عماد حمدي... فتى الشاشة المُعذَّب

• نجم الرومانسية أفلس وأصابه الاكتئاب ومات كفيفاً وحيداً

نشر في 13-04-2023
آخر تحديث 12-04-2023 | 17:02
تألق الفنان المصري عماد حمدي على شاشة السينما، وأصبح من أبرز نجوم التمثيل في منتصف أربعينيات القرن الماضي، وقدَّم نحو 400 عمل فني، ونال عدة ألقاب، أشهرها «فتى الشاشة الأول»، و»نجم الرومانسية»، وتخللت حياته مواقف صادمة، وألوان من الرومانسية والعذاب والألم، ورحل على نحو مأساوي في 28 يناير 1984، عن 75 عاماً. شارك الفنان عماد حمدي مع كبار النجوم والمخرجين، وتعددت أقنعته بين التمثيل الكوميدي والتراجيدي، وقدَّم الكثير من الأفلام المتميزة، منها: «إني راحلة» (1955)، و«بين الأطلال» (1959)، و«الرجل الذي فقد ظله» (1968)، و«ميرامار» (1969)، و«ثرثرة فوق النيل» (1971)، و«الكرنك» و«المذنبون» (1975). وقدًّم نحو 15 عملاً تلفزيونياً، منها: مسلسل «الشاطئ المهجور» (1975)، و»سليمان الحلبي» (1976)، و»بعد الغروب» (1977)، و«عنترة» (1978)، و«في مهب الريح» و«الوليمة» (1979)، و«عيلة الدوغري» (1980).

في عام 1983، أسدل «سواق الأتوبيس» الستار على مشواره الفني، وجسَّد الشخصية المحورية «الحاج سلطان» أمام نور الشريف وميرفت أمين، وأخرج الفيلم عاطف الطيب، واُختِير هذا الشريط السينمائي ليكون ثامن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

الصبي الموهوب

وُلِد عماد حمدي وشقيقه التوأم عبدالرحمن في 24 نوفمبر 1909 بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، لأب درس الهندسة في فرنسا، وحصل على الماجستير والدكتوراه، وعمل مهندساً في السكة حديد، وتزوَّج في سن الأربعين من فرنسية عمرها 16 عاماً، وتنقَّل بسبب طبيعة عمله بين محافظات مصر، وأنجب 9 أبناء (خمسة أولاد وأربع بنات).

محاسب «استديو مصر» يضحي بوظيفته من أجل التمثيل

ونشأ الصبي في حي شبرا بالقاهرة، وتفتحت مواهبه في وقت مبكر، وكانت والدته ترسم وتعزف على البيانو، وتصطحبه معها إلى دور المسرح والسينما، فتعددت مواهبه بين التمثيل والرسم والتصوير والموسيقى، وأصبح بطلاً رياضياً في الجمباز والسباحة.

وفي بداية حياته، تعرَّف حمدي على كوكبة من نجوم الفن، منهم المخرج نيازي مصطفى زميله في مدرسة التوفيقية، والشاعر والمؤلف بديع خيري مُعلِّم اللغة الإنكليزية بمدرسته، وارتبط بصداقة قوية مع الفنان يوسف وهبي، والمخرجين عزالدين ذوالفقار وصلاح أبوسيف وحسن الإمام وكمال الشيخ وغيرهم.

وأجاد حمدي اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتعلَّم فن الإلقاء على يد الفنان الكبير عبدالوارث عسر، وظل يُدين له بالفضل طوال حياته، ويحرص على تقبيل يده كلما قابله.


مشهد من أحد أعماله مع الفنان نور الشريف مشهد من أحد أعماله مع الفنان نور الشريف

الرقابة تتسبَّب في هروب الوجه الجديد من غضب الجمهور

طريق الفن

تخرَّج عماد حمدي في كلية التجارة، وبدأ حياته المهنية بالعمل موظفاً (باشكاتب) في مستشفى أبوالريش بالقاهرة، وانضم أثناء عمله لجمعية أنصار التمثيل والسينما، وفي تلك الفترة كان الاقتصادي البارز طلعت باشا حرب يبحث عن كوادر متعلمة للعمل في «استديو مصر»، وبالمصادفة قابل حمدي صديقه محمد مجاهد، الذي يعمل في الاستديو، وعرض الأخير عليه أن يجهِّز أوراقه للعمل هناك.

