عن الاغتراب البيئي... ما بعد خفض الإنتاج
البعد السياسي والفجوة بدأت تتزايد بين العم سام (الولايات المتحدة) ودول المشرق على مدى السنة تقريباً، وكبداية قامت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بخفض الإنتاج للنفط الخام وصولا عند سعر 80 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد، وهذا كله ليستمر مسلسل «كسر عظم مضاربي النفط» وكبح جماحهم الأسبوع الماضي من خلال خفض الإنتاج «طواعية» من الحلفاء (أوبك بلس) لترتفع الأسعار مرة أخرى ويعود النفط ذهبا أسود وعلاجاً سحرياً لمشاكل أسواق الطاقة.
عموما وعلى الصعيد الشخصي، أرى أن هذه المناورة «المدروسة» كانت بدوافع اقتصادية بحتة تمثلت بخوف متزايد على انخفاض النمو العالمي على النفط، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب أبرزها:
1- تزايد الاهتمام بالطاقة المتجددة والتنوع الطاقي حول العالم.
2- الأرقام المنشورة للأسواق الأميركية والتي بينت هشاشة النظام الرأسمالي.
3- الطلب من التنين الصيني ورغم النمو في اقتصاده لم يترجم مع الأيام الى طلب على النفط الخام بحد ذاته.
كل هذه الأسباب مجتمعة مسائل ناقشها الاقتصاديون مراراً وتكراراً على مدى الأيام الماضية وعلى مستويات متعددة، كذلك وصولا الى أعلى المستويات السيادية لدول عدة، ولكن وهنا مربط الفرس، هل تم وضع منظومة البيئة والتغيرات الاقتصادية المرتبطة بها في الحسبان، ومعنى هذا كله ووقعه وأثره على التزامات الدول الأممية فيما يخص التغير المناخي؟!
أشك حقيقة أنه تم الأخذ بالاعتبار أيا من تلك المسائل بتاتا في الحسبان، خصوصاً إذا ما وضعت في الحسبان المسائل الجيوسياسية وظاهر «الترضيات» في بعض السياسات الخارجية فسترجح كفتها حتما في أعين صناع القرار.
بداية وبالمجمل والظاهر فإن خفض الإنتاج سيسهم (على الصعيد المحلي للدول المنتجة) بخفض الأثر البيئي وما يترتب عليه من بصمة كربونية، طبعا هذا في البداية والظاهر فقط، حيث تعتمد جل الدول التي خفضت إنتاجها على مشتقات النفط الخام من صادرات للعمليات البتروكيماوية الخاصة بها. هذا وتفتقر كذلك لبنى تحتية من وقود متجدد بيئي والأهم وقود وطاقة من لقيم مستدام كالنفايات على سبيل المثال، مما يجعل الأثر البيئي مرتفعاً جداً بسبب النقل والاستيراد ناهيك عن البعد الاقتصادي في الاستيراد من ناحية القيمة والسعر.
وعليه فإن أي حسابات كربونية ستكون مرتفعة من بعد كل تلك العوامل على حساب هذا القرار المتعلق بخفض الإنتاج، ناهيك طبعا عن أن دول الخليج كافة قد التزمت بقرارات ومعاهدات أممية ملزمة بخفض الانبعاثات الكربونية، ومن المؤكد أن دول الخليج كافة باستثناء دولة الكويت ستتأقلم مع هذه القرارات لأن سلة الطاقة لديها تحوي عناصر من الطاقة المتجددة بنسب كبيرة على عكس الكويت.
وهنا تأتي النظرة المتفائلة، من هذا كله وما يعطي الدولة لدينا عنصر تفوق مهم دون سائر الدول، صحيح أن تخلفنا عن تدشين صناعات للطاقة النظيفة قد كلفنا ما كلفنا في السابق، ولكن في هذه الأيام يمكن الأخذ بالاعتبار الحسابات التي تكون على أساس الإنتاج المنخفض الذي يمكن له أن يعطينا خريطة طريق للأولويات البيئية الحقيقية المتماشية مع تلك الاقتصادية، ويبقى السؤال الأهم الآن: متى ننوي البدء بالعمل الجاد على هذا الصعيد؟!