في عام 1970 قامت ببطولة المسلسل الدرامي «ناعسة»، أمام صلاح قابيل، وزوزو نبيل، ونعمت مختار ومحمد نوح، وحسن حسني، ومحمد الدفرواي، وأشعار عبدالوهاب محمد، وتلحين محمد الموجي، وإخراج يوسف مرزوق.
«امسكوا الخشب»
واشتهرت المطربة الراحلة بتقديم أغاني الأفراح المليئة بالبهجة، ومن أشهر أغانيها «امسكوا الخشب يا حبايب»، تأليف فاروق صالح وتلحين عمَّار الشريعي، و«ما تزوقيني يا ماما»، تأليف عبدالرحمن الخميسي، وتلحين بليغ حمدي، و«قد إيه حبيتك أنت» تأليف محمد حلاوة وتلحين محمد الموجي، و«وحشني كلامك» تأليف مأمون الشناوي، وتلحين خالد الأمير.
وامتد مسيرتها الفنية لنحو 25 عامًا، ورغم ندرة أعمالها الفنية، تركت حضوراً متميزاً بين مطربات جيلها، ونثرت البهجة والفرح في قلوب محبي صوتها العذب، ولكن حياتها الشخصية بدت كلوحة قاتمة، تثير الأسى والشجن!
أحلام البنات
وُلِدَت زكية فوزي محمود في يوم 22 مايو 1923، في حي «باب الشعرية» بالقاهرة، ولاحقًا اختار الفنان عبدالسلام النابلسي اسمها الفني (مها صبري)، عندما شاركها بطولة فيلم «عودة الحياة» (1959) مع أحمد رمزي ومحمود المليجي، وزينات صدقي، وسميحة أيوب.
وأحبّت زكية التمثيل والغناء منذ الطفولة، لكنها لم تحلم بالشهرة والأضواء، وكانت تمارس هواياتها في مناسبات الزفاف العائلية، ولعبت المصادفة دورًا كبيرًا في حياتها، عندما رأتها المنتجة ماري كويني عام 1959، ورشحتها للمشاركة في فيلم «أحلام البنات»، بطولة رشدي أباظة وبرلنتي عبدالحميد، وفيلم «حسن وماريكا» إخراج حسن الصيفي وبطولة إسماعيل ياسين، ودرية أحمد، وعبدالسلام النابلسي، واستيفان روستي ورياض القصبجي.
حب ودموع
وحقّقت النجمة الصاعدة حضورها بين نجمات الصف الأول، وظهرت صورتها على ملصق فيلم «حب ودموع» مع رشدي أباظة والمطرب ماهر العطّار، ونافست مطربات جيلها على البطولات السينمائية، مثل صباح وشادية وفايزة أحمد ونجاة وشريفة فاضل.
وتتابعت أفلام مها صبري، ومنها «حب وعذاب» (1961) إخراج حسن الصيفي، وبطولة كمال الشناوي وعبدالسلام النابلسي وحسن فايق وعبدالمنعم إبراهيم، وفي العام التالي «حلوة وكدّابة» إخراج حسين فوزي، و«حكاية غرام» مع المطرب محرم فؤاد وإخراج محمد سلمان.
واستطاعت أن تخطف الأضواء، وتناقلت أخبارها الصحف والمجلات الفنية، وأثبتت موهبتها في التمثيل والغناء، وساعدها الفنان محمد فوزي في دخول الإذاعة المصرية، واعتمادها كمطربة، وحققت أغنياتها نجاحا كبيرا، وأطلق عليها الجمهور لقب «دلوعة الغناء».
منتهى الفرح
ودخلت مها صبري إلى فضاء الأفلام المقتبسة، ولعبت دور «فتحية كامل» في فيلم «أنا العدالة» أمام حسين صدقي (مخرج الفيلم أيضًا)، وعباس فارس ونجوى فؤاد ومحمد رضا وعزيزة حلمي ونظيم شعراوي، والفيلم مأخوذ عن رواية الكاتبة الإنكليزية الشهيرة أجاثا كريستي «عدالة مجنون»، وكتب السيناريو عبدالعزيز سلَّام.
وفي عام 1963، شاركت بالغناء والتمثيل في فيلم «منتهى الفرح» للمخرج محمد سالم مع عدد كبير من المطربين والمطربات، منهم صباح وفايزة أحمد والموسيقار محمد عبدالوهاب، والموسيقار فريد الأطرش والمطرب المغربي عبدالوهاب الدوكالي وشادية، ومن نجوم التمثيل حسن يوسف ومحمد رضا وأمين الهنيدي وسمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد.