وبالفعل عُيّن مديراً للحسابات في عام 1927، وظن المحاسب أنه سيحقق حلمه في التمثيل على الفور، ويصبح نجماً سينمائياً، إلا أن ذلك لم يحدث طيلة 18 عاماً، وترقى إلى منصب مدير توزيع استديو مصر، وكان راتبه 25 جنيهاً في عام 1945.

وأظهر المحاسب عماد حمدي كفاءة لافتة في عمله، وكان من أوائل المؤسسين لشركة إعلانات في مصر، ووقتها كانت كلها شركات أجنبية، ونفذ إعلانات لوزارة الصحة للتوعية ضد الأمراض المتوطنة، واشُتهِر بهذا النشاط الرائد، لكن التمثيل ظل حلم حياته.

وأوشك الشاب أن يفقد الأمل في الوقوف أمام الكاميرا، لاسيما أن عمره تجاوز الخامسة والثلاثين، ولعبت المصادفة دورها مرة أخرى، وكان المخرج كامل التلمساني يُجهِّز لفيلم «السوق السوداء»، ويبحث عن شاب يتمتع بملامح مصرية، ووجد هذه المواصفات في عماد حمدي، فأسند إليه دور البطولة أمام عقيلة راتب، وحصل على أجر 250 جنيهاً، بما يعادل عشرة أضعاف راتبه، فشعر زملاؤه بالغيرة، وخيَّرته إدارة «استديو مصر» بين التمثيل والوظيفة، فاختار طريق الفن.

والمفارقة أن «السوق السوداء» يعتبر من أفضل الأفلام الواقعية الرائدة، لكنه تحوَّل إلى تجربة قاسية لبطله عماد حمدي، ومخرجه كامل التلمساني، وكلاهما يمثل ويخرج لأول مرة، فقد اصطدم الفيلم بالرقابة، وقامت بحذف الكثير من المشاهد، وفي ليلة العرض الأول، نال سخط الجمهور، ووصل الأمر إلى بحثهم عن الممثلين والمخرج لعقابهم، ما اضطر الوجه الجديد مع زملائه للهرب من دار السينما.

وبعد عام، كان المخرج صلاح أبوسيف يجهِّز لأول أفلامه (دايماً في قلبي)، واختاره للبطولة أمام زينب صدقي ومحمود المليجي، كما مثَّل عماد حمدي أول فيلم من إخراج كمال الشيخ «سجى الليل» (1948)، بعدها توالت أعماله السينمائية، حتى أصبح فتى الشاشة الأول.

250 جنيهاً أول أجر تقاضاه في سينما «السوق السوداء»

زيجات وقضايا

تزوج الفنان عماد حمدي أربع مرات من الوسط الفني، الأولى من الراقصة حورية محمد، وانفصلا بعد وقت قصير، ثم تعرَّف على الفنانة فتحية شريف، وكانت إحدى بطلات فرقة الريحاني، وتزوجها عام 1945، وأنجبا ابنهما نادر، واستمر زواجهما حتى عام 1950.

وأرجعت الفنانة فتحية شريف أسباب انفصالهما إلى غيرته الشديدة عليها، ما دفعها إلى رفع قضية للطلاق، وحاول النجم الشهير التصالح معها بالاتفاق على مهلة عام كامل يقرران فيها الانفصال أو استكمال الزواج، ووقتها نشرت الصحف أخباراً عن وجود خلافات بينهما، وانتهى الأمر بالطلاق، ووقَّع عماد حمدي إقراراً في مصلحة الشهر العقاري، بدفع ألف جنيه نفقة شهرية لابنه نادر.

والتقى فتى الشاشة المطربة شادية في فيلم «أشكي لمين» عام 1951، وبدأت بينها قصة حُب، وكان يكبرها بنحو 20 عاماً، ودخلا القفص الذهبي عام 1953، وتلاشت الرومانسية والسعادة سريعاً، وحلَّت بدلاً منها الأزمات، بسبب غيرته الشديدة، وانفصلا بعد ثلاثة أعوام فقط.

وكانت غيرة حمدي على زوجته شادية دفعته إلى صفعها أمام الحاضرين بإحدى الحفلات، وقرَّرت المطربة حينها استحالة الحياة معه، وطلبت الطلاق فوراً، لتقتصر العلاقة بينهما على الزمالة الفنية فقط، وبعدها عملا معاً في عدة أفلام سينمائية.

