جسّدت النجمة المتألقة، العديد من الأدوار المتميزة، ومنها دور «هنومة» في فيلم «باب الحديد» (1958)، إخراج يوسف شاهين، وتخلت عن جمالها في فيلم «الحلوة عزيزة» (1969)، للمخرج حسن الإمام، وجسّدت شخصية فنانة تعرّضت لتشوه وجهها.
وظهرت النجمة الشهيرة بشخصيتها الحقيقية، كضيفة شرف في فيلم «إشاعة حب» (1961)، إخراج فطين عبدالوهاب، وبطولة سعاد حسني وعمر الشريف، واتسم قبولها للدور بجرأة بالغة في مواجهة الأكاذيب، ودارت أحداثه حول شائعة طاردت نجمة سينمائية، والفكرة مقتبسة من الفيلم الأميركي «حديث المدينة» (1942) للكاتبة الأميركية أنيتا لوس والمخرج جورج ستيفنز.
طريق الأحزانتوافد المهنئون إلى منزل الضابط ذي الأصول التركية حسين مراد رستم في ضاحية «محرم بك» بمدينة الإسكندرية الساحلية، بعد مولد ابنته ناريمان (هند) يوم 12 نوفمبر 1931، وبعد سنوات قليلة، تلاشت السعادة والاستقرار الأسري، ونشبت الخلافات بين الزوجين، وانتهت بانفصالهما، وطفلتهما في التاسعة من عمرها.
وتمزقت مشاعر الطفلة بين والدها وأمها المصرية الأصل (نجاة)، ذات الجمال الباهر، التي تزوجت مرة أخرى، فأخذ الأب طفلته لتعيش معه، وألحقها بمدرسة فرنسية، ثم سافرت معه إلى القاهرة، واستقرت في بيت جدتها بضاحية «غاردن سيتي».
وأغدقت عليها الجدة خديجة هانم التدليل الزائد، لتعوضها الحرمان من أمها، وغياب والدها لانشغاله بعمله، وألحقتها بالمدرسة الألمانية في ضاحية «باب اللوق»، ولكنها فُصِلت منها بسبب شقاوتها المفرطة، وضربها لزميلاتها، ووخزهن بالدبابيس، لتلتحق بمدرسة أخرى هي «سان فان سانت بول» الفرنسية.
في تلك الفترة، كانت الطفلة الشقية ترتدي أحذية الأولاد، وتمنت أن تكون ولدا، وتأثرت بوالدها كثيرا، وقلدت مشيته العسكرية، وقد علّمها ركوب الخيل، واكتشفت موهبتها التمثيلية مبكرا، وشاركت في الرحلات والحفلات المدرسية، وقررت أن تصبح نجمة مشهورة.
وظلت الطفلة ممزقة المشاعر بين والديها، وتزداد شقاوتها كبديل لحرمانها من الدفء الأسري. وكانت تذهب في الإجازة الصيفية إلى الإسكندرية، وتمكث مع والدتها بضعة أسابيع، وتعود مع بداية الدراسة، وبعد سنوات تزوج والدها مرة أخرى، ولم يستقر بالقاهرة، وفرضت عليه وظيفته كضابط شرطة أن يتنقل من مدينة إلى أخرى.
رحلت الجدة خديجة هانم رستم، وتركت حفيدتها التي بلغت السادسة عشرة من عمرها، وفي ذلك الوقت انفصلت أمها عن زوجها الثاني، وحملت لقب مطلقة مرة أخرى، وانتقلت للعيش معها في الإسكندرية، وبعد فترة استقرتا في القاهرة، وأقامتا في شقة صغيرة في ضاحية «الحلمية الجديدة» (شرق القاهرة)، وعاش الاثنتان حياة بالغة الصعوبة.
موعد مع الشهرةطرقت التلميذة الصغيرة أبواب الفن، وذات يوم ذهبت مع إحدى زميلاتها في مدرسة «سان فان سانت بول» الفرنسية إلى مسرح نجيب الريحاني، وهناك قابلت الممثلة الكوميدية نجوى سالم، وأخبرتها أنها تجيد الرقص والغناء، وتشارك في العروض المسرحية بالمدرسة، وتبحث عن فرصة للتمثيل.
وطلبت منها نجوى سالم أن تأتي في اليوم التالي، لحضور بروفة المسرحية، ولكن الفتاة الشقية غيَّرت وجهتها إلى استوديوهات السينما، ورأت عن قرب نجوم ونجمات زمن الأربعينيات، وقررت العمل كومبارس، وكأن شيئا يجذبها إلى الشاشة، ويبتعد بها عن خشبة المسرح.
ولفت جمالها وجرأتها أنظار بعض المخرجين في ذلك الوقت، وأسندوا إليها أدوارا هامشية، وتلاشت فرحة الظهور في مشاهد عابرة، وأدركت أن الفرصة لا تزال بعيدة، ولكن ابنة الضابط كانت على موعد مع الشهرة، والتقت المخرج حسن رضا الذي لعب دورا كبيرا في حياتها، وعرفت طريقها إلى أدوار البطولة.
