تشمل المصادر الأساسية أكثر من 1000 مقابلة مع مسؤولين أميركيين ودوليين، بعضهم متقاعد والبعض الآخر لا يزال في الحكومة، وقد شاركوا جميعاً في صناعة السياسة وتنفيذها بطريقة مباشرة. وافق معظم من قابلتُهم على ذكر أسمائهم. استندتُ أيضاً إلى وثائق داخلية ومذكرات منشورة تعود إلى شخصيات شاركت في صنع التاريخ بتلك الحقبة. لكن رغم طلباته المتكررة، لم يوافق كيسنجر ونيكسون على مقابلة هيرش في المرحلة التحضيرية لهذا الكتاب.
نظام جديد
بدا أداء هنري كيسنجر خلال الشهرين الفاصلين بين تعيينه كمساعد خاص لشؤون الأمن القومي وتنصيب ريتشارد نيكسون مثالياً. حصدت مؤهلاته الأكاديمية إشادة واسعة في الصحافة. هو جَمَع فريقاً من الطراز الرفيع، ونجح في تحقيق أول طلب رئاسي: طرح توجيهات جديدة للسيطرة على السياسة الخارجية. أراد نيكسون وكيسنجر نقل الصلاحيات إلى البيت الأبيض، أي إليهما شخصياً.
وتماشياً مع نمطٍ أصبح نموذجياً مع مرور الوقت، بقي نيكسون في خلفية الأحداث عموماً خلال الصراع لإنشاء نظام مجلس الأمن القومي الجديد في أواخر ديسمبر ويناير. تعامل كيسنجر، الذي كان يمثّل مطالب رب عمله المُلحّة، مع بُغض وزارة الخارجية والوزير الجديد الذي استلمها، ويليام روجرز، وبدا وكأنه حقق أكبر الانتصارات على روجرز.
كان كيسنجر يصبو إلى اكتساب سلطة مؤسسية. نشأ مجلس الأمن القومي تزامناً مع تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية، بموجب قانون الأمن القومي في عام 1947، وقد كلّفه هذا القانون بتقديم التوصيات إلى الرئيس «بما يتماشى مع تكامل السياسات المحلية والخارجية والعسكرية المرتبطة بالأمن القومي». لكن لم يبقَ مجلس الأمن القومي مجرّد منصة للتوفيق بين المصالح المتنافِسة في الأوساط البيروقراطية. بل أمره الكونغرس أيضاً «بتقييم وتحليل أهداف الولايات المتحدة، والتزاماتها، والمخاطر التي تواجهها على مستوى قوتنا العسكرية الحقيقية والمحتملة» بطريقة مستقلة. شمل أعضاء مجلس الأمن القومي الشرعيون الرئيس ونائبه، ووزيرَي الخارجية والدفاع، ومدير مكتب التخطيط للطوارئ، حيث يكون رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير الاستخبارات المركزية جزءاً من المستشارين.
الوكالات الاستخبارية
كذلك، دعا تشريع عام 1947 إلى تعيين مدير تنفيذي لمجلس الأمن القومي، على أن يستفيد نظرياً من نفوذ هائل للسيطرة على العمليات الخارجية التي تنفذها القوات المسلحة والوكالات الاستخبارية ومراقبتها. لكن كان كل رئيس، بدءاً من هاري ترومان، يميل إلى نقل مسؤوليات شؤون الأمن القومي إلى مساعد خاص من فريق البيت الأبيض، فينشط هذا الأخير بشكلٍ مستقل عن مجلس الأمن القومي ومديره التنفيذي.
في عهد أيزنهاور، أصبح نظام مجلس الأمن القومي بيروقراطيا بدرجة مفرطة، فتأسس مجلس تخطيط رسمي لمراقبة جميع وثائق السياسة الخارجية التي تصل إلى الرئيس ومراجعتها. نتيجة لذلك، نشأ إجماع حذر وصدرت توجيهات سياسية عامة أضعفت تأثير مجلس الأمن القومي ولم تنجح في تحدي سلطة وزير الخارجية جون فوستر دولز الذي كان على صلة شخصية وفلسفية وثيقة مع الرئيس.
