لا يزال رئيس البرلمان العراقي غائباً عن جلسات مجلس النواب، إذ منح نفسه إجازة أسبوعين قابلة للتمديد، وقاطع عملياً مناقشات الموازنة المالية التي توصف بأنها الأكبر في تاريخ البلاد وتغطي ثلاثة أعوام بتقديرات تبلغ 450 مليار دولار.
والكثير من الكتل تقول إن غيابه لن يمنع إقرار الموازنة إذ يوجد له نائبان، لكن ذلك سيقلل من شرعية هذه الخطوة الكبيرة التي تمنح حكومة محمد السوداني حرية مالية كبيرة في المناقلات المالية والاقتراض حتى نهاية ولايتها، بعد أن أصبح من الواضح إلغاء فكرة الانتخابات المبكرة.
وجاءت رسائل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتفننه في التعبير عن الانزعاج، مباشرة بعد اتفاق، وُصِف بالتاريخي بين حكومة السوداني والأحزاب الكردية، على حل الخلافات بشأن تصدير النفط وحصة الإقليم الفدرالي من الموازنة المالية، ويقول مقربون من الحلبوسي، إنه يرى أن الكتلة الشيعية الكبيرة منحت الأكراد مطالبهم الرئيسية، وقدمت لهم «ضمانة دولية» بطرف عربي وآخر إقليمي، لكنها تجاهلت مطالب المجتمع السني في المحافظات التي تعاني ويلات الحرب مع تنظيم «داعش»، خصوصاً نينوى والأنبار وأطراف بغداد.
وتتحدث الأوساط السياسية في بغداد عن رغبة رئيس الحكومة في المضي بتنفيذ كثير من التعهدات التي قدمها للأحزاب السنية، لضمان منح الثقة لحكومته الخريف الماضي، لكنّ أطرافاً أخرى مثل رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي وبعض الفصائل، لا تريد تقوية وضع الحلبوسي أمام جمهوره السني، وتعتقد أنه «تضخم أكثر مما يجب»، وأنه من الجيد الإتيان ببديل له، ومنع ظهور زعيم سني كبير، كما جرى ذلك طوال 20 عاماً. وتؤكد مصادر نيابية رفيعة، أن الحلبوسي بعث برسائل إلى أطراف إقليمية ودولية كانت جزءاً من مباحثات تشكيل الحكومة، خصوصاً طهران، وطلب ضمانة كتلك التي حصل عليها إقليم كردستان، لحسم أمور تخص جمهوره، منها العفو العام عن المعتقلين الذين لم يحصلوا على محاكمات عادلة في سنوات العنف والاحتراب الأهلي، وتخفيف عقوبة الانتماء إلى حزب البعث السابق، وضمان عودة النازحين إلى مناطق جنوب بغداد، التي شهدت نوعاً من التهجير القسري، على يد الفصائل الموالية لإيران.
وتذكر المصادر النيابية أن الحلبوسي وحلفاءه قد يلوّحون بورقة «الإقليم السني» على غرار التجربة الكردية، إذ يضمن لهم الدستور ذلك إذا نجحوا في توحيد جمهورهم في نينوى والأنبار وصلاح الدين، وهو ما سيدّق أجراس الإنذار لدى حلفاء طهران، خصوصاً بعد بدء التشغيل التجريبي لحقل عكاز الغازي العملاق في صحراء الأنبار، وقرب تحولها إلى مركز لإنتاج تراقبه طهران وموسكو أيضاً، ضمن حرب الطاقة وخطوط نقل الغاز، المستعرة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
كما أن تبني فكرة الإقليم داخل المحافظات ذات الأغلبية السنية، سيشجع البصرة ذات الأغلبية الشيعية، على إعادة طرح مشروع إقليم البصرة الذي فشل عامي 2008 و2013، باعتبارها ميناء العراق الوحيد وطريقه التجاري الأبرز، وامتلاكها لنحو 80 في المئة من احتياطي النفط بالعراق.
ووافق الحلبوسي على حضور مأدبة إفطار الأسبوع الماضي مع رئيس الحكومة محمد السوداني، وتقول المصادر إن «عتباً ثقيلاً» جرى تبادله بين الرجلين، لكنّ أطرافاً كثيرة تعتقد أن طهران نفسها ستشجع على التهدئة، ومنح بعض الهدايا الإضافية، لضمان فترة هدوء يجري التفرغ خلالها لكثير من شؤون الاقتصاد والحوارات الإقليمية، خصوصاً مع الرياض، وأنه لا داعي لتعكير الأجواء بالخلاف مع قيادات سنية بارزة في العراق.