تقدم الملف السوري على الملف اللبناني في مرحلة ما بعد الاتفاق السعودي - الإيراني، بعد أن كان اللبنانيون يتوقعون أن يأتي دور لبنان بعد اليمن، الذي يحتل سلّم الأولويات السعودية. وفيما يبدو الإيقاع اليمني متسارعاً للوصول إلى حل، برزت سورية في التريب الثاني على سلم الأولويات السعودية، من خلال التطور السياسي الذي شهدته العلاقة بين دمشق والرياض، بعد زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للسعودية، ولقائه نظيره السعودي فيصل بن فرحان.
ولم تشكل الخطوة مفاجأة، لأنها كانت متوقعة، لكن ما هو مفاجئ كان سرعة إيقاع الحركة، وصولا إلى تكاثر الحديث عن احتمال توجيه دعوة للرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية في الرياض، وهو أمر لم يحصل توافق حوله في الاجتماع الوزاري الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزراء خارجية مصر والعراق والأردن في جدة.
لكن كل هذه التطورات تشير إلى أن الملف السوري يتقدم على الملف اللبناني، لا سيما إن كانت السعودية وضعت شروطا لكلا البلدين ولا بد من تطبيقها للبحث في إعادة العلاقات وتقديم المساعدات، علما بأن التطور السياسي على خط العلاقة السعودية السورية بدأ بدون تحقيق أي من هذه الشروط، باستثناء بعض المعلومات التي تتحدث عن ضغوط إيرانية على المسؤولين السوريين لوقف تهريب المخدرات وضبط الحدود.
وهنا تقول مصادر، نقلا عن مسؤولين سعوديين بارزين، إن الرياض على قناعة تامة بأن طهران ستكون ملتزمة بكل مندرجات اتفاق بكين، وأنها ستطبقها ولن تحيد عنها، كما أنها ستساهم مع حلفائها في تحقيق ذلك، وهذا يتبدى في اليمن، ولا بد له أن ينعكس في سورية ولبنان. صحيح أن الرياض تتمسك بالشروط السياسية التي وضعتها على دمشق، كما تتمسك بالشروط السياسية التي فرضتها على لبنان خاصة لجهة المواصفات المطلوبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولكن في لبنان تتضارب المواقف حول كل هذه التطورات، فحلفاء طهران ودمشق يعتبرون أنهم سيحققون مكاسب سياسية بموجب هذه الاتفاقات في المرحلة المقبلة، لأن السعودية مهتمة جدا باليمن، وبالتالي ستقدم تنازلات في سورية ولبنان، بينما خصوم حزب الله وإيران يعتبرون أن الاتفاق ينص على عدم التدخل في شؤون الدول، وبالتالي فإن طهران وحلفاءها هم الذين سيقدمون التنازلات، بما أن السعودية كانت قد أدرات ظهرها ولم يكن لديها أي حسابات أو مصالح في هذه الساحات، وبالتالي لا شيء لديها لتقدمه من تنازلات، فيما الآخرون هم الذين يطالبون بعودة سعودية.
ولا يزال المسار يحتاج إلى وقت طويل لتظهر ملامح الأفق في المرحلة المقبلة، ولتتبين ملامح التسوية ولصالح من ستكون، أم أنه سيتم الوصول إلى صيغة تقوم على قاعدة لبنانية معروفة وهي «لا غالب ولا مغلوب». وهنا لا يمكن إغفال الموقف الأميركي الذي من الواضح أنه يسعى إلى التخفيف من وتيرة سرعة التطبيع مع دمشق أو دعوتها للقمة العربية.
كما أن الموقف الأميركي، الذي يتباعد مع السعودية في سورية، فيبدو أنه متقارب معها في لبنان حيال المقاربة التي تطرحها الرياض للرئاسة، وهنا يظهر التباعد الأميركي الفرنسي، إذ تشير مصادر متابعة إلى أن الأميركيين يستغربون سبب تمسك فرنسا بخيار سليمان فرنجية، فيما يقول المسؤولون الأميركيون إنهم يؤيدون موقف السعودية ولن يتركوها وحدها في هذا المجال. وبحسب المعلومات فإن السعودية لا تزال على موقفها إزاء الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وقد أبلغت الفرنسيين الأسبوع الفائت برفض الضمانات التي نقلوها عن فرنجية.