خاض جميل راتب تجربة سينمائية أثارت الجدل بخروجها عن سياق أفلامه السابقة، حين شارك في فيلم «بحر الأوهام» (1983)، قصة الكاتبة إقبال بركة وإخراج نادية حمزة، وشارك في البطولة مجموعة من النجوم، منهم حسين فهمي وبوسي ومريم فخرالدين وشويكار ونجاح الموجي.
وتناول الفيلم موضوعًا شائكًا، وقدمت نادية حمزة في أولى تجاربها الإخراجية، توليفة تجارية من خلال تناول عوالم الرذيلة في إطار من الرقص والغناء، وأجازت الرقابة عرض الفيلم بعد حذف بعض المشاهد، ولكنه لم يصمد طويلًا في دور العرض السينمائي.
وانضم جميل راتب مع نجوم «بحر الأوهام» إلى أبطال آخرين، طالهم مقص الرقيب، لتناولهم هذا الموضوع الشائك، والمفارقة أن الرقابة في عام 1983، منعت عرض فيلمين يتناولان عالم الرذيلة، وهما «درب الهوى» للمخرج حسام الدين مصطفى، من بطولة يسرا وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز وفاروق الفيشاوي، والفيلم الثاني «خمسة باب» إخراج نادر جلال وبطولة عادل إمام ونادية الجندي وفؤاد المهندس.
عالم الجريمة
وارتحل راتب إلى عالم الجريمة، وجسّد دور رجل الأعمال «حشمت» في فيلم «إنهم يقتلون الشرفاء» (1984)، تأليف وإخراج ناصر حسين، وبطولة فريد شوقي وليلى علوي وصلاح السعدني ومريم فخرالدين ومحمد أبوالحسن وهياتم وكمال حسين وعبدالسلام محمد.
ويدور الفيلم حول اتهام الشاب «أحمد» بقتل خطيبته «هند» بعد عدوله عن الزواج منها، وحدوث مشادة عنيفة بينهما، وتصطدم بحافة طاولة وتغيب عن الوعي، ويفر من الشقة ظنًا أنها ماتت، وتصل صديقته «درية» فتجهز عليها وتعترف لأحمد، ويعمل رجل الأعمال حشمت والد أحمد على الضغط على المستشار محمد صبري لتبرئة ابنه، وسرعان ما تتكشف الحقائق.
ويتابع راتب رحلته مع أفلام الجربمة في «اللعنة»، وجسّد شخصية «الدكتور حلمي النجّار» أمام مجموعة من النجوم، منهم نور الشريف ومديحة كامل وعبدالرحمن أبوزهرة وأحمد بدير، والفيلم تأليف وإخراج حسين الوكيل.
وتدور أحداث «اللعنة» حول الصحافي حمدي الذي يدخل إلى مستشفى الأمراض العقلية مدعيًا أنه مختل عقليًا، ليحقق سبقًا صحافيًا، باكتشاف سر مقتل أحد المرضى، وتظهر عليه بعض التغيرات نتيجة اندماجه مع تفاصيل هذا العالم، لكنه يتوصل إلى القاتل.
صراع الأيام
تنوعت أفلام جميل راتب في عام 1985، وشارك في بطولة الفيلم الكوميدي «علي بيه مظهر و40 حرامي» مع محمد صبحي وسمية الألفي ومحمد رضا وأحمد راتب، والفيلم تأليف لينين الرملي وإخراج أحمد ياسين، وسبق تقديمه في مسلسل تلفزيوني، وحقق نسبة مشاهدة عالية.
ويحكي الفيلم قصة الشاب البسيط «علي مظهر» الذي يحلم بالثراء السريع لاعتقاده بأنه يملك قوى عقلية خارقة، وبالفعل يبدأ بتحقيق حلمه عندما يتعرف على رجل الأعمال «ممتاز» ويعمل معه، وفي نفس الوقت يحاول الزواج من «حسنية» التي يظن أنها من الأثرياء، ليصطدم بسلسلة من المفاجآت في رحلته.
