أدى الخفض الطوعي لإنتاج النفط الذي أعلنته دولة الكويت الأسبوع الماضي بمشاركة العديد من منتجي منظومة «أوبك بلس» إلى ارتفاع إضافي في سعر تعادل برميل النفط في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2023 -2024 بواقع 4.8 في المئة (خلال فترة خفض الإنتاج المقدرة من مايو إلى ديسمبر 2023) وصولاً إلى نحو 98 دولاراً للبرميل الواحد، بعد أن كان قبل الخفض يبلغ 92.9.
ويتجاوز ما يعكسه ارتفاع سعر تعادل برميل النفط في الميزانية لصورة انفلات المصروفات أو تضخمها إلى تراجع قدرة مصدر الثروة الرئيسي في البلاد على تجاوز الميزانية لمرحلة العجز المالي حتى مع وجود عوامل دعم استثنائية كالخفض الطوعي لإنتاج النفط البالغ 1.6 مليون برميل يومياً، ونصيب الكويت منه 128 ألف برميل، الذي فاجأت «أوبك بلس» به العالم، أو مع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، وتداعياتها على خطوط إمداد الطاقة أو حتى وقف تصدير النفط الخام من كردستان العراق إلى تركيا بعد قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس وقضى بعدم شرعية تصدير إقليم كردستان نفطه دون موافقة حكومة بغداد، قبل توقيع اتفاقية بين الطرفين الأسبوع الماضي.
فمع خفض الإنتاج النفطي مطلع الشهر الجاري، وهو بداية السنة المالية الحالية، ارتفع سعر برميل النفط الكويتي 9.5 في المئة ليبلغ 86.6 دولاراً للبرميل، (يوم الثلاثاء الماضي)، ومع ذلك لم يبلغ البرميل الكويتي سعر التعادل لا الأساسي ولا المتوقع تعديله في الميزانية بعد خفض الإنتاج، مما يجعل فكرة أن أي ارتفاع لافت في أسعار النفط يمكنها أن تغطي بسهولة عجز الميزانية غير دقيقة، وهذا وضع مستجد بالنسبة لمالية الكويت خلال السنوات الأخيرة.
توقعات قاتمة
وفي سوق النفط، يجب فهم أن العوامل الداعمة كخفض الإنتاج أو الحرب الروسية -الأوكرانية ليست وحدها في السوق، فثمة عوامل أخرى ضاغطة أولها ترقب ردة فعل مستهلكي النفط لا سيما الولايات المتحدة تجاه الخفض المفاجئ لإنتاج «أوبك بلس»، التي قد تفضي إلى تحول التهديد بإقرار «قانون نوبك»، الذي يعتبر منظمة أوبك كجهة احتكارية، إلى قانون نافذ بكل ما يترتب عليه من عقوبات مالية وضريبية، علاوة على أثر التوقعات المستقبلية القاتمة للنمو الاقتصادي العالمي تؤثر سلباً على الطلب على النفط، وآخرها خفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2023 من 2 في المئة إلى 1.7 في المئة، بالتوازي مع تقديم صندوق النقد الدولي أضعف توقعات للنمو الاقتصادي العالمي منذ عام 1990 إذ يتوقع ألا يزيد معدل النمو العالمي حتى عام 2028 عن 3 في المئة سنوياً، فضلاً عن توقعاته لخفض متوسط أسعار النفط الخام العام الحالي بواقع 24 في المئة عن الأسعار الحالية، وصولاً إلى 73 دولاراً لبرميل النفط و69 دولاراً للبرميل العام المقبل 2024 بسبب المخاوف، التي تسيطر على النمو الاقتصادي العالمي.
ضغوطات
كما تواجه أسعار النفط عالمياً ضغوطاً تسببها احتمالات رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والاقتصادات الأوروبية، وما يترتب على ذلك من أوضاع تدفع نحو تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتعزيز مخاوف الركود، بالتالي الحد من الطلب على النفط، خصوصاً من الصين التي تخلت من سنوات عن معدل النمو السنوي القياسي (أعلى من 6 في المئة) ليسجل للعام الثاني على التوالي نمواً عند مستوى 5.2 في المئة.
وتظل مسألة أسعار النفط مرتبطة بعوامل عديدة، لكن ما يهمنا منها في الكويت مدى قدرتنا أو مرونتنا على التعامل مع تقلباتها، خصوصاً أن عوامل دعمها وقتية والضغوط المرتبطة بالسوق كتباطؤ النمو الاقتصادي تبدو أكثر عمقاً وأوقع أثراً، بالتالي فلا يمكن تصور مواجهة أي موقف صعب أو جدي من خلال ميزانية منفلتة في مصروفاتها، بل هي الأعلى إنفاقاً في تاريخ الكويت بقيمة 26.27 مليار دينار، وبعيدة كل البعد عن أي وجه من أوجه الاستدامة الاقتصادية أو المالية، كون 80 في المئة من الإنفاق العام متجه نحو الرواتب والدعوم، بل انها ضعيفة التحوط من جهة عدم تفعيل بند نسبة استقطاع 10 في المئة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة المتوقف منذ ثلاث سنوات بسبب ظروف المالية العامة خلال جائحة كورونا، رغم انتهاء هذه الجائحة وتداعياتها على الأسواق والاقتصادات المختلفة في العالم، مما يعزز من مخاوف الارتفاع المستمر في الإنفاق، دون اتخاذ أي إجراء احترازي ولو كان محدود الأثر يتعلق بتعزيز أوضاع الجهة الوحيدة في الكويت المعنية بالمستقبل وهو صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
وقف النزيف
اليوم، مع تشكيل حكومة لا يمكن وصفها بالجديدة إلا من خلال ترتيبها الـ 42 من ضمن الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، ووجود بعض الوزراء ذوي الخلفية الإصلاحية ضمن الفريق الاقتصادي الحكومي، يمكن القول إن أولى خطوات وقف النزيف المالي يتمثل في إعادة النظر في مصروفات الميزانية المتضخمة - قبل إقرارها من مجلس الأمة - التي ارتفعت مقابل الميزانية السابقة بنسبة 11% رغم تكليف مجلس الوزراء في شهر سبتمبر الماضي لوزير المالية تحديد سقف لا يتم تجاوزه للإنفاق خلال السنوات الثلاث المقبلة... فإذا لم تتم إعادة النظر بالمصروفات وضبطها وإعادة هيكلتها، فلا قيمة لا للتوجهات الإصلاحية، وبالتالي لا قدرة على تنفيذها واقعياً.