تجنب الرئيس كينيدي بدوره الجهاز الرسمي في مجلس الأمن القومي، وسلّط الأضواء على منصب مساعِد رئيس شؤون الأمن القومي عبر تعيين مكجورج باندي، أستاذ في جامعة «هارفارد» وعميد إحدى الكليات فيها. في زمن الأزمات، كان كينيدي يتجاوز مجلس الأمن القومي دوماً، فيطلق النقاشات، ويفتعل الخلافات بين الوكالات، ويجلب صناعة القرار إلى البيت الأبيض عند الحاجة. خلال أزمة الصواريخ الكوبية، في خريف عام 1962 مثلاً، تم اتخاذ القرارات والمصادقة عليها عبر لجنة «إكسكوم» التي نشأت سريعاً وتألفت من أشخاص مقرّبين من كينيدي، وقد اضطلع فيها باندي بدور بارز.
تابع مجلس الأمن القومي ومديره التنفيذي العمل خلال تلك السنوات، لكن خسرت نشاطاتهم أهميتها. كذلك، اختار الرئيس جونسون أسلوب المناورة بطريقة غير رسمية في المسائل الأساسية، لا سيما عند تعامله مع الحرب في فيتنام، ثم نظّم مناسبات غداء متكررة في أيام الثلاثاء حيث يجتمع المسؤولون في الإدارة الأميركية، بما في ذلك والت روستو الذي أصبح المساعد الخاص بعد استقالة باندي عام 1966، لمناقشة وصياغة السياسات من دون أي مذكرات أو خطط مسبقة.
خلال تلك السنوات، كان المساعدون في فريق مجلس الأمن القومي يضطرون لفعل كل ما يلزم لدعم مساعد الرئيس في شؤون الأمن القومي، ثم زاد عدد الموظفين في مجلس الأمن القومي بوتيرة ثابتة. بحلول بداية الستينيات، كان المساعدون في فريق مجلس الأمن القومي يشغلون عشرات المناصب في البيت الأبيض ومبنى المكتب التنفيذي. كذلك، احتفظ المدير التنفيذي في مجلس الأمن القومي، مع فريقه الصغير، بمكاتب في مبنى المكتب التنفيذي. لم يصبح عمل الفريقَين رسمياً قبل وصول ريتشارد نيكسون إلى السلطة.
وحدة مكافحة التجسس
من بين أقرب الرجال إلى الرئيس المُنتخَب في ديسمبر 1968، اعتُبِر كيسنجر الأكثر خبرة في شؤون الأمن القومي، فهو كان مستشاراً لمجلس الأمن القومي في عهد كينيدي وكان مطلعاً على العمليات الاستخبارية السرّية. عمل كيسنجر في وحدة مكافحة التجسس في الجيش مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، وتابع خدمته في ألمانيا الغربية المحتلة بعد الحرب. تم تعيينه في نهاية المطاف في الكتيبة رقم 970 من وحدة مكافحة التجسس في الجيش، وقد شملت مهامها دعم تجنيد ضباط استخباريين نازيين سابقاً لتنفيذ عمليات معادية للسوفيات داخل المساحات السوفياتية.
بعد دخوله جامعة هارفارد لمتابعة تحصيله العلمي في 1947، حين كان في الرابعة والعشرين من عمره، حافظ على روابطه مع الاستخبارات العسكرية بصفته ضابطاً احتياطياً. بحلول عام 1950، أصبح طالباً متخرجاً وعمل بدوام جزئي لصالح وزارة الدفاع كمستشار لمكتب أبحاث العمليات (كان من أوائل خريجي «هارفارد» الذين راحوا يتنقلون بانتظام إلى واشنطن). أجرت تلك الوحدة، تحت إشراف مباشر من هيئة الأركان المشتركة، دراسات شديدة السرّية حول مسائل مثل استعمال الناشطين الألمان السابقين ومناصري الأحزاب النازيين في نشاطات وكالة الاستخبارات المركزية السرّية.
في عام 1952، عُيّن كيسنجر مستشاراً لمدير مجلس الاستراتيجية النفسية، وهو جناح ناشط في مجلس الأمن القومي ويُعنى بتنفيذ عمليات نفسية وشبه عسكرية خفيّة. في عام 1954، عيّن الرئيس أيزنهاور نيلسون روكفلر كمساعده الخاص للتخطيط للحرب الباردة، ويقضي هذا المنصب بمراقبة عمليات وكالة الاستخبارات المركزية السرية والمصادقة عليها. شهدت تلك الفترة نجاحات وكالة الاستخبارات المركزية في إيران حيث وصل الشاه إلى العرش، وفي غواتيمالا حيث سقطت حكومة جاكوبو أربينز التي كانت تعتبر معادية للولايات المتحدة وقطاع الأعمال. في عام 1955، تم تعيين كيسنجر، الذي أصبح معروفاً في الأوساط الخاصة بقربه من روكفلر واتكال هذا الأخير عليه، كمستشار لمجلس تنسيق العمليات في مجلس الأمن القومي، علماً أن هذه الهيئة كانت الأكثر تأثيراً على صناعة القرارات المرتبطة بتنفيذ عمليات سرّية ضد الحكومات الأجنبية.
