الرياضية في نبراسكا أن يأتي ببضائعه من الصين، ويبيعها لأوروبا والشرق الأوسط ويوازن دفاتر حساباته في بانغالور بالهند، وهذا ما ينطبق على واقع أميركا الآن؟ أم بالقوة العسكرية والقواعد المنتشرة حول العالم والصواريخ البالستية وصناعة السلاح وتجارته والتحكم بعالم الفضاء والأقمار الصناعية كما حاصل في أميركا؟ أم بحجم الجغرافيا والعدد السكاني؟ أم بموارد أخرى موزعة في قارات العالم ومن ضمنها الثقافة و«الدبلوماسية الناعمة» وهو ما ينطبق على القوى الناشئة والصاعدة مثل الصين والهند والمكسيك والبرازيل؟