وفي نفس العام، قدّمت تجربة مماثلة مع المخرج محمد سالم في الفيلم الغنائي «القاهرة في الليل»، والتقت مع المطربة شادية وصباح وفايزة أحمد ومحمد قنديل وفؤاد المهندس وليلى طاهر.
الأزواج الثلاثة
وتزوجت مها صبري في بدايتها من رجل يكبرها بعدة سنوات، وأنجبت منه طفلها الأول «مصطفى» وعاشت حياة بسيطة، من دون أن تفكر في احتراف الفن، ولكن جمالها الباهر لفت أنظار المنتجين إليها، وذات مرة رآها أحدهم في محل ملابس، وعرض عليها العمل في السينما، وأعطاها رقم هاتفه، فأخبرت زوجها بالأمر، لكنه رفض الفكرة، وهددها بالحرمان من طفلها، واشتعل الخلاف بينهما، حتى انتهى بالانفصال.
وتزوجت مرة ثانية من تاجر ثري، وأنجبت منه ابنتين (نجوى وفاتن)، وبعد عامين حدث الانفصال، وتزوجت للمرة الثالثة من اللواء علي شفيق مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر، بعد أن رآها في إحدى حفلات عيد النصر بمدينة بورسعيد (إحدى مدن قناة السويس)، وطلب منها اعتزال الفن، لتتفرغ لحياتهما الأسرية.
ووافقت الفنانة الحسناء على شروطه، واحتجبت لفترة عن الأضواء، ووقتها تمتعت بنفوذ كبير، لكن هذا الزواج كانت له عواقب سيئة عقب نكسة يونيو 1967، وحاولت المطربة المحتجبة أن تعود إلى الغناء، لكن الأبواب أُغلِقت في وجهها، فطلبت من السيدة أم كلثوم أن تتدخل لصالحها، وبالفعل توسطت لها لدى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وشاركت مرة أخرى في الأعمال الفنية.
وبعد رحيل عبدالناصر في عام 1970، سافرت إلى إنكلترا بعد تلقيها عرضًا للغناء في أحد الملاهي، وعاشت سنوات قليلة في لندن بصحبة زوجها، وفي عام 1977، اغتيل علي شفيق هناك، وعادت إلى مصر مجددًا.
واستأنفت «دلوعة الغناء» نشاطها الفني في القاهرة، وشاركت في بعض الحفلات الغنائية، وظهرت على الشاشة للمرة الأخيرة في فيلم «ياما أنت كريم يا رب» تأليف مصطفى محرم وإخراج حسين عمارة، وبطولة فريد شوقي ونور الشريف وبوسي والمنتصر بالله، وعرض الفيلم في 23 مايو 1983، إلا أنه لم يحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
الأيام الأخيرة
احتجبت مها صبري عن الأضواء في السنوات الأخيرة من حياتها، وروت ابنتها فاتن عبدالفتاح، أن والدتها أصيبت بمرض الوسواس القهري، ونصحتها واحدة من جيرانها بالتواصل مع الدجالين الذين يعالجون بالأعشاب وبمادة الزئبق الأحمر، وأدمنتها المطربة الشهيرة، وأصبحت تتردد على دجّال وتتبع كل تعليماته، وكانت النتيجة إصابتها بمرض في الكبد بسبب تعاطيها تلك المواد بكثرة، وتدهورت أحوالها الصحية والمالية بشكل كبير.
وحكت الابنة في حوار أجرته معها مجلة «روز اليوسف»، أنها أثناء سفرها خارج مصر وابتعادها عن والدتها، علمت بإصابتها بمرض الكبد لكن صدمتها الكبرى كانت فور عودتها ورؤية المشعوذين في بيت والدتها، واكتشافها أن إحدى المقربات منها اقنعتها بقوة وتأثير الدجالين في تسهيل كافة أمور الحياة، وجاءت بهم إليها وهم بدورهم كانوا يسقونها الأعشاب ويكتبون لها الطلاسم!
ورفضت مها صبري أن تتخلى عن الدجالين، لقناعتها بأنهم قادرون على شفائها، واستقبلت عددًا كبيرًا منهم في بيتها، ومنهم دجّال كان يتاجر في شيء وهمي يطلقون عليه «الزئبق الأحمر»، ويعيش في حدائق القبة، ودجّال آخر يعمل موظفًا في الصباح ثم يأتي إلى بيتها بعد الظهر، وأحد الدجالين اتخذ المطعم الخاص بها، مقرًا لأعماله الشيطانية، وتوسط لبيعه لأحد الأشخاص، ثم تزوج أرملة صاحب المطعم.
