شهد السودان في الساعات الأخيرة مساعي داخلية وخارجية لتفادي اندلاع مواجهة مسلحة، بين قوات الجيش الموالية لرئيس مجلس السيادة الحاكم عبدالفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بزعامة نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد أن وصل منسوب الخلاف بين الطرفين إلى مستوى خطير، بعد أن عطلت التباينات التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي بين القوى العسكرية والمدنية أكثر من مرة.

وفجر أمس حذّر الجيش السوداني قوات «الدعم السريع» من أن التعبئة داخل العاصمة الخرطوم ومدن سودانية دون تنسيق معه قد يؤدي إلى صراع مسلح بين الجهتين. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية العميد نبيل عبدالله، في بيان مصور، «يقع على عاتق القوات المسلحة دستوراً وقانوناً، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة، وقد نظمت القوانين كيفية تقديم هذا العون».

Ad

وأضاف: «بناءً على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر، بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع تحشيد القوات والانفتاح (الانتشار) داخل العاصمة وبعض المدن».

وأردف: «هذه التحركات والانفتاحات (الانتشار) تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها، (ما) أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين، وفاقم من المخاطر الأمنية، وزاد من التوتر بين القوات النظامية».

وذكر الجيش في بيانه، أن «هذه الانفتاحات وإعادة تمركز القوات يخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع وفيه تجاوز واضح للقانون ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية، واستمرارها سيؤدي حتماً إلى المزيد من الانقسامات والتوترات، التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن». وجدد الجيش تمسكه «بما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي وفقا لما تم في الاتفاق الإطاري».

مواجهة مَرَوي

وفي وقت سابق، اتهم مسؤول في حكومة الولاية الشمالية قوات حميدتي بتحريك مجموعة ضخمة إلى مَرَوي ونشر نحو 100 سيارة نقل عسكرية بالقرب من مطارها بصورة مفاجئة، موضحاً أن قيادة الجيش استدعت قوات من مناطق أخرى لمواجهة الموقف.

وقال المسؤول، إن القوات المسلحة طالبت قوات الدعم السريع بالانسحاب من منطقة تمركزها الجديدة في مروي في غضون 24 ساعة، وإن لم تفعل فسيتم إجبارها على ذلك.

وقبل ترؤسه اجتماع مجلس الأمن والدفاع بحضوره حميدتي، مساء أمس، قال عبدالفتاح البرهان إن استقرار السودان يرتكز على قيام جيش وطني موحد، عبر تنفيذ إصلاح المنظومة الأمنية، مؤكداً تمسكه بوجوب دمج قوات الدعم السريع ضمن صفوف القوات المسلحة، وضرورة عدم تحركها دون تنسيق.

ورغم وصول تعزيزات من قوات الجيش السوداني إلى مروي وانتشارها الكثيف في محيط المطار، أبقت قوات الدعم السريع على عناصرها ومركباتها بالمدينة ولم تبدأ عملية الانسحاب.

ونفت قوات الدعم السريع، أمس الأول، تنفيذ أي أعمال حربية بالمدينة الوقعة شمالي السودان، واصفة الأنباء المتداولة في الإعلام المحلي حول ذلك بـ»المضللة والكاذبة».

وقالت قوات الدعم في بيان، إنها «قوة وطنية منوطة بالقيام بمهام وواجبات وطنية يضمنها لها القانون، وتؤكد انتشارها وتنقلها في جميع أنحاء البلاد، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومكافحة ظواهر الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ومكافحة التهريب والمخدرات والجرائم، ومواجهة عصابات السطو المسلح أينما وجدت».

وتظاهر سودانيون أمام حامية للجيش في ناحية مروي للتضامن مع القوات المسلحة، وردد المتظاهرون هتافات مساندة للجيش. وأظهر فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قائدا لفرقة في الجيش السوداني في المنطقة وهو يخاطب المواطنين ويؤكد لهم أن الوضع تحت السيطرة.

و»الدعم السريع» قوة مقاتلة بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تأسست عام 2013 لمحاربة متمردي دارفور (غرب) ثم لحماية الحدود وحفظ النظام لاحقاً، وهي تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا توجد تقديرات رسمية لعددها، إلا أن المؤكد أنها تتجاوز عشرات الآلاف.

وفي ظل التوتر غير المسبوق، نقلت صحيفة «الديموقراطي» السودانية عن مصادر سياسية سودانية بأن السعودية، دخلت على خط الوساطة لنزع فتيل الأزمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، موضحة أنها «اقترحت سحب قوات الدعم السريع من مروي على أن يُعالج لاحقاً الوجود العسكري بالقاعدة الجوية».

ومع تدخل العديد من السفارات الأجنبية للتهدئة، عقدت القوى المدنية اجتماعات وشكلت لجنة للتواصل مع البرهان وحميدتي لنزع فتيل التوتر.

وفي مستهل الاجتماع الطارئ للقوى السياسية، حذر رئيس حزب الأمة القومي اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر من أن الوضع بين الطرفين بات خطيرا جداً، داعيا قادة الجيش والدعم السريع والأحزاب السياسية لاجتماع عاجل.

واعتبر أن بيانات الاحتقان بين الجيش والدعم السريع وصلت «مرحلة ما قبل الطلقة الأولى». ونبه إلى أن الوضع الأمني الراهن قريب من الانزلاق ولا يتحمل إجراءات روتينية.

كذلك اعتبر أن الأوضاع تتطلب تجميد كل فعل أو قول عسكري. ودعا كل القوى السياسية إلى النأي عن إصدار أية بيانات أو دعم لطرف على حساب آخر.

من جهته، دعا تجمع المهنيين السودانيين قادة القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة والمخابرات إلى تغليب صوت العقل.