وفي «صراع الأيام» جسد راتب شخصية «فريد بيه» أمام بوسي وفاروق الفيشاوي، وحاتم ذوالفقار، ويدور الفيلم في إطار ميلودرامي حول الصراع بين الخير والشر، تتخلله بعض الاستعراضات الغنائية، عن قصة للمخرج والسيناريست ياسين إسماعيل ياسين، وإخراج يوسف شرف الدين.
جسد راتب في «سنوات الخطر» شخصية المحامي «أحمد المانسترلي» المنشغل بعمله عن رعاية ولديه «وائل ومروة» ما يتسبب في إهمالهما لدراستهما، وشعورهما بالضياع، والفيلم قصة ضحى أحمد علي وإخراج نجدي حافظ، وبطولة شويكار وهشام سليم وسماح أنور ووائل نور، وعرض بدور السينما في منتصف ديسمبر.1985
وعاد راتب إلى الكوميديا في «العبقري خمسة» وجسد شخصية زعيم عصابة أمام محمد صبحي وإلهام شاهين، والفيلم قصة سمير عبد العظيم وإخراج أحمد ياسين، وتدور الأحداث حول فشل المهندس «محمود» في أول تجربة لاختراعه، ويصاب بالاكتئاب وتقف خطيبته «عائشة» إلى جانبه لكي يحاول ثانية، حتى تنجح التجارب، وتتصاعد الأحداث عندما تتعرض حياة عائشة للخطر، حين تختطفها عصابة تحاول سرقة الاختراع.
وانضم جميل راتب إلى فريق عمل «التريللا» قصة فتحي رضوان المنجي وإخراج صلاح سري، وجسد شخصية «الدكتور عادل» أمام مديحة كامل وسمير غانم ومريم فخرالدين وأحمد بدير، ويدور الفيلم في إطار كوميدي حول اعتراض رجل ثري على زواج ابنته من شاب، للفارق الاجتماعي بينهما، ويوافق على زواجها من الدكتور عادل، يتضح أنه يجري في معمله تجارب لتحنيط البشر.
الكيف وبونابرت
وكان جميل راتب على موعد مع فيلمين من أهم أعماله، الأول «وداعاً يا بونابرت» للمخرج يوسف شاهين، وجسد شخصية «فرط الرمان» والفيلم إنتاج مصري - فرنسي، وشارك في بطولته مجموعة من الممثلين من مصر وفرنسا، ورشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في عام 1985.
والثاني فيلم «الكيف» ولعب دور تاجر المخدرات «سليم البهظ» أمام محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني ونورا، وكتب السيناريو محمود أبوزيد وإخراج علي عبدالخالق، وعرض هذا الشريط السينمائي في 16 سبتمبر 1985، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
ويناقش «الكيف» قضية المخدرات وتأثيرها في المجتمع، ويرصد مظاهر العشوائية في عالم الغناء كمرادف لإدمان السموم، وانتشار ظاهرة «الكاسيت» وظهور كثير من المغنين لا علاقة لهم بالفن، ويعد هذا الشريط السينمائي من أهم الأفلام المصرية لفترة الثمانينيات ومصنف ضمن أهم الأفلام المصرية لبراعة كاتبه ومخرجه وأبطاله، ونال جميل راتب جائزة عن دور «البهظ».
والمفارقة أن الفنان جميل راتب رفض هذا الدور، واعتقد أنه غير مناسب له، ولكن المخرج علي عبدالخالق أقنعه بالموافقة، وحقق نجاحاً كبيراً، وكان لراتب بعض العبارات الشهيرة التي رددها في حواره مع يحيي الفخراني أو «الدكتور صلاح» خلال أحداث الفيلم، ليبرر تجارته للمخدرات، منها «أنا عشت حياتي كلها تاجر كيف اﺑﺘﺪﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎي ﻭﺍﻟﺒﻦ ﻭﺍﻟﺪﺧﺎﻥ».
البرئ والبداية
قدم جميل راتب سبعة أفلام في عام 1986، منهم «البرئ» سيناريو وحيد حامد، وإخراج عاطف الطيب، وبطولة أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز وإلهام شاهين وصلاح قابيل وحسن حسني، وكتب الأغاني الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ووضع الموسيقى التصويرية والألحان الموسيقار عمار الشريعي.