وعندما واجهت المطربة جارتها، هدّدتها الأخيرة بالإيذاء والقتل، ومارست معها الابتزاز، وسلبتها أموالها المودعة في أحد البنوك بلندن، بعد أن أجبرتها على توقيع شيك بمبلغ 20 مليون جنيه.
بعد هذه الكارثة، لجأت الابنة إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي، ونصحها بأن تبلغ والدتها بالامتناع عن تناول أعشاب الدجالين لأنها تدمر الكبد والأعصاب، ونجحت الابنة في إقناع والدتها. ولاحقا تقدمت، وفقًا لتصريحاتها، ببلاغ إلى النائب العام حول مقتنيات والدتها الراحلة.
وكانت مها صبري أول فنانة تذهب إلى الشيخ الشعراوي وتستمع إلى دروسه، وذهبت معها الفنانتان شادية وتحية كاريوكا، لكن المرض تمكن منها، ورحلت بعد فترة قصيرة، ولم يبق سوى أغانيها مصدرًا للبهجة والسعادة.
عملية جراحية... ورحلة إلى مكة
تحدثت الفنانة الراحلة مها صبري خلال استضافتها في برنامج تلفزيوني عن سر اعتزالها في سنواتها الأخيرة، وأن قصتها بدأت منذ الطفولة، لأن أمها كانت سيدة متدينة، وحرصت على تربيتها على القيم والتقاليد الأصيلة، وعلمتها الفرق بين الحلال والحرام.
وقالت: «أمي غرست بداخلي الجانب الديني والقيم العُليا، كانت تعلمنا الصلاة، وتلاوة القرآن، تعلمت منها المطبخ ونظافة البيت والغسيل وكل شيء، ودائمًا أسمع كلامها، وكان لا يمكن أن أخرج دون أن أخبرها وتعرف طريقي».
وذكرت أنها عاشت فترة صعبة بعد أن تمكن منها المرض، وخضعت لعملية جراحية، ودخلت في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام، وأصبحت أكثر قُربًا من الله، وقرّرت أن تؤدي فريضة الحج، وذات يوم قرأت في الصحيفة عن غلق باب الحج، وبعد ذلك زارتها الشاعرة الغنائية علية الجعّار، وأخبرتها أنها ستذهب معها للحج، فأخبرتها أنها لن تستطيع لأنها مازالت في فترة النقاهة بعد العملية الجراحية، والأطباء حذروها من الإجهاد لعدة أشهر.
وفي العام التالي، زارها ابنها ذات يوم، وكان متدينًا ويحج كل عام وأخبرها أنه أحضر لها تذكرة السفر، وكان عليها أن تسابق الزمن قبل إغلاق باب الحج، واستطاعت الحصول على التأشيرة من القنصلية السعودية، وذهبت مع صديقتها علية الجعار لشراء ملابس الإحرام، وفي اليوم التالي استقلت الطائرة لأداء فريضة الحج، ووصلت إلى المدينة المنورة، ومنها إلى مكة المكرمة.
«فيها جول»... أشهر أغنية ضد التعصب الكروي
اشتهرت الفنانة الراحلة مها صبري بأداء الأغنيات المرحة، ومنها أغنية طريفة عن كرة القدم بعنوان «فيها جول»، من كلمات الشاعر الغنائي سمير محبوب، وألحان عبدالعظيم محمد، وتعد من أشهر الأغنيات العربية ضد التعصب الكروي، وكانت تذاع لسنوات طويلة قبيل انطلاق المباريات أو بعدها، وفي مصر كثيرًا ما تذاع قبيل مباريات القمة بين فريقي الأهلي والزمالك، إلى جانب أغنية صباح الكروية الشهيرة «إنت أهلاوي؟ إنت زملكاوي»، تأليف الشاعر الغنائي حسين السيد وألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب.
وساهمت الأغنيتان في نبذ التعصب الكروي بين جمهور الفرق المتنافسة. ويقول مطلع أغنية «فيها جول»: «سنتر يلّا وخُد لك مطرح، أنا هاديلك وأوعاك تسرح، فيها جول، سجِّل خلّي الجمهور يفرح».