عشرية الإصلاح البنيوي للمسار التنموي
لم تعد جديدة المقترحات الرئيسة التي يتم تداولها وتكرارها في جميع الأوراق والدراسات والمحافل المعنية بالاستدامة الاقتصادية والتنموية في الكويت، الأمر الذي يتطلب لتحقيقه تعاوناً وطنياً وحقيقياً بين السلطات والأجهزة المختصة، دون التغاضي عن الدور المحوري للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الأهلي في هذا الشأن.
فالاستدامة الاقتصادية والإصلاحات البنيوية اللازمة لانطلاق المسارات التنموية، تتطلب على الأقل تحقيق ما يلي من خطوات، نذكرها فيما يلي بغض النظر عن ترتيب أولوياتها:
1- تحديد هوية وطنية للتنمية في الكويت، ونعني بذلك إيجاد عنوان رئيس- قابل للتطبيق- تدور في فلكه كل الخطط الاقتصادية وتخدم مساره كل القرارات الرئيسة، وتحقق أهدافه الخطوات التنفيذية كافة، فتجربة الكويت مع جائحة كورونا كانت ناجحة، حيث كان العنوان والهدف حماية البشر من هول الوباء، فكرست لمكافحته والحد من انتشاره كل الجهود التشريعية والتنفيذية والإعلامية، وسلك القطاعان العام والخاص مسلكاً موحداً ومتناسقاً في مواجهته، وقد سبق أن اقترحت في مقال سابق أن تعلن الكويت «عاصمة للتحول الرقمي».
2- التيسير التجاري: لا شك أن التيسير التجاري وتحسين بيئة الأعمال بجعلها أكثر تنافسية، فهي مطلب رئيس لاجتذاب المستثمرين وتشجيع الشركات المحلية والأجنبية على الاستثمار في الكويت، وتحقيق ذلك يتطلب سرعة المضي في عدة خطوات تبدأ بالحد من البيروقراطية وتسهيل الإجراءات الحكومية ولا تنتهي عند توفير المزيد من الخدمات وتيسير شروط الحصول عليها.
3- تطوير البنية التحتية: فلا يخفى على أحد مدى ارتباط التنمية والاستدامة الاقتصادية في أي بلد بتطوير البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور والمطارات والموانئ والشبكات الكهربائية والاتصالات والمياه من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص، دون أن ننسى البنية التحتية الإلكترونية.
4- ترشيق الإدارة الحكومية وتعزيز الحوكمة: من المتطلبات الضرورية لأي إصلاح في عصرنا الحالي المضي الجاد في ورشة ترشيق العمل الحكومي من خلال إلغاء بعض الأجهزة والكيانات الإدارية غير الفاعلة ودمج بعض المتشابه أو المتكامل منها في اختصاصاته وخدماته، ويترافق ذلك مع تنفيذ خطوات فاعلة لحوكمة القطاع العام وجعل تقديم الخدمات الحكومية أكثر شفافية ومسؤولية وفاعلية، وذلك عن طريق تعزيز مكافحة الفساد وتحسين نظام المساءلة في إدارة الأموال العامة وتعزيز دور المجتمع في مراقبة الإدارة العامة ومراقبة استخدامات أموالها.
5- ترشيد إدارة المالية العامة وتطوير النظام الضريبي: فقد صار ملحاً تقليل الإنفاق العام وتطوير طريقة إعداد الميزانية العامة والصرف منها مع تطوير وتحسين النظام الضريبي بجعله أكثر عدالة وشفافية، فقد يكون مناسباً البحث جدياً في فرض الضرائب العادلة والمجدية وتحديث الأنظمة الإلكترونية للتحصيل الضريبي.
6- تطوير المنظومة القانونية: إذ لا بد من إطلاق ورشة عمل كبرى لتطوير منظومة التشريعات واللوائح اللازمة للنهضة التنموية والاقتصادية.
7- تشجيع ريادة الأعمال: إن توفير بيئة ملائمة للابتكار والإبداع وتسهيل الإجراءات الحكومية وتوفير التمويل والدعم الفني والتدريب المهني اللازم للمبادرين ولأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، تصب جميعها في خانة تشجيع ريادة الأعمال ودعم المبادرات.
8- تطوير أنظمة التعليم والتدريب: لا بد من الالتفات العاجل لتطوير النظام التعليمي والتدريبي وتعزيز القدرات البشرية في مختلف القطاعات، ويقتضي ذلك تطوير المناهج الدراسية وتوفير فرص التدريب المهني وتعزيز الابتكار والبحث العلمي.
9- تحسين إدارة الموارد الطبيعية والاستثمار في الطاقة المتجددة: لقد آن الأوان لوضع خطة استراتيجية متعددة الآجال للحفاظ على الموارد والتحكم بتوزيعها واستخداماتها بطريقة عادلة ومستدامة، فالمياه والطاقة والأراضي والموارد البحرية وغيرها ضرورات آنية للتنمية وحاجات مستقبلية للاستدامة، وفي السياق يجب الإسراع في الاستثمار في الطاقة المتجددة عن طريق تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية وغيرها، وتشجيع الشركات على الاستثمار في هذه المجالات.
10- مواكبة تطورات العولمة الاقتصادية: ويأتي ذلك من خلال اعتماد سياسات الباب المفتوح، والتعاون الإقليمي والدولي الحقيقي في كل المجالات الاستثمارية والتنموية وتبادل الخبرات والطاقات والموارد المالية والبشرية.
خلاصة الأمر أن التنويع الاقتصادي في الكويت صار أمراً ملحاً والتقليل من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل لم يعد رفاهية، الأمر الذي يقتضي تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة كالتجارة والصناعة والتكنولوجيا والابتكار والسياحة والخدمات وغيرها.
الوصفة معروفة، وليس فيما ذكرناه أي جديد، بقي علينا التعاون الحقيقي من أجل التنفيذ، وهي مسؤولية جماعية يشترك فيها المواطن والمقيم، والرجل والمرأة، والطالب والأستاذ، والمشرّع والمسؤول.
* كاتب ومستشار قانوني.