تقدير كبير
لم يكتب كيسنجر أو يَقُل الكثير عن مستوى اطلاعه على العمليات السرية في بداية الخمسينيات. يتذكر مسؤولون استخباريون سابقون أن الطالب الشاب في «هارفارد» لفت انتباه آلن دولز، المدير المؤثر لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد أيزنهاور، قبل أن يُعيّنه روكفلر. يقول عنه إيلمر ستاتس، المدير التنفيذي لمجلس تنسيق العمليات بين عامي 1953 و1958: «كان يحظى بتقدير كبير. لطالما تكلم آلن عن اجتماعاته معه. هو ووالت روستو (كان حينها أستاذاً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) اعتُبرا فريقاً مثالياً».
لكن لا يعرف الكثيرون أن نائب الرئيس نيكسون أصبح بديلاً عن روكفلر، في أواخر عام 1955، فبات مستشار الرئيس في استراتيجيات الحرب الباردة. لا تشير أي سجلات إلى حصول لقاء بين نيكسون وكيسنجر في تلك الأيام، مع أن عدداً كبيراً من المساعدين الاستخباريين السابقين يظن أن نيكسون كان على علم بعمل كيسنجر الاستخباري.
عمل متناغم
لكن تبرز أدلة مفادها أن نيكسون وكيسنجر كانا يعملان بتناغم يفوق ما توقّعه المراقبون الخارجيون (أو حتى جهات داخلية عدة في أوساط نيكسون) بعد أيام على تعيين كيسنجر. اتضحت مساعي فرض السيطرة خلال مؤتمر صحافي أجراه الرئيس المُنتخَب نيكسون، في 2 ديسمبر 1968، حيث أعلن تعيين كيسنجر رسمياً وقدّم مستشاره في مجال الأمن القومي أمام الصحافة. أبلغ نيكسون الصحافيين بأن كيسنجر سيبدأ سريعاً بإعادة إحياء نظام مجلس الأمن القومي، فيطلق «إجراءات جديدة ومثيرة للاهتمام لضمان ألا يكتفي الرئيس الأميركي المقبل بسماع ما يريده، وهي نزعة شائعة وسط موظفي البيت الأبيض، بل يسمع أيضاً وجهات نظر مختلف الأفرقاء...». في غضون ذلك، «يدرك السيد كيسنجر أهمية ألا يحوّل نفسه إلى جدار فاصل بين الرئيس ووزير الخارجية أو وزير الدفاع. أنا أنوي تعيين وزير خارجية قوي جداً».
لكن لم تكن تصريحات نيكسون تتعلق بما يريد فعله. وفق مذكرات كيسنجر، تطرّق نيكسون في أول لقاء جمعهما، في 25 نوفمبر، إلى «مشكلة تنظيمية هائلة... كانت ثقته ضعيفة جداً بوزارة الخارجية. لم يكن فريقه موالياً له، وقد ازدرى به جهاز الخدمة الخارجية حين كان نائب الرئيس وتجاهله فور رحيله من منصبه. لقد كان مُصمّماً إذاً على إدارة السياسة الخارجية من البيت الأبيض. هو ظن أن إدارة جونسون تجاهلت الجيش وأن إجراءات صناعة القرار لم تمنح الرئيس خيارات حقيقية. لهذا السبب، شعر بأهمية استبعاد وكالة الاستخبارات المركزية من صياغة السياسات. كانت الوكالة مليئة بليبراليين من رابطة الأيفي للجامعات الأميركية، وهم أشخاص كانوا يفرضون الخيارات التي يفضلونها رغم موضوعيتهم التحليلية الظاهرية. لطالما عارضوه سياسياً».
مركزية السلطة
يذكر كيسنجر أنه وافق بكل بساطة على «ضرورة إطلاق مسار ذي طابع رسمي لصناعة القرار». في المقابل، يتكلم نيكسون عن حماسٍ فائق في موقفه. حتى انه يشيد بكيسنجر في مذكراته لأنه تطرّق إلى مفهوم مركزية السلطة في مجلس الأمن القومي داخل البيت الأبيض: «قال كيسنجر إنه مسرور لأنني أدعم هذا التوجه. هو ظن أنني سأحتاج إلى أفضل نظام ممكن لتلقي التوصيات إذا كنتُ أنوي العمل في هذا النطاق الواسع... أوصاني كيسنجر بإنشاء جهاز للأمن القومي داخل البيت الأبيض، فلا يكتفي بتنسيق السياسات الخارجية والدفاعية بل يُطوّر أيضاً خيارات سياسية يمكنني التفكير بها قبل اتخاذ القرارات».
