جميل راتب... سفير السينما المصرية «2-6»

• الأفلام تتدفق على النجم العائد للوطن بعد التألق عالميًا

نشر في 14-04-2023
آخر تحديث 13-04-2023 | 16:49
انطلق الفنان جميل راتب إلى آفاق العالمية، منذ منتصف الأربعينيات وحتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، وعرف طريقه إلى أدوار البطولة في الأفلام الأجنبية، وقدَّم روائع المسرحيات من خلال فرقته الخاصة في باريس، وصعد إلى خشبة مسرح «كوميدي فرانسسيز»، وكتبت الصحف الفرنسية عن الممثل المصري الموهوب، وتتابعت الرحلة. سار جميل راتب عكس التيار، وفي ذروة نجاحه في المسرح والسينما العالمية، قرّر العودة مُجددًا إلى مصر عام 1974، بينما يحلم كل فنان بالخروج من نطاق المحلية إلى العالمية، ويسعى إلى ذلك في حال تهيأت الفرصة المواتية، لكنه فضَّل أن يحقق حضوره الفني في بلده، وأن يكون قريبًا من العائلة.

بدأ النجم المتألق يتحسس طريقه في السينما المصرية، ووقتها كان الوسط الفني يدرك أهمية وجود ممثل بهذا الحجم، وعلّق بعض المغرضين بأنه جاء بعد إخفاقه في تجربته العالمية، ولكن النجم العائد إلى وطنه، أثبت أن قيمة الفنان الحقيقي لا تقترن باغترابه بعيدًا عن أهله، واللافت أنه حصل على أدوار البطولة المطلقة في الأفلام الأجنبية، ولم يحصل عليها في السينما المصرية!

وهناك نجوم تألقوا في السينما الهوليوودية من جنسيات مختلفة، لكنهم ظلوا يعملون داخل بلدانهم، مثل الفرنسي فينيس كاسيل والألماني توماس كريتشمان، ومن إنكلترا شون كونري وأنتوني هوبكنز ومايكل كين ودانيال دي لويس، وأيضًا النجم المصري عمر الشريف عاد إلى مصر، وشارك في أعمال سينمائية ودرامية عدة.

وقد لعب جميل راتب بطولة 25 عملًا أجنبيًا، ولم تتوقف مسيرته في السينما العالمية والعربية بعودته إلى مصر، وظل يطير بين حين وآخر إلى باريس وتونس، وقدّم أفلامًا عِدة، منها «صيف حلق الوادي» إنتاج تونسي - فرنسي عام 1996، وهو ثاني فيلم روائي طويل للمخرج فريد بوغدير، وشارك في بطولته راتب، بجانب مجموعة من النجوم، منهم التونسيان مصطفى العدواني وسنية المنقعي، والإيطالية كلوديا كاردينالي والفرنسي إيفوسا ليزينو.

اقرأ أيضا

وظل صنّاع السينما الفرنسية يطلبون راتب في أدوار البطولة، فقد عمل في سبعة أفلام خلال السنوات العشر الأخيرة، كما عمل أيضًا في أفلام تونسية إنتاج فرنسي، منها «شيشخان» و«كش ملك»، وكانت آخر مشاركاته في عام 2012 في الفيلم الفرنسي «غيمة في كوب من الماء».



«كفاني يا قلب» أول لقاء على الشاشة مع النجم فريد شوقي

الكداب والشرير

عندما عاد راتب بعد تألقه في السينما العالمية، كانت السينما المصرية بحاجة إلى ممثل شاب يستكمل مسيرة نجوم أدوار الشر مثل محمود المليجي وتوفيق الدقن، اللذين اتجها إلى تجسيد شخصيات تتناسب مع تقدمهما في العمر، وبحضور «الجنتلمان» سد فراغًا في هذه النوعية من الأدوار، ولم ينافسه فيها سوى النجم عادل أدهم، والمفارقة أنهما لم يجتمعا في عمل فني طيلة مشوارهما الفني!

وتقابل راتب مع صديقه المخرج المسرحي كرم مطاوع، واشترك معه في مسرحية «دنيا البيانولا» (1974)، وفي العام التالي عرض عليه المخرج صلاح أبوسيف دورًا مهمًّا في فيلم «الكداب»، قصة صالح مرسي، وبطولة محمود ياسين وميرفت أمين وشويكار وسمير غانم ومحمد نجم وسيد زيان وعلي الشريف.