وفتح انفصالهما الطريق لعلاقة صداقة بين شادية ومطلقته فتحية شريف، واستمرت حتى رحيل فتحية عام 1982، وبقيت علاقة الأمومة بين شادية ونادر حتى وفاتها في عام 2017.


ملصق الفيلم ملصق الفيلم

شادية تطلب منه الطلاق بعد أن صفعها في حفلة عامة

«زوجة في الشارع»

وتزوج عماد حمدي للمرة الأخيرة من الفنانة نادية الجندي، وكان هناك فارق كبير في السن والشهرة بينهما، وتعرَّف النجم اللامع عليها في فيلم «زوجة في الشارع» عام 1960 كوجه جديد، وأثمرت الزيجة ابنهما هشام.

وأصبح زواجهما حديث الوسط الفني، لكن الخلافات اشتعلت بينهما، وشعرت نادية أن غيرته الشديدة عليها تعيق عملها وانتشارها في الساحة السينمائية، ورفض عماد فكرة عملها بالمجال بعد إنجابها، واعتبرت هي أن خلافاتهما أمر طبيعي بسبب فارق السن، ورغم ذلك عاشت معه 14 عاماً، لكنهما انفـصلا في النهاية.

وحكى الفنان الكبير في مذكراته أنها تخلت عنه، وطلبت الطلاق بعدما أفلس، بسبب مشاركته في إنتاج فيلم «بمبة كشر» (1974)، وأنه أنفق عليه كل أمواله، ورفضت إعطاءه نصيبه من الإيرادات، واضطر بعدها أن يعيش مع زوجته السابقة فتحية شريف وابنهما نادر في شقة متواضعة.

وبلغت قيمة الإنتاج الضخم ـ آنذاك ـ لفيلم «بمبة كشّر» 55 ألف جنيه، لكنه نجح جماهيرياً دون مكاسب مادية، وعُرِض لمدة 16 أسبوعاً في سينما ريفولي بالقاهرة، ولم تتجاوز إيراداته 53 ألف جنيه، وشارك عماد حمدي في بطولته وإنتاجه مع زوجته نادية الجندي، ولاحقاً أطلق عليها لقب «نجمة الجماهير»، الذي لازمها حتى اليوم.

ونفت الجندي رواية مطلقها خلال لقاء سابق مع الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، وقالت إنها هي التي أنتجت فيلم «بمبة كشّر» من الأموال التي كانت تكسبها من البوتيك الخاص بها، لأنها أرادت أن تحقق ذاتها.

فتحية شريف تحرِّك دعوى قضائية ضد زوجها الغيور

الصدمة والإدمان

استمر حضور عماد حمدي على الشاشة، وزادته السنوات توهجاً، وقدَّم مجموعة من الأدوار الجيدة، لكن الصدمات توالت عليه، وروى ابنه نادر أن والده أدمن على الخمر بعد وفاة شقيقه التوأم عبدالرحمن، وأنه فقد بصره في أيامه الأخيرة، وهو ما سبَّب له أزمة نفسية حادة، لم يُخرجه منها سوى الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي زاره في منزله.

وروى نادر تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة والده: «عندما تُوفي عمي ظل أبي في البيت لم يرَ الشارع لمدة ثلاث سنوات، وقبل ذلك كنتُ أعتقد أن أبي إنسان قوي لا يهتم لموت أحد، لكنه بعد وفاة عمي اكتأب، واستمر الحزن والأسى في قلبه، حتى بعدما خرج من تلك المرحلة بمساعدة الشيخ الشعراوي، وسرعان ما عاد لنفس الحالة إلى أن وصل به الحال للإضراب عن الطعام حتى توفي».

ورحل فتى الشاشة الأول وحيداً في منزله، إثر أزمة قلبية حادة بعد معاناة مع المرض وكف البصر والاكتئاب المزمن، وانطوت مسيرة مضيئة لممثل من جيل العمالقة، لكنه لا يزال حاضراً بإبداعه المتميز في ذاكرة ووجدان جمهوره بأنحاء عالمنا العربي.