بقي الخلاف بين كيسنجر ونيكسون حول الاقتراحات التي طرحها كل واحد منهما قائماً، لكن لم يُلمِح أيٌّ منهما في المؤتمرات الصحافية إلى المواضيع التي ناقشاها في أوساطهما الخاصة في نوفمبر، أي مركزية السلطة في البيت الأبيض. نَسَب كيسنجر تعليقات نيكسون المُضللة أمام الصحافة إلى خوف الرئيس المُنتخَب من الانتقادات بسبب اقتراح إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي. كتب كيسنجر في مذكراته: «حرصاً منه على تجنب أي انتقادات محتملة، أعلن نيكسون برنامجاً يختلف عما أخبرني به». لم ينزعج كيسنجر من تلك التناقضات، فقال: «وعود كل إدارة جديدة هي أشبه بأوراقٍ فوق بحر مضطرب».
فريق استشاري
كان التعامل مع الصحافة سهلاً بما يكفي، واستمر هذا الوضع على مر ولايتهما الأولى. لكن اضطر الرئيس المُنتخَب ومستشاره الجديد لإتمام مهمّة أصعب بكثير وإقناع عدد من كبار المسؤولين في حملة نيكسون بضرورة حصر جميع الصلاحيات بيد الرئيس. في خضم هذا الصراع القوي والسرّي الذي سبق تنصيب الرئيس الجديد وكان يهدف إلى فرض السيطرة على مجلس الأمن القومي، خرج نيكسون من الظل، لمرة واحدة على الأقل، لمساعدة كيسنجر في خداع عضو بارز من الطاقم الرئاسي والتلاعب به. كان برايس هارلو أول خصمٍ لهما، وهو مساعد أيزنهاور السابق، وكان قد خَدَم نيكسون بكل أمانة خلال حملة عام 1968، وبدا وكأنه يملك سلطة كبيرة في تلك الأيام الأولى. تمت الموافقة على اقتراحه الأول بشأن مجلس الأمن القومي، فاستدعى نيكسون الجنرال أندرو غودباستر، نائب قائد القوات الأميركية في فيتنام الجنوبية، كي يصبح مستشاره العسكري المؤقّت.
كان الجنرال غودباستر جزءاً من موظفي البيت الأبيض خلال عهد أيزنهاور، وقد تولى حينها شؤون الأمن القومي. برأي هارلو، عمل مجلس الأمن القومي كفريق استشاري وتحليلي، بدل أن يصنع القرارات بنفسه، خلال تلك السنوات بالذات. هكذا كانت مهمّته أيضاً بقيادة أصحاب إرادة قوية من أمثال مكجورج باندي ووالت روستو في إدارتَي كينيدي وجونسون. في منتصف ديسمبر، طرح هارلو هذه الآراء أمام كيسنجر ونيكسون. هو يقول عن هذه المسألة: «كنتُ مقتنعاً بضرورة أن يبقى كيسنجر خبيراً احترافياً مجهولاً وبعيداً عن الأنظار يقضي دوره بتقديم الوثائق إلى كبار القادة للسماح لهم بتنفيذ إرادتهم. أخبرتُهما بأهمية أن يعيدا مجلس الأمن القومي إلى دوره الصحيح». خرج هارلو وهو مسرور بمسار ذلك الاجتماع وبموافقة كيسنجر الظاهرية على كلامه، لكنه أصبح حينها رجلاً مستهدفاً. تم تعيينه كواحد من مساعدي الرئيس الأربعة بعد تنصيبه، لكنه أدرك سريعاً أن منصبه لا معنى له وأن واجباته تنحصر في البيت الأبيض الذي يديره نيكسون، وهاري روبينز هالدمان بصفته كبير الموظفين، وجون إيرلشمان الذي كان حينها مستشار البيت الأبيض، وهنري كيسنجر.