عندما عملت هند بالتمثيل، عادت أمها مرة أخرى إلى الإسكندرية، ودخلت النجمة الصاعدة إلى حلبة المنافسة مع نجمات الخمسينيات شادية ومديحة يسري وتحية كاريوكا وغيرهن، وتعاونت مع كبار المخرجين مثل يوسف شاهين وحسن الإمام وصلاح أبوسيف وعزالدين ذوالفقار.
وحظيت النجمة بأدوار مهمة في أعمال كبار الكُتَّاب، منها «رد قلبي» (1957) للأديب يوسف السباعي، وفي نفس العام «لا أنام» للكاتب إحسان عبدالقدوس، و«الخروج من الجنة» (1967) عن قصة للكاتب توفيق الحكيم، و«الجبان والحب» (1957) للكاتب موسى صبري، ورشحها الأديب عباس العقاد، لتجسيد شخصية «سارة» في روايته الوحيدة التي تحمل العنوان ذاته.
تزوجت هند رستم مرتين، الأولى من المخرج حسن رضا والذي بدأت معه مرحلة النجومية، ورُزقت منه بابنتها الوحيدة «بسنت»، ولم يستمر الزواج إلا ثلاث سنوات فقط، ووقع الطلاق بعد حدوث حمل، حين طلب رضا منها التخلص من الجنين، ولكنها رفضت، وبعد إنجاب الطفلة، رفض أن يعترف بها.
ولجأت هند إلى المحكمة، لإثبات نسب ابنتها، وعانت من تلك الأزمة، وبكت أمام القاضي، وقالت له إنها تطلب من رضا الاعتراف بابنتهما، ولكنه كان متزوجا من قبل، ولديه أبناء، ولا يريد هدم بيته الأول، وحكمت المحكمة بصحة نسب «بسنت» وأن حسن رضا هو والدها، ورغم ذلك لقنت ابنتها أن تحترم والدها الذي رحل في عام 1982.
وظلت النجمة لمدة سبع سنوات من دون ارتباط، وخلال تلك الفترة توفيت والدتها، بعد صراع مع المرض، وأصيبت بصدمة وحزن شديد لفراقها، وتوقف نشاطها الفني فترة طويلة.
وتعرفت على الدكتور محمد فياض طبيب أمراض النساء الشهير، في بداية حياته المهنية، والتقت به عدة مرات، وكان وقتها مدرسا مساعدا في الجامعة، ولم يكن لديه شقة، بل عيادة مشتركة مع شقيقه، بينما كانت النجمة في قمة شهرتها وتسكن في شقة بضاحية الزمالك. ونشأت بينهما قصة حب تكللت بالزواج عام 1961. وكان عمر «بسنت» وقتها عشر سنوات، واعتبرها فياض بمنزلة ابنته.
بعد زواجها من الدكتور فياض، أضافت هند لمكتبتها بعض الكتب الطبية، كأنها تحاول اكتشاف عالم زوجها الخاص، ومشاركته اهتماماته، ولكنها لم تجرؤ على مناقشته فيما قرأته، وبدوره كان يأتي لها بأحدث النشرات العلمية حول آثار التدخين، ويهتم بمتابعة حالتها الصحية.
أسرار الاعتزالاختفت هند رستم من الشاشة، وأسدل الستار على نحو 50 عاما من التألق الفني، بعد بطولة فيلم «حياتي عذاب» (1979)، وتقاضت ثلاثة آلاف جنيه عن دورها، ودارت التساؤلات حول اعتزالها في أوج مجدها وشهرتها، وهل كان التقدم في العمر أحد الأسباب، أم أن تغيُّر المناخ السينمائي عجَّل بأصعب قرار في حياة راهبة السينما المصرية.
وعاشت كزوجة وأم، وتفرغت لحياتها الخاصة، وقبل شهور من رحيلها، أقنعها الإعلامي محمود سعد بالتسجيل الصوتي في برنامجه، وعندما ذهب بالكاميرا إلى منزلها، فوجئ بأن النجمة المعتزلة تفتح له الباب وتستقبله بنفسها، وتغير المشهد بظهورها المفاجئ، وبادرته بأن ابنتها بسنت أقنعتها بأن تطل على الشاشة الصغيرة.
وتحدثت رستم عن حياتها بعد الاعتزال، وابتداء يومها في الخامسة صباحا، وجلوسها أمام صورة زوجها الدكتور محمد فياض الذي رحل عام 2009، وتواصلها مع صديقتها ورفيقة مشوارها الفنانة مديحة يسري، وعشقها الجارف للمسرح، ورفضها للقب «ملكة الإغراء» الذي أطلقه عليها الإعلامي مفيد فوزي، ولكنه نبهها إلى الخروج من أسر هذه الأدوار، وتجسيد ألوان الدراما المحتلفة.
