في خطوة عنصرية مذمومة تضاف إلى حزمة قراراتها العشوائية، التي تفسد أكثر مما تصلح، والتي دأبت على اتخاذها أخيراً، خرجت علينا الهيئة العامة للقوى العاملة مجدداً بقرار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، لتلزم بعض كبرى الشركات العاملة في القطاع الأهلي، ذات الباع والتاريخ العريض في خدمة البلاد، بقصر منح المسميات العليا في تلك الشركات، من رئيس، ومدير تنفيذي، أو مدير عام، على المواطنين فقط، دون أدنى اعتبار لمصلحة الشركات أو ظروفها أو حتى محاولة دراسة تأثير مثل هذا القرار على مصالحها التي هي في نهاية الأمر لمصلحة الكويت.
ولعل دأب الهيئة الموقرة على إصدار مثل هذا القرار إنما يؤكد مدى انفصال قيادييها ومسؤوليها التام عما يعانيه سوق العمل في القطاع الأهلي من مشكلات، كما يؤكد إصرارها على تطفيش وتهجير العمالة الوافدة، لاسيما أصحاب الخبرة والكفاءة، إلى دول مجاورة تضمن لهم استقراراً وظيفياً أكبر ومزايا مالية عالية، فضلاً عن منازعات عمالية أقل.
والنظرة العاجلة إلى هذا القرار أو المتفحصة لا فرق، تؤكد أنه غير حصيف ويمثل تدخلاً سافراً في شؤون القطاع الخاص، وحصاراً إضافياً يضاعف تداعيات ندرة العمالة المتخصصة والمهنية والفنية، كما يلحق بالشركات ضرراً بالغاً وينعكس وبالاً على القطاع الخاص برمته، بل إن «القوى العاملة» بهذا القرار المذموم تطعن في مقتل مبدأ نجاح القطاع الأهلي القائم على الحرية، لتحوله إلى نسخة حكومية مقيدة باللوائح الصماء.
وذهبوا إلى أن هناك تناقضاً كبيراً بين مع ما تدعيه الحكومة وتكرره دوماً في خططها من ضرورة تشجيع القطاع الخاص وإشراكه في قيادة قاطرة التنمية، وبين ما تقرره بالفعل أو ترتضيه وتقبله من تصرفات هيئات مثل «القوى العاملة»، وكأنها تكتب بيد وتمحو بالأخرى.
وأعربوا عن استغرابهم الشديد من هذه التوجهات غير المدروسة التي تصدر من أكبر جهة حكومية مسؤولة عن تنظيم سوق العمل في البلاد، والتي تعمد إلى الحلول السهلة دون أن يجهد قياديوها ومسؤولوها أنفسهم لدرس انعكاسات وسلبيات مثل هذه الاجراءات على الشركات، ودون أن يدركوا أن قطاعاً غير قليل من المواطنين لا يرغب في العمل بتلك الأعمال أو المناصب لأنها لا تناسب ميوله أو تطلعاته.
واستشهدوا بالقرار الصادر أخيراً من «القوى العاملة» الذي حظر، في بداية تطبيقه، تجديد أو تحويل أذونات عمالة الـ «60 عاماً» فما فوق من حملة الثانوية العامة وما دونها، ثم سمح بذلك عقب فترة مخاض عسير، استمرت أشهراً عدة، شريطة تحصيل 250 ديناراً رسماً سنوياً، إلى جانب 500 دينار تأميناً صحياً شاملاً، إضافة إلى الرسوم الثابتة الأخرى بإجمالي 850 ديناراً للتجديد أو التحويل، مبينين أن ذلك التعنت حمل آلاف العمالة المهنية والفنية من أصحاب الخبرة الطويلة، غير القادرين على تحمل هذه التكلفة المرتفعة، على مغادرة البلاد بلا عودة، تاركين خلفهم فجوة كبيرة لم نستطع سدها حتى الآن، وهو ما تعكسه أيضاً أزمة «الخياطين» التي يعانيها المواطنون، لاسيما من قرب حلول الأعياد وموسمي الصيف والشتاء.
وتساءلوا: لماذا تقحم «القوى العاملة» نفسها في إجراءات تنظيمية داخلية للشركات، مادامت تلك الأخيرة ملتزمة بالقوانين المنظمة لسوق العمل، وتطبيقها نسب توظف العمالة الوطنية لدى الجهات غير الحكومية؟، مؤكدين أن مثل هذه الإجراءات تدمر القطاع الخاص، وتشكل تدخلاً مرفوضاً في عمل كيانات اقتصادية مستقلة.
ودعا المراقبون مسؤولي الهيئة إلى عدم الحيدة عن دورهم القانوني، «وبدلاً من محاربة الشركات الكبيرة، عليهم توجيه أسنة رماحهم باتجاه تجار الإقامات الذين أغرقوا السوق بالعمالة الهامشية، حتى تحولت مناطق شبة كاملة في بعض المحافظات إلى أوكار تؤوي العمالة المخالفة لقانوني الإقامة والعمل، في ظل ضعف قدرة الهيئة على القضاء عليها».