أدرك هارلو لاحقاً أن كيسنجر ونيكسون لم يرغبا في أن يكون مجلس الأمن القومي قناة مجهولة، بل أرادا فرض سيطرتهما لإبلاغ البيروقراطيين بالمواضيع التي تحتاج إلى أبحاث وبتوقيت تحضير التقارير عنها. كان إنشاء الآلية الجديدة أول وأهم عملية استلمها كيسنجر. لكنه عمل حتى تلك الفترة كمستشار بدوام جزئي في البيت الأبيض ولم يكن يعرف الكثير عن الأعمال اليومية في مكتب المساعد الخاص ومجلس الأمن القومي. من أين يبدأ إذاً؟ في هذه المرحلة، قرر اللجوء إلى مورتون هالبرين، نائب مساعد وزير الدفاع البالغ من العمر ثلاثين عاماً. كان هالبرين رجلاً عدائياً وكتوماً وطموحاً، واعتُبِر من ألمع المديرين في البنتاغون. اضطلع هذا الأخير بدورٍ مهم لمساعدة إدارة جونسون على عكس سياساتها في فيتنام، وأصبح قوة مؤثرة في خطط الإدارة المرتبطة بالحد من الأسلحة الاستراتيجية.
لم يجد هالبرين مشكلة في العمل لصالح إدارة نيكسون، فهو الجمهوري الذي كان واحداً من مؤسسي «جمعية ريبون» الجمهورية في منتصف الستينيات. في بداية عام 1967، حين كان يعمل في البنتاغون، تكلموا معه أيضاً عن استلام منصب مستشار السياسة الدولية في إدارة نيكسون خلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية في عام 1968. كما أنه أمضى ست سنوات وهو يشارك في سلسلة من الدورات عن السياسة الدفاعية في جامعة هارفارد مع كيسنجر، بدءاً من عام 1961، وهي السنة التي نال فيها شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة يال. لقد كان يسعى إلى نيل منصب في مجلس الأمن القومي منذ الإعلان عن تعيين كيسنجر.
مذكرة هالبرين وإعادة تنظيم مجلس الأمن القومي
في حديثه عن علاقة كسينجر بمورتون هالبرين، نائب مساعد وزير الدفاع، يروي هيرش أنه كان يفترض على هالبرين أن يلقي محاضرة في 16 ديسمبر، خلال ندوة كيسنجر عن سياسة الأمن القومي في جامعة هارفارد. تبيّن لاحقاً أنها ستكون آخر إطلالة لكيسنجر في «كامبريدج»، مبينا أن الرجلين تكلما، ثم طلب كيسنجر من هالبرين الانضمام إلى فريقه، كانت مهمته الأولى تقضي بتحضير تقرير عن تقنيات تحليل الأنظمة لاستعمالها في صناعة قرارات السياسة الخارجية. ويضيف: اقتنص هالبرين هذه الفرصة وتولى صياغة مذكرة شاملة تضع جميع الصلاحيات تقريباً بيد مستشار الأمن القومي. فَهِم هالبرين حاجات رب عمله، مثلما أدرك كيسنجر حاجات رئيسه. أعطى النظام المقترح كيسنجر صلاحية تحديد جدول اجتماعات مجلس الأمن القومي، ومنحه رئاسة مجموعة مراجعة تُعنى بتقييم مختلف الخيارات التي يحضّرها البيروقراطيون. استناداً إلى الآلية المعتمدة، تسيطر وزارة الخارجية على هذه العملية. في غضون ذلك، منحت مذكرة هالبرين صلاحيات مباشرة إلى كيسنجر تسمح له بتوجيه الأوامر إلى وزارة الخارجية ووكالات أخرى لتحضير خيارات حول مسائل محددة. عُرِفت هذه الأوامر لاحقاً باسم «مذكرة دراسة الأمن القومي». كان القرار السياسي الذي يتخذه الرئيس ويَصدر بعد اجتماع مجلس الأمن القومي يظهر على شكل مذكرة سرّية لقرارات الأمن القومي من صياغة كيسنجر وفريقه. ثم تتولى لجنة يرأسها ممثّل عن وزارة الخارجية تنفيذ سياسة الرئيس لاحقاً (إنها المجموعة السياسية المهمة الوحيدة التي تابعت وزارة الخارجية إدارتها). تتولى هذه المجموعة في الوقت نفسه مسائل غير مهمة بما يكفي بالنسبة إلى مجلس الأمن القومي ككل. استناداً إلى النظام المقترح أيضاً، يجب أن ترسل فِرَق العمل الأدنى مستوى في كل منطقة جغرافية تقاريرها إلى المسؤولين في البيت الأبيض مباشرةً. حصلت وثيقة هالبرن على دعمٍ كامل من كيسنجر وأصبحت ركيزة لإعادة تنظيم مجلس الأمن القومي بموافقة نيكسون في المرحلة اللاحقة.