وعلى ملصق الفيلم ظهر اسم جميل راتب كضيف شرف، ولعب دور «سامي كمال» مدير مصنع النسيج، الذي تحوم حوله الشبهات في التلاعب بحصص الأقمشة، ويقرِّر الصحافي «حمدي» نشر تحقيق صحافي حول هذا الأمر، وطرحه أمام الرأي العام، ويحاول صاحب المصنع الضغط على حمدي لنشر تكذيب لهذه المعلومات المنشورة، وتتابع الأحداث.

ولفت جميل راتب أنظار المخرج كمال الشيخ، وأسند إليه دور «رشدي بك» في فيلم «على من نطلق الرصاص؟» أمام السندريلا سعاد حسني وعزت العلايلي ومحمود ياسين ومجدي وهبة وفردوس عبدالحميد، ووداد حمدي وحسن عابدين وعدلي كاسب.

وكان الفيلمان بمثابة بطاقة تعارف بين راتب وجمهور السينما المصرية، وارتدى خلالهما قناع الشر، وانهمرت العروض على النجم العائد إلى بلده، وتوالت أعماله في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، وظل يبحث دائمًا عن العمل الجيد، ولا يكترث بمساحة الدور، ويعتمد على موهبته المتفردة في تجسيد شخصيات متبابنة، وأصبح من أهم الممثلين المصريين.

«شفيقة ومتولي» شريط استثنائي مع السندريلا سعاد حسني

وجهًا لوجه

وبدأ جميل راتب مرحلة الانتشار في عام 1976، وشارك في أربعة أفلام، الأول “وجهًا لوجه” تأليف سمير نوار وإخراج أحمد فؤاد، ولعب فيه دور عالم الآثار “فيليب جون”، أمام محمود عبدالعزيز وسهير رمزي ومصطفى فهمي وأمينة رزق وسعيد عبدالغني.

ويدور الفيلم في إطار تشويقي حول تكليف ضابط شرطة بالقبض على أحد أفراد عصابة من أخطر مهربي الآثار، وهو لا يدري أن المطلوب ضبطه هو شقيقه، وفي لحظة اكتشافه حقيقته يقرر ترك عالم الجريمة ليبدأ حياة شريفة من جديد، إلا أن العصابة تقف له بالمرصاد، وتتابع الأحداث.

وعاد راتب إلى أدوار الشر في فيلم «سنة أولى حب»، قصة مصطفى أمين، ولأول مرة يشارك خمسة من كبار المخرجين في إخراج فيلم واحد، هم حلمي رفلة وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ وعاطف سالم ونيازي مصطفى. وظهرت بصمة كل منهم في المشاهد المتباينة بين الرومانسية والأكشن والميلودراما والواقعية.

ودارت أحداث الفيلم في حقبة الأربعينيات قبل قيام ثورة يوليو 1952، وجسَّد راتب شخصية “عوني حافظ وزير الداحلية”، أمام مجموعة من النجوم، منهم نجلاء فتحي ومحمود ياسين وبوسي وعمر الحريري وشويكار ومريم فخر الدين وحسن عابدين ومحمد السبع ومحمد الدفراوي.

بيت بلا حنان

وارتدى راتب قناع الشخصية الشعبية في “بيت بلا حنان”، ولعب دور “الأسطى رجب” أمام النجمة نادية لطفي وهدى سلطان وسمير صبري وعماد حمدي وسعيد صالح وتوفيق الدقن وهالة فاخر وصلاح نظمي وحياة قنديل وإبراهيم نصر، والفيلم تأليف مصطفى محرم وإخراج علي عبدالخالق. كما شارك في فيلم “الشيطان يدق بابك”، سيناريو عبدالحي أديب وإخراج محمد نبيه، وضم مجموعة من النجوم، منهم شكري سرحان وناهد يسري ومجدي وهبة ومحمد خيري وصبري عبدالعزيز.