الوصية الأخيرةشهدت الساعات الأخيرة في حياة هند رستم، تفاصيل متلاحقة، وأجرت اتصالا هاتفيا مع الفنانتين مديحة يسري وإلهام شاهين وبعض أصدقائها المقربين، وعلى نحو مفاجئ تدهورت حالتها الصحية، ونُقِلت إلى المستشفى لتفارق عالمنا، وتترك حضورها الآسر في قلوب محبيها.
وكشفت ابنتها بسنت وصايا أمها الأخيرة، وهي أن تواصل ابنتها رسالتها كأم، وأن تعتني بتربية الكلاب التي عاشت معها، واقتنتها على مدى سنوات طويلة.
ورحلت عاشقة التمثيل، لتترك إرثها الفني الزاخر بعطاء متفرد، وودعت عالما لم تجد فيه معنى للوفاء إلا مع زوجها وابنتها بسنت وأحفادها وبعض صديقاتها وأصدقائها المقربين.
«ملكة التعبير» تكشف سر اللوحة الصادمة في منزل العقاد
ارتبطت هند رستم بصداقات وطيدة مع كبار الكتاب والفنانين، مثل إحسان عبدالقدوس ومصطفى أمين ويوسف السباعي والموسيقار محمد عبدالوهاب، وكانت قارئة نهمة، وتمتلك مكتبة ضخمة، وتجيد اللغة الفرنسية.وذات يوم فوجئت بالصحافي مصطفى أمين يعرض عليها مقابلة الأديب الكبير عباس العقاد، وهناك اكتشفت الوجه الآخر لكاتبها المفضّل، واكتملت لديها ملامح شخصيته التي لم تعرفها كقارئة لمؤلفاته كمفكر وناقد وأديب.
وتوقفت أمام لوحة صادمة لامرأة تحيطها الحشرات، وحين سألته عن مغزى اقتنائه لهذه اللوحة، قال عدو المرأة: «حتى لا أنسى»، وأدركت حينها سر كتابته لروايته الوحيدة «سارة»، وأنها ليست عملا متخيلا، بل نتاج تجربة قاسية دفعته للإضراب عن الزواج.
وفي هذا اللقاء الاستثنائي، رشحها العقاد لتجسيد شخصية «سارة» في عمل سينمائي، واعتبرها أكثر ممثلة قادرة على تقمص هذه الشخصية، وظل هذا المشروع السينمائي حلما يراود «ملكة التعبير» اللقب الذي أطلقه عليها العقاد، ويفسر سر استضافته لها في صومعته.
أكبر صدمة بحياتها تصيبها بالوسواس القهري!
تعرضت هند رستم لصدمة وفاة والدتها، أثناء تصوير مشاهدها في فيلم «عواطف» عام 1958، أمام محمود المليجي وكمال الشناوي، ووقع الخبر عليها كالصاعقة، وسافرت على الفور إلى الإسكندرية لدفن والدتها وحضور الجنازة.وتسبب حزنها الشديد في تدهور حالتها النفسية، وإصابتها بالاكتئاب، وانقطعت فترة عن نشاطها الفني، وجلست في منزلها، وذات يوم شعرت هند بآلام شديدة في الصدر، وبعد خضوعها للفحوصات اكتشف طبيبها انسداد أربعة شرايين في القلب، ونصحها بالسفر إلى أميركا لإجراء جراحة عاجلة.
وبالفعل سافرت وخضعت للجراحة، وحذرها الأطباء من العصبية الزائدة والإفراط في التدخين حتى تتحسن صحتها، لكنها عادت إليه مجددا بعد توقف دام ثلاث سنوات.
وعاشت هند حياتها بعد هذه الصدمة مصابة بالعصبية والوسواس القهري، فكانت تهتم كثيرا بالنظافة وتغسل يديها أكثر من عشر مرات، وإذا ذهبت إلى عيادة طبيب لا تلمس مقبض الباب وتضع المُطهِّر على يديها.
رفضت التمثيل في أفلام عبدالحليم حافظ
شاركت هند رستم في بطولة العديد من الأفلام الغنائية مع المطرب فريد الأطرش، وتعثر لقاؤها على الشاشة بالعندليب عبدالحليم حافظ مرتين، الأولى حين رشحها المخرج صلاح أبوسيف لدور في فيلم «الوسادة الخالية» (1957) لكنها رفضته لصغر مساحته، وحلت بدلا عنها الفنانة كوثر شفيق.والمرة الثانية، عندما عرض عليها فيلم «أبي فوق الشجرة» (1968)، وقرأت السيناريو، وشعرت أن الدور لا يناسبها، والتقت عبدالحليم حافظ، وأبلغته رفضها للدور، الذي قدمته بعد ذلك الفنانة نادية لطفي، ووقتها غضب منها جمهور العندليب.