وبعد مرور عشرة أعوام على فيلمهما الأول «الكداب» شارك راتب في فيلم «البداية» للمخرج صلاح ابوسيف، وقصة الكاتب لينين الرملي، وبطولة يسرا وأحمد زكي وصفية العمري، وحصل الفيلم على جائزة الجمهور من مهرجان الفيلم الضاحك بسويسرا عام 1986.
ويدور «البداية» في إطار فانتازي، حول طائرة تسقط بركابها في واحة بالصحراء تقع في منطقة معزولة، ويحاول ركاب الطائرة التأقلم مع الوضع الجديد، ويسعى نبيه بك «جميل راتب» للسيطرة على الواحة وينصب نفسه حاكمًا لها، وتتصاعد الأحداث.
أحضان الخوف
وخاض راتب تجربة سينمائية جريئة في فيلم «الأقزام قادمون» مع أولى أفلام المخرج شريف عرفة، وشارك في تلك المغامرة يحيى الفخراني وليلى علوي، وتدور الأحداث حول «شهاب» مخرج إعلانات ناجح يقوم بحملة إعلانية عن افتتاح «ديسكو»، وينشب حريق هائل في القاعة المكتظة بالشباب، فيصاب بصدمة ويسافر إلى مدينة الإسكندرية، ويلتقى القزم «شيكو» الذي شاركه بطولة أحد الإعلانات، ويحكي له عن مأساة مجموعة من الأقزام استولى رجل أعمال يُدعى «رضوان» على أرضهم لبناء مصنع، ويقرر شهاب مساعدتهم.
وتقمص راتب دور زعيم عصابة في فيلم «أحضان الخوف» أمام رغدة وسمير صبري ونجوى فؤاد، وإخراج عبدالمنعم شكري، ويدور الفيلم حول «البرنس» الذي يتزعم عصابة لتهريب المخدرات، ويسيطر على أفرادها من خلال نقطة ضعف في كل منهم، ويخطط للإيقاع بـ«وفاء» التي تعمل مضيفة بشركة طيران وتحب «رشدي» أحد أعوانه ليستغلها في تهريب شحنة مخدرات.
ويكرِّر راتب دور زعيم العصابة في فيلم «ابنتي والذئاب»، تأليف نبيل علام وإخراج حسن الصيفي، وشارك في البطولة أحمد مظهر وشويكار وإلهام شاهين وسعيد عبدالغني، وتبدأ الأحداث باعتراف السجين «حسن» للضابط «بهاء» أن زعيم عصابة المخدرات الذي تسبب في حبسه هو سعيد رجل الأعمال زميله في شركة الأدوية التي يمتلكها، ويضع بهاء خطة للإيقاع بسعيد بإخراج حسن من السجن، وتتوالى الأحداث.
لقاء درامي نادر مع محمود المليجي
عندما عاد الفنان جميل راتب إلى مصر في منتصف السبعينيات، رشحه المخرجون للقيام بأدوار الشر، ليكون امتدادًا للفنان محمود المليجي، ولكن تأجل لقاء الممثلين العملاقين لسنوات، حتى شاركا عام 1978 في مسلسل «الأصابع الرهيبة»، تأليف حمدي عبدالمقصود وإخراج حسن حافظ، وبطولة كمال الشناوي وصفية العمري وحسن عابدين وميمي جمال وناهد جبر.وجسد المليجي شخصية «الدكتور برهان» الذي يجري جراحة عاجلة لموسيقار شهير تعرض لحادث (كمال الشناوي)، وزراعة أصابع بديلة كانت لمجرم يُدعى «ونيس» (جميل راتب) اشتهر بسفّاح النساء ومات في نفس توقيت حادثة الموسيقار. وبعدما يعلم بأن أصابعه البديلة كانت لمجرم، يصاب بعقدة نفسية ويترك الموسيقى.