واستمر تألق “الجنتلمان” في سينما السبعينيات، وشارك في فيلمين عام 1977، أولهما “كفاني يا قلب”، تأليف موسى صبري وإخراج حسن يوسف، وجسّد فيه دور “راشد” أمام مجموعة من النجوم هم فريد شوقي وشمس البارودي ومحمود عبدالعزيز وعمر الحريري ومحمود قابيل ومحمود رضا وعزيزة حلمي.

وارتدى “الأرستقراطي” قناع الشر في فيلم “فتاة تبحث عن الحب”، تأليف محمد أبويوسف وإخراج نادر جلال، وجسّد شخصية “المعلم سعدون” أمام النجوم نور الشريف ويسرا وشويكار وعماد حمدي.

وتدور الأحداث في إطار خيالي حول “فتحية” صاحبة مطعم صغير، يرتاده عمّال منجم، وتساعدها ابنتها، وينزل إلى البلدة شاب قادم من العاصمة يُدعة مجدي لكي يعمل مراقبًا على المنجم، ويتصدى لتجاوزات “المعلم سعدون” رئيس العمّال.

«الأرستقراطي» يرتدي قناع الشر أمام يسرا ونور الشريف

مسافر بلا طريق

وارتفع مؤشر أفلام جميل راتب في عام 1978، وشارك في خمسة أفلام دفعة واحدة، أولها فيلم “مسافر بلا طريق”، تأليف شريف المنباوي، وإخراج علي عبدالخالق، وبطولة صلاح ذوالفقار ومحمود ياسين وماجدة الخطيب ومحمود المليجي ومحسن سرحان وعفاف شعيب وميمي جمال.

ويدور الفيلم حول فنان تشكيلي يُدعى أسامة يقرّر السفر إلى الأقصر للبحث عن أسرار الرسوم واللوحات الفرعونية، وهناك يتعرض لعصابة “أنطوان” المتخصصة في سرقة الآثار، ويفقد ذاكرته ويلتقي بإحدى القبائل البدوية، ويعيش مع أفرادها، ثم تتصاعد الأحداث.

وشارك راتب في بطولة “بنت غير كل البنات” مع سهير المرشدي ومصطفى فهمي وعماد حمدي، وقصة فوزية عبدالمنعم وإخراج كمال صلاح الدين، ودارت أحداث الفيلم في إطار ميلودرامي حول شاب يخدع خطيبته ويتزوج من أخرى، وتواجه هذه الزوجة تهمة جريمة قتل مصطفى (جميل راتب) وتخضع للمحاكمة.

وفي فيلم “امرأة في دَمي” تأليف عبدالحي أديب وإخراج أحمد فؤاد، جسّد راتب شخصية “جيمي” أمام سهير رمزي ومحمود عبدالعزيز وإيمان سركيس وليلى حمادة، ودارت قصته في إطار اجتماعي حول فكرة الوفاء والتضحية من أجل الآخرين.


أخباره الفنية كانت تتصدر الصحف الفرنسية
أخباره الفنية كانت تتصدر الصحف الفرنسية
أفندينا والسندريلا

ويعد “شفيقة ومتولي” للمخرج علي بدرخان، لقاءً استثنائيًا بين راتب والسندريلا سعاد حسني، ولعب في هذا الفيلم دور “أفندينا”، وشارك في البطولة مجموعة من النجوم، منهم أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز وأحمد مظهر وعبدالوارث عسر ويونس شلبي وأحمد بدير ومحمود الجندي.

والفيلم مُستوحى من القصة الشعبية “شفيقة ومتولي”، وكتب السيناريو صلاح جاهين، ويدور في منتصف القرن التاسع عشر، حين تستدعي السلطات الحاكمة عشرات الآلاف من الشباب للعمل بالسُخرة في حفر قناة السويس، ويترك “متولي” شقيقته “شفيقة” في القرية مع الجد العجوز، وتنتهي الأحداث على نحو مأساوي.

وصادف “شفيقة ومتولي” عثرات عِدة، منها تعرض المخرج يوسف شاهين (منتج الفيلم) لوعكة صحية، فأسند مهمة الإخراج إلى المخرج علي بدرخان، وحقق هذا الشريط السينمائي نجاحًا كبيرًا، وحصل على جائزة “الطانيت البرونزي” في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي السابع في نوفمبر 1978.

