في شهر فبراير الماضي كتبت مقالة بعنوان «بوق... ولا تخاف!!!»، ذكرت في مقدمتها أنني غادرت الكويت قبل المساهمة في انتخابات 29 سبتمبر، لأنني كنت مقتنعاً، وما زلت على رأيي، بألا أمل في علاج أمراض سياسية استوطنت عقول غالبية الناخبين الكويتيين، حتى صار شفاؤهم منها «بين يوم وليلة» أو «بضغطة زر» صعباً، ولهذا كان سوء اختيارات الناخبين، فاختاروا نواباً مشبعين بالطائفية والقبلية والتطرف الديني، وحتى القبيضة عادوا إلى البرلمان، فصحّت توقعاتي بصعوبة التغيير خلال فترة قصيرة من الزمن، فكانت النتيجة صدور أحكام المحكمة الدستورية قبل أسابيع ببطلان مجلس 2022، وعودة مجلس 2020.
وهذا التعليل والتحليل يسري على شهر رمضان المبارك أيضاً، فهل يعقل أن شهراً واحداً سيغير سلوكيات البشر من حولنا، بعد أن كانوا بعيدين عن روحانيات رمضان خلال 11 شهراً سابقة؟ بمعنى آخر هل يستطيع شهر رمضان أن يصلح ما أفسدته الشهور الأخرى من السنة؟ لقد رأيت بعيني في المقبرة ذات مرة أفراد أسرة دفنت فقيدها الذي راح ضحية استهتار في قيادة مركبته، فأسمع أن شقيقه شارك زملاءه في التفحيط في اليوم التالي من دفن شقيقه، فإذا لم يتعظ هذا الشاب من أسباب فقده لشقيقه الذي لم يجف دمه بعد في قبره، فمن الذي سيتعظ؟
وإذا كنا جميعاً نعرف أن شهر رمضان هو شهر العبادة والاستغفار والتسامح والإكثار من الصلاة وقراءة القرآن إلى جانب الصوم، فمن هؤلاء الذين يتسمرون أمام أجهزة التلفزيون ساعات طويلة لمتابعة المسلسلات وبرامج المسابقات والأفلام، بالإضافة إلى لعب الورق (الكوت) وممارسة رياضة البادل ومشاهدة دورات كرة القدم الرمضانية؟
إننا نتحدث عن مدى إمكانية فتح صفحة إيمانية جديدة لتنعكس على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ليتغير بعدها الناس بمقدار 180 درجة، فيقوم الفرقاء أو «الأعدقاء» مثلاً بتهنئة بعضهم بعضاً، أو يقوم الأشقاء بالتقرب من بعضهم بعضاً مباشرة عبر الزيارات المنزلية، أو على الأقل بالاتصال التلفوني شخصياً، في حال بعد المسافات وكثرة الأشقاء والشقيقات، وليس كما يمارسه الكثيرون اليوم عندما يكتفون بالواتساب بعد أيام من حلول الشهر الفضيل.
الحقيقة المرة تشير إلى أن شهر رمضان خلال العقدين الماضيين، خصوصاً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد في بعض جوانبه ذلك الشهر الذي يفيض فيه التسامح والمودة، فبداية التثقيف الرمضاني تبدأ من الأسرة وبدعم من المدرسة ووسائل الإعلام، إلا أننا لا نرى شيئاً من هذا القبيل منذ عقود من الزمن، حتى ترعرع النشء على هذا النمط الرمضاني. ولهذا قيل إن «القطو العود ما يتربى»، لأن كل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في دول الخليج اليوم تواصل مسيرتها الماراثونية في جذب المزيد من المتابعين (مشاهدين ومستمعين) إليها من خلال تكثيف البرامج المسلية وإن غلفت بالثقافة تارة والدين تارة أخرى نادرة، فكيف يستطيع المجتمع في مثل هذه الظروف أن يعود إلى سيرته الروحانية القديمة؟