صفعة على وجه «العندليب» تشعل غضب الجمهور

احترف عماد حمدي التمثيل في وقت متأخر من شبابه، وفي الستينيات ظهرت علامات الزمن على «فتى الشاشة الأول»، واتجه لدور الأب، وبرع في تجسيده، ومن أعماله الشهيرة دوره في فيلم «الخطايا» (1962)، إخراج حسن الإمام، وبطولة المطرب عبدالحليم حافظ ونادية لطفي ومديحة يسري وحسن يوسف.

وفي «الخطايا» لعب دور «محمود»، والد عبدالحليم حافظ، وفي أحد المشاهد صفع «العندليب» صفعات متلاحقة، وأثار ذلك غضب الجمهور بكلمته الشهيرة في الفيلم «أنت لقيط». وقال عبدالحليم عن هذا المشهد إن أحد أسنانه انكسر وسال الدم، لكنه أكمل التمثيل حتى طلب المخرج إيقافه، وبعد ذلك أسعفه طاقم العمل.

ورد الفنان عماد حمدي على ذلك، بأن «العندليب» هو الذي طلب صفعة حقيقية. وعن ردود الفعل، قال: «لاموني في كل مكان بالشرق الأوسط، فعبدالحليم معشوق الجماهير تعرَّض للضرب. الناس لا تعلم ماذا حدث فعلاً، وثارت عليَّ في كل مكان، وأصبحوا يقولون لي: كيف تضربه؟».

وقَّع إقراراً بدفع ألف جنيه نفقة شهرية لابنه نادر


مع فاتن حمامة في أحد الأفلام مع فاتن حمامة في أحد الأفلام

نجم الأفلام الرومانسية يثير ضجة بعد قُبلة فاتن حمامة

كوَّن الفنان الراحل عماد حمدي ثنائياً مميزاً مع «سيدة الشاشة العربية» فاتن حمامة، واشترك معها في نحو 20 فيلماً، منها: «ست البيت» (1949)، و«وداعاً يا غرامي» (1951)، و«المنزل رقم 13» (1952)، و»موعد مع السعادة» (1954)، و«الله معنا» (1955)، و«لا أنام» (1957)، و«لا تطفئ الشمس» (1961)، و«الخيط الرفيع» (1971).

وفي فيلم «لا أنام» تعرَّض حمدي لموقف محرج حين جمعته قُبلة مع فاتن حمامة في أحد المشاهد، وأثارت الكثير من الجدل، وتناثرت شائعات حينها بوجود علاقة بينهما، وبسبب هذه القُبلة جرى تصنيف الفيلم «للكبار فقط».

رسائل غرامية متبادلة مع شادية

استمرت العلاقة الرومانسية بين الفنان عماد حمدي وزوجته الفنانة شادية لفترة قصيرة، لكنها أثمرت رسائل حُب متبادلة بينهما، وكتبت له «دلوعة الشاشة» في جواب غرامي: «يا عماد، إن قلبي اختارك من بين عشرات ممن طرقوا بابه، وحاولوا أن يقتحموه، أما حيثيات الاختيار، فهي سر من أسرار عمري. لن أبوح به لواحدة، حتى لا تخطفك مني، ولن أبوح به لواحد، حتى لا يقول: (مجنونة!)».

وجاء رد النجم الرومانسي في إحدى الرسائل: «اخترت أن أقول (زوجتي شادية) فقط، لأنني لا أريد أن أقول زوجتي العزيزة، فكلمة العزيزة لا تكفي، ولأنني لا أريد أن أقول زوجتي ومهجة قلبي وقرة عيني، فهذا كلام شعراء يرصعون به خطاباتهم، ولو لم يقصدوا معانيه، لكني اخترت أن أقول (زوجتي) فقط، لأن فيها كل المعاني السامية التي يعنيها الرباط المقدس، وكل ما يترتب على المشاركة الأبدية من حُب وتفانٍ وإخلاص».

وحلَّت النهاية الصادمة، وظل مشهد طلاقهما لا يمكن نسيانه، فبعد أن وقَّع عماد وشادية على وثيقة الطلاق في منزل والدها المهندس بوزارة الزراعة، كمال الدین شاکر، وبحضور مندوب جريدة «الأخبار»، سجَّل الأخير لحظة بكاء شادية، فيما كان عماد حمدي يجفف دموعها، وعندما يبكي هو كانت تجفف دموعه.

back to top