«الجنتلمان» يلتقي بخمسة مخرجين في «سنة أولى حب»

استبعاد النجم العالمي من فيلم «الكرنك»

تعرض الفنان جميل راتب لموقف صادم، حين عودته إلى مصر عام 1974 للمشاركة في أعمال فنية، ووقتها كان يجري التحضير لفيلم «الكرنك» عن رواية للكاتب نجيب محفوظ وإخراج علي بدرخان.

ورشحه صديقة الشاعر صلاح جاهين، لدور الضابط، ولكن القائمين على العمل جاءوا بالفنان كمال الشناوي بديلًا عنه، ونور الشريف بدلاً عن أحمد زكي، بدعوى أنهما ليسا نجومًا، وفؤجئ النجم العالمي بهذا القرار الغريب.

ورغم هذا الموقف الصادم، أصر راتب على البقاء في مصر، ولمع اسمه في فترة وجيزة، حين رشحه المخرج صلاح أبوسيف لدور مهم في فيلم «الكداب» (1975)، وفي العام ذاته شارك في فيلم “على من نطلق الرصاص؟” للمخرج كمال الشيخ، وبعدها انهالت عليه الأدوار من معظم مخرجي السينما، وبعد أن نجح سينمائيًا في مصر طلبته السينما الفرنسية في بطولات عِدة، واستحق عن جدارة لقب “سفير السينما المصرية”.

«الأرستقراطي» يهاجم أسرته بسبب جمال عبدالناصر!

مر الفنان جميل راتب بالعديد من المفارقات خلال مشواره الفني، وهاجم ابن الطبقة الأرستقراطية أسرته في حوار تلفزيوني سابق بسبب انتقادهم الرئيس جمال عبدالناصر الذي انحاز بقرارات التأميم إلى الفلاحين والبسطاء.

ويرجع سر حب راتب للبسطاء، إلى أنه عايش في بداية حياته بفرنسا حياة هؤلاء الفقراء، حين قطع عنه والده المصروف الشهري، بعد أن علم أن ابنه ترك دراسة الحقوق من أجل التمثيل، ما اضطره للعمل في مهن محتلفة، لتغطية نفقاته اليومية.

وكانت من أحلامه الفنية، أن يُجسِّد شخصية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، لكنه بمرور الوقت، وجد أن الفرصة تضاءلت، وأن الدور لم يعد يناسبه، لا سيما عندما اختاره المخرج السوري أنور القوادري للمشاركة في فيلم «جمال عبدالناصر» عام 1999.

وخلال فترة التحضير للفيلم، طلب من المخرج تقديم شخصية المشير عبدالحكيم عامر، كونها تحمل درامية بالغة الثراء، لكن القوادري طلب منه تجسيد دور الرئيس محمد نجيب، بينما لعب الفنان خالد الصاوي دور عبدالناصر، ولعب دور عبدالحكيم عامر الفنان الراحل هشام سليم.

حذف مشهد لأفضل ممثل من فيلم الفرسان الثلاثة

عرف الفنان جميل راتب طريقه إلى الجوائز، منذ شارك في مسرح المدرسة والجامعة، وكسر الفتى الانطوائي حاجز العُزلة والخجل، وحصل في أواخر الثلاثينيات على جائزة الممثل الأول على مستوى المدارس المصرية والأجنبية في مصر.

ولفت الفتى الموهوب أنظار المخرجين، ورشحه حينها المخرج توجو مزراحي لتقديم مشهد مع الفنانة عقيلة راتب في فيلم «الفرسان الثلاثة» عام 1941، وكان والده يعتبر أن نشاط المسرح جزءٌ من العملية التعليمية، وليس مبررًا لأن يصبح ابنه “مشخصاتيًا”.

وحين علم والد جميل بمشاركته في “الفرسان الثلاثة” غضب بشدة، وطلب من المخرج أن يحذف المشهد، فاستجاب الأخير لثورة الأب العارمة، وتأجل ظهور جميل راتب على الشاشة لخمس سنوات، حين شارك عام 1946 في فيلم «أنا الشرق» مع النجمة الفرنسية كلود جودار.

back to top