وفي نفس العام شارك راتب والمليجي في مسلسل «أحلام الفتى الطائر»، لكنهما لم يلتقيا في أي مشهد، وجسد المليجي دور مدير مستشفى للأمراض العقلية، بينما تقمص راتب دور زعيم عصابة يُدعى «رشوان»، وهذا العمل حقق نجاحًا كبيرًا، عن قصة وحيد حامد وإخراج محمد فاضل، وبطولة عادل إمام وعمر الحريري وتوفيق الدقن ومجموعة كبيرة من النجوم ظهروا كضيوف شرف في الحلقات.
وفي عام 1981، التقى راتب والمليجي في فيلم «العرّافة»، سيناريو عبدالحي أديب وإخراج عاطف سالم، وبطولة مديحة كامل ويونس شلبي وعمر خورشيد، وهذا العمل ينتمي إلى نوعية الأفلام السياسية على غرار فيلم «وراء الشمس» و«الكرنك».
عملاق التمثيل يحلم بالإخراج السينمائي
تأجل حلم جميل راتب في خوض تجربة الإخراج السينمائي، لسنوات طويلة، وفي عام 2004 أعلن انتهاءه من كتابة سيناريو فيلم «عصفور الشوارع» يتناول قضية اجتماعية، وبصدد إخراجه من إنتاج مصري – فرنسي مشترك.وفي ذلك الوقت، بدأ التحضير لفيلمه المرتقب، بضم نخبة كبيرة من الفنانين المصريين والبطولة الرئيسية في الفيلم لممثلة فرنسية سيقوم بترشيحها، وبحث أيضًا عن طفل لدور البطولة يجيد اللغة الفرنسية على ألا يتجاوز عمره سبع سنوات، وأعلن أنه سيقوم بإخراج الفيلم والتمثيل فيه خلال الفترة المقبلة، ولكن «عصفور الشوارع» ظل مشروعًا سينمائيًا، وحلمًا لم يتحقق لسفير السينما المصرية. ورغم استقرار راتب في مصر، فإن ذلك لم يمنعه من المشاركة في أفلام عالمية مُجددًا، حيث شارك في الفيلم المغربي «كش ملك»، الذي تقاسم بطولته مع شريهان، والفيلم التونسي «شيشخان»، والفيلم المغربي «صيف حلق فريد». كما صوّر دوره في فيلم مغربي آخر بعنوان «أمس»، وشارك في بطولته ممثل مجري، وجسّد راتب شخصية طبيب متقاعد، ورغم أن الدور مساحته ليست كبيرة، فإنه وافق عليه بسبب شغفه للعمل في تجارب سينمائية مختلفة، وخارج السياق التقليدي لبعض الأفلام المحلية.
مسلسل «هدى شعراوي»... حلم لم يكتمل
كان الفنان الراحل جميل راتب يفتخر دائمًا بصلة قرابته للناشطة الاجتماعية الرائدة هدى شعراوي، وأنها تستحق أن يُكتب عنها أكثر من عمل فني، لتاريخها الوطني، كونها من رائدات الحركة النسائية في مصر، ولها دور بارز لا يمكن إغفاله، وقد شرع في كتابة مسلسل يتناول قصة حياتها، ورسم الخيوط الرئيسة للعمل، إلا أن انشغاله بالتمثيل جعله يتوقف عن إتمام هذا العمل الدرامي.وفي عام 2004، عرض التلفزيون المصري مسلسل «مصر الجديدة»، تأليف يسري الجندي ومراجعة تاريخية للدكتور يونان لبيب رزق، وإخراج محمد فاضل، وبطولة مجموعة كبيرة من النجوم منهم فردوس عبدالحميد ويوسف شعبان وهدى سلطان وأحمد راتب وحمدي غيث وعبدالرحمن أبوزهرة ومحمود الجندي وأحمد خليل.
وتناول المسلسل السيرة الذاتية للمناضلة المصرية رائدة حقوق المرأة هدى شعراوي، التي تزوجت وهي في سن صغيرة من علي شعراوي الذي هو في سن والدها وكان حب الوطن الشيء الوحيد المشترك بينهما، وقيامها بإدارة الاتحاد النسائي الذي كان يدعو إلى استقلال مصر ودخول المرأة في الحياة السياسية.